غزة أم المعارك
أثبتت أم المعارك في غزة هشاشة قوة الأعداء واستخباراتهم وأن الهالة التي سوق لها اليهود وأمريكا والتي مفادها أن اليهود قوة لا تقهر ولديها من آلات الحرب والإعلام والاستخبارات والسلاح النووي ما لا يستطيع أحد أن يواجهها، كيف وقد انتصرت على سبعة جيوش عربية في عام 1967م، فعاش الناس دولًا وطوائف تحت أثر هذا الهاجس، فلم يفكر أحد فضلًا أن يعمل على مواجهة اليهود أو ومن وراء اليهود، فجاء المجاهدون جزاهم الله خيرًا فكسروا وحطموا هذا المفهوم، وأبانوا للأمة أن من قام مجاهدًا في سبيل الله تعالى بعد بذل الوسع في الأخذ بالأسباب كان الله في عونه ونصره بأسباب لا تدور في أذهان البشر..
الحرب على غزة حرب دينية
المعركة الأولى: معركة في الوعي والمفاهيم
المعركة الثانية: معركة قيم وأخلاق
المعركة الثالثة: معركة إعلامية وحرب نفسية
المعركة الرابعة: معركة الفضائح والبعثرة
المعركة الخامسة: معركة مع النفس
الحرب على غزة حرب دينية
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أما بعد:
فقد اقتضت حكمة الله عز وجل أن يقيض للحق وأهله أعداء من شياطين الجن والإنس لتتحقق سنة المدافعة والابتلاء والتمحيص والتي يتولد منها عبوديات عظيمة يحبها الله عز وجل ويثيب عليها رضوانه وجنته.
ومهما وضع أعداء الدين من مبررات لعدوانهم وحربهم على الإسلام وأهله كادعائهم بأنها اقتصادية أو طائفية أو لحرب الإرهاب ونشر الحرية فإن الحقيقة القاطعة أن حربهم دينية عقدية دافعها كره الإسلام وخوفهم من هيمنته وذهاب ريحهم ودولتهم قال الله تعالى: ﴿ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾[البروج:8]، وقال سبحانه: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ ﴾[المائدة:59].
وإن ما يدور الآن في أكناف بيت المقدس من حرب شرسة بين معسكر الإيمان المتمثل في كتائب القسام ومن والاهم وبين معسكر اليهود ومن معه من الغرب الصليبي الكافر. إن هذه الحرب لا يختلف فيها اثنان ولا تنتطح فيها عنزان بأنها معركة دينية محتدمة بين معسكر الإسلام السني والمعسكر الصليبي اليهودي: ﴿ فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ ﴾[آل عمران:13].
الحرب على غزة حرب عالمية
وقد تميزت هذه الحرب أن صرح أئمة الكفر من يهود ونصارى بهدفهم من هذه الحرب دون مواربة فأعلنوها حربا دينية بلسان حالهم ومقالهم وما دام الأمر كذلك فإنه يمكن القول بأن المعركة التي تدور رحاها في فلسطين اليوم هي أم المعارك لأنها ليست معركة واحدة بالسلاح والقتل فحسب وإنما هي معارك عدة لا تقل خطرا عن المعركة العسكرية فهي:
1-معركة في المفاهيم والوعي. 2-ومعركة في الآداب والأخلاق. 3-ومعركة إعلامية هدفها الحرب النفسية. 4-معركة الفضائح والبعثرة 5- معركة مع النفس .
وتفصيل هذه المعارك كما يلي:
المعركة الأولى: معركة في الوعي والمفاهيم
إن معركة العقيدة تنطلق بالأساس من مفاهيم محددة ومبادئ ثابتة ينطلق منها كل طرف من أطراف المعركة ويؤمنون بها ومن خلالها تصارع المفاهيم فتتبين المفاهيم النقية الربانية المصدر التي ينطلق منها أهل الحق وبين المفاهيم المنحرفة الجاهلية التي ينطلق منها أهل الباطل ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة. وتصارع المفاهيم الصحيحة والسقيمة لا يتوقف على المشاركين في المعركة القائمة فحسب بل يتجاوز ذلك إلى الأمة المتابعة لهذا الصراع فتتضح بذلك مفاهيمها ويرتفع مستوى الوعي عندها، وتنكشف لها المفاهيم المنحرفة التي كانت مخدوعة بها وأذكر هنا أمثلة لبعض المفاهيم التي تتصارع في صدى معركة طوفان الأقصى وصداها.
أولا: مفهوم التوكل وفعل الأسباب
من الانتصارات التي حققها ويحققها المجاهدون في فلسطين على قلة عددهم وعتادهم ترسيخ لقول الله تعالى: ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾[البقرة:249] ويتبين للمتابع للأحداث المنطلق في فهمه من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم التوازن بين فعل الأسباب والتوكل على الله، ويتحرر من خلال هذا الصراع أن الناس في ذلك طرفان خاطئان ووسط هو الحق وهذا ما بينته أحداث غزة أم المعارك.
الطرف الأول (المفرط في فعل الأسباب): وهو من كان يرى أن المسلمين بمجرد أنهم مسلمون فإن الله عز وجل سينصرهم على الكافرين ولو لم يوفروا شروط النصر؛ من طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، واجتماع الكلمة، واستفراغ الجهد في الأخذ بأسباب العدة والعتاد، وهذا نظر قاصر جاهل بالله عز وجل وأسمائه وصفاته وسننه وعاداته.
الطرف الثاني (المتعلق بالأسباب): وهو يقابل الطرف الأول المفرط بفعل الأسباب حيث يغلو هذا الطرف بالاعتماد على الأسباب ناسيًا قوة الله عز وجل والتوكل عليه؛ ويرى أنه لا يمكن الانتصار على الأعداء حتى يكون لديه من العدد والعتاد مثلهم أو يزيد، وينسى قول الله عز وجل: ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾[البقرة:249]، وهذا ما نسمعه اليوم ونشاهده ممن ضعف إيمانهم وثقتهم بالله؛ فصاروا يرددون بأن حماس تنتحر وهي تواجه من يفوقها أضعافًا مضاعفة بالقوة والعدد والعتاد.
الطرف الوسط (الحق): وهو الذي يرى أنه لابد من الأخذ بأسباب النصر من الإعداد الإيماني وجمع الكلمة وبذل ما في الوسع من الأخذ بأسباب القوة الممكنة من السلاح والتدريب والإعلام والأمن ويتوكلون على الله عز وجل حيث يكفيهم ما لا قدرة لهم عليه ويسخر لهم جنود السماوات والأرض وينصرهم بأسلحة من عنده سبحانه فوق تخطيط البشر وقدراتهم، وهذا ما نحسب أن المجاهدين في فلسطين قد قاموا به وبذلوا ما في وسعهم فكفاهم الله عز وجل مالم يستطيعوا فعله ونصرهم الله عز وجل على عدوهم بجند من عنده، وقذف الرعب في قلوب أعدائهم، وثبتهم وأنزل السكينة عليهم، وقد بان هذا المفهوم الصحيح وانتصر في معركة المفاهيم داخل فلسطين وخارجها.
ثانيًا: مفهوم الولاء والبراء
عاش المسلمون حينًا من الدهر يضللهم أعداء هذا الدين من كفار ومنافقين محاولة منهم في هدم حاجز الولاء والبراء الذي هو أصل التوحيد (الولاء لله ورسوله ﷺ والمؤمنين والبراءة والعداوة للكفار والمنافقين) وطرح الأعداء مفاهيم بديلة عن الولاء والبراء في العقيدة تكرس المفاهيم الأرضية الجاهلية يعقد عليها الولاء والبراء والموالاة والمعاداة فيها كمفهوم الوطنية والقومية والإنسانية فجاءت أم المعارك لتسقط هذه الرايات في أيام معدودة عمل عليها الأعداء عقودًا من الزمان فبدأنا نسمع الولاء للإسلام وأهله، والمعاداة للكفر وأهله، وبدأت الهوية الإسلامية تطفو على السطح؛ ويحن المسلمون إليها والاجتماع عليها، فالحمد لله فقد بدأ انتصار عقيدة الولاء والبراء في الله على الولاء والبراء للرايات الجاهلية التي ذاق الناس تحتها العناء والمشقة.
ثالثًا: مفهوم العولمة وحقوق الإنسان
بذل الغرب الكافر بقيادة أمريكا (أم الخبائث) جهدهم فيما مضى من العقود وهو يسوقون للحضارة الغربية وأنها مصدر الحريات والديموقراطيات والعدل والمحافظة على حقوق الإنسان، وأنشئت لذلك تنظيمات وهيئات، فجاءت معركة غزة العزة أم المعارك فكشفت عوارها وتساقط بنيانها، وبان للقاصي والداني كذبهم وخداعهم ومعاييرهم المزدوجة وحقدهم على الإسلام وأهله، وفي المقابل بان للناس أن دين الله الخالد (الإسلام) هو الدين الوحيد الذي يكفل للناس كافة حقوقهم ويعدل بينهم ويرفع الظلم عنهم ويحقق لهم الخير والمصلحة في العاجل والآجل لمن خضع له واستسلم لشريعته.
رابعًا: مفهوم الجهاد والإرهاب
لقد بان للناس مفهوم الجهاد وغايته في الإسلام ومفهوم جهاد الدفع وجهاد الطلب وأن الله عز وجل شرعه رحمة بالبشرية لنشر التوحيد وإخراج من شاء الله من عبادة المخلوق إلى عبادة الخالق ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، كما تجلت حقيقة الإرهاب ومن هم الإرهابيون على الحقيقة الذين يقتلون الشيوخ والنساء والأطفال العزل؛ وذلك بصورة واضحة ممنهجة لم تعد تخفى على أحد له حظ من العقل، كما أدرك المسلمون أن الحل الوحيد مع الكفرة الغزاة إنما هو بالجهاد، وما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.
خامسًا: مفهوم قوة الأعداء وعدم القدرة على مواجهتهم
أثبتت أم المعارك في غزة هشاشة قوة الأعداء واستخباراتهم وأن الهالة التي سوق لها اليهود وأمريكا والتي مفادها أن اليهود قوة لا تقهر ولديها من آلات الحرب والإعلام والاستخبارات والسلاح النووي ما لا يستطيع أحد أن يواجهها، كيف وقد انتصرت على سبعة جيوش عربية في عام 1967م، فعاش الناس دولًا وطوائف تحت أثر هذا الهاجس، فلم يفكر أحد فضلًا أن يعمل على مواجهة اليهود أو ومن وراء اليهود، فجاء المجاهدون جزاهم الله خيرًا فكسروا وحطموا هذا المفهوم، وأبانوا للأمة أن من قام مجاهدًا في سبيل الله تعالى بعد بذل الوسع في الأخذ بالأسباب كان الله في عونه ونصره بأسباب لا تدور في أذهان البشر، يقول الله عز وجل: ﴿إنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾[محمد 7]، ويقول عز وجل: ﴿مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾[الحشر:2]، وفهم الناس حينئذ قوله تعالى: ﴿إنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾[محمد:7]، وقوله سبحانه: ﴿قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾[البقرة:249].
سادسًا: مفهوم التسامح والسلام
بينت غزوة غزة المفهوم الصحيح للسلام والتسامح كما هو في كتاب الله عز وجل وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وبان للناس المفهوم الجاهلي الكفري الذي يريده زنادقة الكفر وأوليائهم والذي يريدون منه قبول الذل والخنوع للمسلمين وإقرارهم على احتلال ديار المسلمين ونبذ العداوة والكراهية للكفار وترك جهادهم هذا هو السلام والتسامح الذي يريده الأعداء من طرف المسلمين فقط أما من طرفهم فلا ضير عليهم من احتلال ديار المسلمين وقتل أطفالهم ونسائهم ونهب خيارتهم فإذا قام المسلمون بجهاد الدفع للكفرة المحتلين وصفوهم بالإرهاب وأعداء السلام والتسامح . إن التسامح والسلام بمفهوم الإسلام هو العدل مع المخالف ولو كان كافرًا وعدم الغدر ومراعاة آداب الجهاد في قتال المحاربين المعتدين فإذا حصل صلح أو عهد مؤقت فإن الإسلام يحترم العهود وإذا قاتل المسلمون أعداءهم الكفرة فإن من العدل والتسامح والرحمة ألا يقتلوا امرأة ولا طفلا ولا راهبًا في صومعته إلا إذا كانوا محاربين، وهذا ما فعله إخواننا المجاهدون في فلسطين وقتالهم مع اليهود والصليبين.
سابعًا: مفهوم الفتنة
أثبتت هذه الأحداث المفهوم الصحيح للفتنة والمفهوم المنحرف لها، فبينما يرى المنافقون وضعاف الإيمان فيما حصل في غزة مما قام به المجاهدون من جهاد الدفع أنه أدى إلى فتنة وشر على المسلمين في غزة، وقد قال بهذا القول بعض المنتسبين للعلم والدعوة، وماعلم هؤلاء أن فهمهم هذا هو الفتنة . والحق أن الفتنة إنما تكمن في ترك اليهود وأوليائهم يصولون ويعتدون و يعيثون في أرض المسلمين فسادًا وتقتيلًا وهتكا للأعراض وسجنًا وحصارًا ثم يتركون بلا جهاد ولا دفع لشرهم عن المسلمين.
ثامنًا: مفهوم الشرعية الدولية
لقد أسقطت ملاحم غزة هذا الشعار سقوطًا مدويًا وكفر الناس به، وبان للمخدوعين حقيقته بعد أن خدعت أمريكا وأولياؤها من الغرب الناس بهذا الشعار.
فلا شرعية دولية بعد اليوم، ولا محكمة عدل دولية، وإنما هي شريعة الغاب التي تهيمن عليها أمريكا؛ فيحكم طواغيتها تحت هذا الشعار بالظلم وإعطاء الشرعية للمحتلين من يهود وغيرهم على بلاد المسلمين، وتحكم على من يقاومهم ويجاهدهم بالإرهاب ومعاداة السلام، هذه هي الشرعية الدولية الملعونة.
تاسعًا: مفهوم النصر
وفي هذه الأحداث تبلور مفهوم النصر وحقيقته وأنه أوسع من النصر العسكري القتالي، ومع تحقق النصر العسكري والحمد لله؛ إلا أن صورًا من النصر قد تجلت في غزوة غزة.
فسقوط أسطورة الدولة التي لا تقهر في جيشها وعتادها واستخباراتها يعد نصرًا كبيرًا.
وسقوط ديموقراطية الغرب الكافر وتبجحه بحقوق الإنسان وتعريته أمام العالم يعد نصرًا كبيرًا.
وإحباط جهود الغرب الكافر بقيادة أمريكا في طمس هوية المسلمين، وإحلالها برايات قومية ووطنية، وحنين الأمة إلى دينها وهويتها ومعرفة أعدائها والبراءة منهم يعد نصرًا كبيرًا.
وسقوط ما يسمى بالعولمة والنظام العالمي، والتبجح بأن الحضارة الغربية هي أم الحضارات، والمصدرة للحرية والعدل يعد نصرًا كبيرًا.
وثبات المجاهدين، والشعب الفلسطيني وتضحياتهم وصمودهم، واستعصائهم على التهجير والنزوح والإملاءات، يعد نصرًا كبيرًا.
والحاصل أن للنصر صورًا كثيرة وقد ظهرت جميع هذه الصور في جهاد المجاهدين وصمودهم، فجزاهم الله عن الأمة خير الجزاء.
عاشرًا: مفهوم قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾
لقد أظهرت نازلة غزة هذا المفهوم أوضح بيان، وظهر لكل مسلم مفهوم الآية على مستوى الواقع، حيث رأينا تكالب ملل الكفر ودوله؛ وإعلانهم موالاتهم لليهود ونصرتهم لهم، في مواجهتهم لمعسكر الإيمان والإسلام. هذا في الكافرين عمومًا وأنهم يدًا واحدة على الإسلام وأهله مع ما بينهم من خلاف، فمهما أظهر بعض الكفار تعاطفهم مع المسلمين لحسابات سياسية فينبغي الحذر منهم وعدم الانخداع لهم أما موالاة اليهود والنصارى بعضهم لبعض فقد أوضحه قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾[المائدة 51]، والشاهد قوله تعالى بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وفي بيان هذه الحقيقة حافز لأهل الإسلام بتولي بعضهم بعضا وأن ينسوا ويؤجلوا خلافاتهم وذلك في مواجهة العدو الأكبر ولذا قال تعالى مبينًا خطر عدم موالاة المؤمنين بعضهم لبعض: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾[الأنفال 73]، أي إلا تفعلوا الموالاة بينكم كما يوالي الكفار بعضهم بعضا تكن فتنة وفساد كبير.
المعركة الثانية: معركة قيم وأخلاق
يدور في طوفان الأقصى معركة في ساحة القيم والأخلاق، انتصر فيها الإسلام وأهله، وافتضح وسقط فيها الكفر وأهله، وقد بان للقاصي والداني والموالي والمعادي من هو المنتصر في معركة القيم والأخلاق. لقد انتصر الصدق والوضوح والإيمان على الكذب والدجل والنفاق، وقد اتضح هذا في صدق ما يتحدث به المجاهدون من أهداف نبيلة لجهادهم، ومن أخبار المعارك والمواجهة المسلحة مع العدو الصليبي الصهيوني؛ حيث الشفافية والصدق والتوثيق لأخبار المعارك بالصوت والصورة، في الوقت الذي بان فيه كذب العدو في منطلقاته ومزاعمه وأخباره في مجريات المعركة، والتغطية على هزائمهم.
كما بان فيه خلق النفاق البغيض والمعايير المزدوجة التي ينطلق منها العدو وحلفاؤه ولا سيما أمريكا ومن معها من الغرب في ادعائهم الحرية والعدالة والديمقراطية، وحيث بان كذبهم وخداعهم ومكرهم كما أظهرت معركة القيم والأخلاق انتصار خلق الرحمة والعدل والتفريق بين المحارب من العدو والمسالم؛ حيث تجنب المجاهدون بما يعلمونه من آداب الحرب والجهاد؛ قتل من لا يستحق القتل، ومعاملة أسرى العدو بالحسنى، وركزوا حربهم على المحاربين في صفوف العدو، وفي المقابل ظهر غدر ووحشية وظلم العدو الكافر في حربه؛ حيث أهلك الحرث والنسل، وقتل الأطفال والنساء والشيوخ، وهدم البيوت والمستشفيات، ومنع الطعام والشراب والدواء والوقود عن غير المحاربين، وعامل أسرى المسلمين بكل وحشية وإهانة وتعذيب وتنكيل. فانتصر الإسلام وأهله المجاهدون في معركة القيم والأخلاق وآداب الحرب والقتال، وأدرك ذلك العدو والصديق والصغير والكبير، فالحمد لله على نصره وتأييده، كما انتصرت في هذه المعركة الشجاعة والتضحية والصبر على الجبن والخور، وانتصر التواضع والافتقار إلى الله تعالى والتوكل عليه على الكبر والغطرسة والغرور.
المعركة الثالثة: معركة إعلامية وحرب نفسية
لا يخفى ما للإعلام في هذا الزمان من أثر كبير في النصر والهزيمة؛ حيث أن له دور في تثبيت المجاهدين، ودور في الحرب النفسية، وبث الرعب في قلوب الأعداء، ومع أن العدو الصليبي اليهودي يملك آلة إعلامية هائلة بأنواعها المختلفة المقروء منها والمسموع والمرئي، ومع ما يسيطرون عليه من وكالات الأنباء والقنوات العالمية؛ إلا أن إعلام المجاهدين ومن يواليهم على تواضعه وقلة إمكانياته، قد انتصر في هذه الحرب الإعلامية النفسية؛ حيث وصلت أخبار المجاهدين بفضل الله تعالى ثم بإمكانياتهم المحدودة وإمكانيات الموالين لهم من المسلمين إلى كل أصقاع الدنيا، ووقف الناس على انتصارات المجاهدين، وهزائم اليهود، كما نجحوا في إيصال أخبار وحشية العدو وظلمه وعدوانه على المسلمين في فلسطين، فتأثر العالم بذلك، ولم يتأثر بإعلام العدو الواسع، والدليل ما نشاهده من تعاطف عالمي، ومسيرات عالمية مسلمة وكافرة تندد بهذه الوحشية، وتضغط على حكوماتها بإيقاف الحرب، ومحاسبة مجرمي الحرب، بل ظهر هذا الأثر على الشعب اليهودي في فلسطين ومعارضة لحكومته.
المعركة الرابعة: معركة الفضائح والبعثرة
بينت لنا معارك طوفان الأقصى بين معسكر الإيمان ومعسكر الكفران بعضًا من حكم الله تعالى في الصراع بين الحق والباطل؛ وابتلاء أهل الإيمان بأهل الكفر والنفاق، والتي من أثرها فرز الخبيث من الطيب والمؤمن من المنافق، ومن ذلك ما نشهده في صورة هذه الأحداث الكبيرة من فضح وتعرية للمنافقين من هذه الأمة، وكذلك ما نشهده من بعثرة لما في صدورهم، وإحباط لمخططاتهم وخياناتهم للأمة. لذا جاز لنا بحق أن نسمي هذه الأحداث الفاضحة والمبعثرة كما سمى السلف سورة التوبة بهذين الأسمين؛ ذلك لأن هذه السورة قد فضحت وعرت المنافقين وأصحاب القلوب المريضة، وكشفت زيف إيمانهم وخبث مخططاتهم، فجاء في هذه السورة آيات كثيرة تستهل بقوله سبحانه: (ومنهم… ومنهم…) كما أنها بعثرت كيدهم وأحبطته وبعثرته كما حصل هذا في مسجد الضرار؛ وبان أهداف المنافقين منه، وحذرهم الله منه وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بهدمه وتشتيت أهله. وهذا ما نشهده اليوم في هذه الأحداث من فضائح، وسقوط للمنافقين والمرتدين، من هذه الأمة دولا وطوائف وأفراد، وفي هذا خير كثير وحكمة بالغة في هذا الصراع، كما أنها بعثرت وخلطت على الذين تولوا اليهود والنصارى، وخانوا أمتهم، وباعوا مقدساتهم، فمنهم من طبع مع اليهود ، ومنهم من يسارع الخطى إلى ذلك قبل هذه الأحداث، فجاء الله تعالى بهذه الأحداث فبعثرت عليهم أوراقهم وخلطتها وأصبحوا في حيص بيص، وسيتبع ذلك كل ما يتعلق بخياناتهم وموالاتهم لليهود والنصارى من مشاريع على حساب دين الأمة، ومقدراتها كمشاريع: نيوم، والبحر الأحمر، والبيت الإبراهيمي وصفقة القرن ، وغيرها، فالحمد لله على بره وإحسانه وعزته وسلطانه. وفي هذه المعركة (معركة الفضائح والبعثرة) انتصار للمسلمين بعامة والمجاهدين في فلسطين بخاصة.
المعركة الخامسة: معركة مع النفس
كشفت هذه الأحداث آفات عندنا معاشر الدعاة وطلبة العلم فضلا عن العامة وأحدث هذا الكشف محاسبة للنفس ومعركة بين العبد ونفسه ينبغي أن تثمر ردود فعل إيجابية يحاسب فيها الواحد منا نفسه وهل هي على مستوى هذه الأحداث والاستعداد للجهاد إذا أمكن ذلك، ومن هذه الأمور التي يعترك فيها المرء مع نفسه في ضوء هذه الأحداث:
أولًا: ما مدى استعداده العلمي وفهمه الشرعي الواقعي وهل هو في فهمه ووعيه على مستوى الأحداث الجسام وجهاد الأعداء.
ثانيًا: ما مستوى الإيمان والصلة بالله تعالى باطنًا وظاهرًا عندنا، وما هي الآفات الكبيرة التي تعوقنا عن ذلك؛ سواء ما كان منها آفات باطنة وظاهرة.
ثالثًا: ما حالنا مع الدنيا والركون إليها وملذاتها ؟، وهل حياة الترف وحالنا التي نعيشها حال من يحدث نفسه بالغزو؛ ويعدها للجهاد في سبيل الله ؟، ماذا عن تربيتنا لأسرنا وأولادنا، وربطهم بعظماء الأمة ومجاهديها، وربطهم بالهمم العالية، وانتشالهم من الاهتمامات التافهة_ أكل وشرب ولهو ولعب_ وإحياء حب الإسلام وأهله في نفوسهم، وبغض الكفر وأهله ، وإعدادهم وتربيتهم للجهاد في سبيل الله تعالى . ماذا عن ذلك كله ؟؟
نسأل الله أن يعز جنده وينصر دينه وكتابه وسنة نبيه وعباده الصالحين ويقمع أهل الكفر والنفاق. كما نسأله سبحانه أن يستعملنا في طاعته ونصرة دينه .
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد.
اقرأ أيضا
وجوب الجهاد لتحرير الأقصى وفلسطين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق