«سامر أبو دقة» نزيف الألم الفلسطيني
كان يدرك أن رصاصات العدو ليست بعيدة عنه فكل رفاق مهنته أصبحوا في مرمى نيران جيش الكيان الصهيوني المحتل، طابور طويل من الشهداء يسبقونه في أعداد شهداء مهنة البحث عن الحقيقة، فالجيش الصهيوني يتعمد استهداف الصحافة، الصحفيين، وعائلاتهم، لكنه لم يكن يتخيل أن تصل وحشية هؤلاء البرابرة الغزاة إلى مواصلة الاستهداف والقتل تعمدا بعد أصابته الأولية التي أصابته ورفيقه في قناة الجزيرة وائل دحدوح، زميل دربه في كل تغطيات قناة الجزيرة في ساحات غزة قبل حرب الإبادة الوحشية التي بدأت منذ 70 ليلة، وبعدها حتى استشهاده.
كانت عائلة وائل قد تم استهدافها منذ أكثر من شهر حينما استهدف منزله من قبل الكيان الذي يطارد الصحفيين الذين يكشفون للعالم جرائمه الوحشية في غزة والضفة الغربية وكل الأراضي الفلسطينية، تلك الجرائم التي يحشد لها العالم الغربي بقيادة الولايات المتحدة، بريطانيا وفرنسا جنود من كل أنحاء العالم ما بين مرتزقة مأجورين، أو جنود لدول متعددة تشارك في القضاء على المقاومة الفلسطينية في أرض فلسطين.
كل هؤلاء لم يتوانوا في استهداف الصحافة والصحفيين الذين يقدمون للعالم حقيقة ما يحدث في غزة من جرائم لم يشهد لها العالم مثيل في حروب كثيرة، كانت عائلة وائل دحدوح مراسل الجزيرة واحدة من عوائل الصحفيين الذين استهدفوا من قبل جيش الاحتلال الصهيوني، فقد وائل في هذا الاستهداف زوجته وابنته، وفي لحظات الوداع المؤلمة أطلق صرخته المدوية (معلش) تلك الصرخة التي عكست القوة والصبر، الألم، والأمل في النصر.
تركوه ينزف ساعات الألم
مرة أخرى يستهدف وائل دحدوح الذي لم يصمت، ولم يستسلم من الضربة الموجعة الأولى، هذه المرة في إحدى المدارس وكان معه سامر أبو دقة مصور قناة الجزيرة، أصيب الزميلان جراء قصف المدرسة التي لجأ إليها النازحون من شمال غزة الذي صار معظم مبانيه حطاما وشهد استشهاد ما لا يقل عن 14000 شهيد أغلبهم من الأطفال والنساء، إنهم يقتلون الحياة، المستقبل، والأمل في الأطفال والأمهات الحوامل.
أصيب الزميلان من رصاص الغدر الصهيوني، قاوموا الإصابة، حاولوا النجاة تجاه قوات الدفاع المدني ليصلوا إلى المستشفيات التي تعمل في ظل ظروف لا يتحملها بشر، استطاع وائل الدحدوح أن يصل إلى مستشفى ناصر، ولكن جنود الاحتلال الصهيوني حاصروا سامر أبو دقة المصور الصحفي حصارا كبيرا.
تركوه ينزف أكثر من ثلاث ساعات يحاول الوصول لكن رصاصات الوحشية الصهيونية كانت تحاصره، تركوه ينزف الألم الفلسطيني الممتد بعمر اغتصاب الأرض وسنوات الاحتلال الوحشي، تركوه ينزف صرخات الأطفال والأمهات، والأجنة في بطونهم في تاريخ طويل من المجازر التي يندى لها جبين العالم اللاإنساني في كل ما يخص العرب، والمسلمين.
تركوه ينزف الجرح الفلسطيني الغائر في الخزي والصمت والاستسلام العربي، تركوه ينزف ألما ودما وأنين قلب من تخاذل الإخوة في الدين والدم واللغة، ينزف القهر والغضب والخزيان الممتد من المحيط إلى الخليج، والصمت العالمي بأممه المتحدة، ومجلس أمنها.
حاولت فرق الإنقاذ المدني أن تمارس مهمتها الصعبة التي تقوم بها تحت سماء لا تتوقف عن إطلاق القنابل، وساحات لا يتوقف فيها إطلاق الرصاص والطلقات المدفعية، لكن جنود الاحتلال طاردوهم قتلا، أطلقوا عليهم الرصاص من مدرعاتهم وآلياتهم وقذائفهم الأمريكية، البريطانية، والفرنسية، ليقتلوا ثلاثة أفراد حاولوا إنقاذ سامر أبو دقة، ليستمر نزيف الدم الفلسطيني شاهدا على مأساة الإنسانية العالمية التي ماتت.
بعد ساعات كانت روح الشهيد قد صعدت إلى سماء أكثر عدلا، رحمة، إنسانية ليصبح الشهيد سامر أبو دقة الشهيد رقم 87 من شهداء مهنة تقديم الحقائق على أرض فلسطين، ليستمر تدفق التضحيات التي تقدمها أسرة الإعلام في غزة، وحتى كتابة هذا المقال كان العدد قد وصل 97 بارتقاء الشهيد عادل زعرب في غارات استهدفت رفح جنوب قطاع غزة ليلة أمس الثلاثاء.
إنهم يكرهون الحقيقة
يتعمد جيش الاحتلال ودولته المزعومة ترويج الأكاذيب عبر تاريخه بداية من ترويج الأساطير حول أرض الميعاد وحقه في فلسطين، والهيكل المزعوم (هيكل سليمان) الذي كشفت باحثة يهودية في القرن الماضي عبر دراسة قيمة أنه لا وجود له، ولا مكان له في فلسطين، أو المسجد الأقصى، وكل الأكاذيب حول الأرض الموعودة وجنة اليهود في القدس.
حتى الأكاذيب التي لا تنتهي كل يوم حول القبض على منتسبي حماس والمقاومة الفلسطينية التي يكشفها المعتقلون من منازلهم في غزة، أو الأنفاق التي يدعون اكتشافها وتدميرها، أو الأسلحة التي حصلوا عليها، ويقوم الإعلام والصحفيون بعد ذلك بتفنيد تلك الأكاذيب وتقديم الحقائق للعالم.
يتعمد الصهاينة الذين اغتصبوا أرضنا في فلسطين إخفاء جرائمهم البشعة التي يقترفونها ضد الأطفال والنساء والشيوخ في أرض فلسطين المحتلة عن العالم حتى يكتمل للعالم الصورة المزيفة حول الصهيوني المسالم الذي تحيطه من كل جانب قوى إرهابية عربية تحاول قتل واحة الديمقراطية الوحيدة في المنظفة.
يقدمون للعالم صورة الوديع الذي يحاول العيش وسط الذئاب البشرية، لذا هم يتعمدون قتل الصحافة والصحفيين، ولعلنا لا ننسى التعمد في قتل الزميلة شيرين أبو عاقلة في اجتياح جنين في 22 مايو/أيار 2022، وكذلك هم لا يتوقفون عن استهداف الصحفيين وعوائلهم.
كشف الجرائم الصهيونية التي تمارس يوميا يسهم في زيادة الوعي العالمي بحقيقة هذا الكيان المغتصب، وأصل فكرته القائمة على العنصرية البغيضة، وكلما زاد كشف تلك الحقائق انتبه العالم إلى حقيقة الكيان الاستعماري الذي ترعاه كل دول الغرب، تلك الدول التي حولت الحرب في غزة إلى حربها على الإسلام والعرب.
استطاع المقاومون من أبناء فلسطين الذين يمتهنون مهنة تقديم الحقيقة للعالم من خلال وسائل إعلامهم أن يكشفوا للعالم حجم الجرائم التي يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي وصار الحق الفلسطيني يتردد في كل مكان في العالم، وأعادت جرائم الحرب، والإبادة التي يقوم بها الصهاينة قضية فلسطين إلى مقدمة قضايا العالم الإنسانية.
بفضل صمود المقاومة الفلسطينية وأبناء مهنة الصحافة صار الشباب في كل العالم يعرف وينادي بحق فلسطين في التحرر وإقامة دولته من البحر إلى النهر، بل إن استطلاع رأي بين الشباب الأمريكي نادى بإنهاء دولة الكيان الصهيوني.
كان صمود المقاومة الفلسطينية المنتصرة في غزة والأراضي الفلسطينية هو السبيل للوصول إلى هذه النتائج، وكذلك صمود الصحفيين الذي لا يتأخرون عن تقديم أرواحهم وأبنائهم في سبيل الحق الفلسطيني وتحرير الأرض، وبهذه الدماء الطاهرة تتحرر الأوطان وبهذه الدماء النبيلة الشجاعة في كل فلسطين يتحقق النصر، وإنه لجهاد نصر أو استشهاد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق