القبة الحديدية وبطانتها الحريرية
"القبة الحديدية" الواقية، ليست أحصن القبب الواقية للكيان المدلل، الذي يحمل رخصة شبه معلنة بالقفز من فوق القوانين الدولية، وهي قبة ذات طبقات تشبه أوراق ثمرة البصل، لكن قشورها قاسية مثل قشرة الجوز.
القبة الحديدية وصف مجازي لمصيدة دفاع جوي بالصواريخ، جوالة، طورتها شركة رافائيل لأنظمة الدفاع المتقدمة، عملها اعتراض الصواريخ قصيرة المدى والقذائف المدفعية، وصيدها بالكلاب السلوقية الإلكترونية. اختار وزير الدفاع الإسرائيلي عمير بيرت مصدّة القبة الحديدية في شباط/ فبراير 2007، وبلغت كلفة تطويرها 210 مليون دولار، بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي، وقد دخلت الخدمة في منتصف عام 2011م.
"البصلة الحديدية" ليست طبقة واحدة وحسب، إنما هي طبقات عقائدية وسياسية وأخلاقية وقانونية وإعلامية، أولها القبة الحديدية البريطانية التي "نصبتها" بمدافع الشرعة الدولية في معاهدة سايكس بيكو، ووعد بلفور بإنشاء وطن قومي لليهود، في متن الرسالة التي أرسلها آرثر جيمس بلفور بتاريخ 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 1917 إلى اللورد ليونيل والتر دي روتشيلد؛ يشير فيها لتأييد حكومة بريطانيا لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
الطبقة الثانية، هي طبقة الرعاية الأمريكية، وهي طبقة وغشاء، بدعمها وتسليحها ومؤازرتها إعلاميا، وهي لا تحتاج إلى علامات، فهي ظاهرة للبيان. فقد أرسلت أمريكا بالأمس حاملتي طائرات إلى البحر المتوسط، واحدة اسمها "يو اس اس أيزنهاور"، ومجموعة السفن الحربية التابعة لها، والثانية اسمها "جيرالد فورد" لتكون قبة حديدية واقية في البحر للكيان المذكور، في أعقاب "طوفان الأقصى". أما الغشاء الناعم، فيظهر في الأفلام والإعلام، وأحيانا في قصائد الخطاب السياسي، كما ظهر في دموع الناطق باسم البيت الأبيض جون كيربي دمعتين "دراميتين" على الهواء بعد عملية طوفان الأقصى.
تليها طبقات الحماية الأوروبية القانونية التي تجرّم الحديث عن المحرقة المقدسة أو نقد إسرائيل، وطبقة القبة الإعلامية الغربية الهائلة التي تشيطن المقاومة، وكان آخرها اتهام المقاومة في غزة بالدعشنة وذبح الأطفال واغتصاب النساء، وتجريم الحديث عن المحرقة أو التعاطف مع الفلسطينيين، بتهمة العداء للسامية، والعرب ساميّون حسب التصنيفات الأوروبية.
أما طبقة الحماية العربية، فهي طبقتان؛ حديدية في الداخل العربي تبطش بشعوبها قتلا وتنكيلا، وحريرية في تعاونها مع الكيان الذي يشرف على الخامسة السبعين.
وطبقة السلطة الفلسطينية؛ وقد أدان رئيسها محمود عباس حركة حماس للتو، في تصريح على موقع الرئاسة، ثم صححها بقوله إن منظمة التحرير هي ممثل الشعب الفلسطيني الوحيد.
وللقبة الحديدية، طبقة حماية في وسائل التواصل، فهي مملوكة لأبناء العم سام، وهي تسرق معلومات أصحاب الحسابات وتعبث بها وتتاجر بها اقتصاديا وسياسيا، وتقوم بحظر آلاف الحسابات والمنشورات والصور الواردة من غزة بذرائع جمالية مثل خشية إثارة الكراهية.
وقد صارت لايكات وسائل التواصل وإعادة التغريد مظنّة للشبهة في بلاد أوروبية، وتعمل دول أوروبية على صياغة قوانين مانعة لمؤزارة الغزيين، أما اسم إسرائيل وحماس، فهو يرد بالعلامات والرموز والكنايات في وسائل التواصل. اختفى اسم إسرائيل في فيسبوك وتوتير وواتساب، وحركة حماس يشار إليها بحرف الحاء، كأننا في سوريا أو كوريا تحسبا من خسارة المنابر على وسائل التواصل الاجتماعي.
أما القشرة الأولى من "البصلة الحديدية"، فهي الأنظمة العربية التي أنشئت قبل اثنتين وثلاثين سنة من إعلان قيام إسرائيل. لم تعلن دولة إسرائيل إلا بعد أن مُهّد لها المهاد تمهيدا.
وقد اخترقت صواريخ المقاومة طبقة القبة الحديدية التي تصاب بالعمى عند رشق الصواريخ، فتصيب وتخطئ، وينفذ منها بعضها، فتعكر الفردوس الأرضي في أرض الميعاد.
أما القبّة السياسة العربية الفولاذية، فلا تزال مصونة محروزة محروسة، وهي أحكم طبقات القبة الحديدية الواقية.
الفرح بالمظاهرات في عواصم القبة الحديدية العربية مثل الأردن والجزائر عقب طوفان الأقصى مبالغ بها، بل إن إعلاميا من إعلاميي محور المقاومة أشاد بها كثيرا، وأطنب في مدح القبب الحديدية العربية، وأغفل القاهرة التي لم تنطلق منها مظاهرات سوى في مكانين هما جامعة الأزهر والجامعة الأمريكية، حيث تجبن المخابرات عن اقتحامهما، فلهما حصانة، حصانة الأزهر رمزية، وحصانة الجامعة أمريكية. بل إن فرحة عدد غير قليل من الإعلاميين بحديث السيسي مع وزير خارجية أمريكا أنتوني بلينكن والذي بُثَّ على التلفزيون المصري مثير للعجب، فالرئيس المصري ركز على أمرين؛ الدعاية لنفسه والإشارة إلى طفولته في الحي اليهودي، وإدانة طوفان الأقصى من غير ذكره، "مفيش كلام"، أي بكل تأكيد.
وقد وقفت المظاهرات الأردنية عند السياج، والسياج سوار حديدي أرضي عاصم، منعهم من اقتحامها بضعة رجال أمن، فإسرائيل محصنة بالجند والحديد، وقد بلغت كلفة الستار الفاصل بين غزة وبين الطيان مليارا ومئتي مليون دولار، وقد غُرس عميقا في الأرض (عشرين مترا)، وزُوّد بمجسدات تتجسس على حركة الدواب الصغيرة.
لكن القبة الحديدية السياسية العربية بدأت بالتشقق مثلها مثل القبة الحديدية الإسرائيلية، تحت تأثير المظاهرات الحاشدة في العواصم الأوروبية.
أهم قبّة محلية واقية هي القبة المصرية، ولها وجهان أيضا، حديدي وحريري، الحديدي ومجلاه في بناء السيسي للسجون، ومناوبته بين نبرتين؛ نبرة برفض اللجوء الذي سيقبل به باسم الإنسانية والأخوة العربية، ونبرة العطف على المدنيين. وأغلب الظن أن مصر ممثلة برئيسها تريد ثمنا لفتح المعبر، هو إعفاء ديونها الكبيرة، وأنّ المماطلة هي لرفع الثمن، وإنَّ الممر الآمن سيفتح إلى سيناء بغطاء الأخوة العربية والرحمة. وسيصير الرئيس بطلا فتح داره للأشقاء، ووسع دار الجيران أيضا، وقد نُسيت الانتخابات المصرية كليا.
تذكّر القبة الحديدية بأسطورة عقربا، وعقربا اسم قرية سورية، وفي الأسطورة أن ملكا رأى رؤية أن ابنته ستموت بلدغة عقرب، فبنى لها برجا عاليا تحصينا لها وتحريزا من العقارب، وكان يمدها بالطعام بالحبال، فماتت بلدغة عقرب تسلل إليها من عنقود عنب.
twitter.com/OmarImaromar
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق