بيني وبينك.. انهضي أيّتها البلادُ الجبّارة
د. أيمن العتوم
هو عنوانُ كتابٍ للكاتب ألكسندر كريفيتسكي جَمَع فيه القصص والذّكريات والرّسائل لمجموعة من الكُتّاب والجنود الّذين قاتلَ أكثرُهم في الحرب العالميّة الثّانية.
لقد قرأتُ الكتاب لأنّه عن الحرب، فأنا في هذه الأيّام أقرأ كلّ ما أستطيع الوصولَ إليه من الكتب الّتي تتناول الحرب من جوانب عدّة، أهمّها الجانب الإنسانيّ الّذي تتجلّى فيه البُطولةُ أكثر من غيره. كنتُ قد قرأتُ من قبلُ تقريبًا كلّ ما تُرجِمَ للرّوسيّة الحائزة على جائزة نوبل (سفيتلانا إليكسيفيتش)؛ وهي تقصدُ فيما تكتب إلى أنْ تُعرّف الوجه القبيح للحرب، ثُمّ تلك التّحولات الّتي تنشأ عنها على مستوى المجتمع والفرد، فأمّا المُجتَمع كما في (زمن مستعمل) فهو يعيشُ بعد الحرب صِراعًا بين القديم والجديد، فأمّا أنصار القديم فيرون هذا التّحوّل من عقيدة الاشتراكيّة المُنضبِطة إلى العقيدة الرأسماليّة الفوضويّة خيانةً عُظمى لتراثهم وتاريخ وَحدتهم. وأمّا (صلاة تشرينوبل) فمأساةُ ما بعدَ الحرب حيثُ يكونُ الإهمال للمُفاعل النّوويّ وعدم اتّخاذ إجراءات السّلامة سببًا في كارثةٍ عامّة طامّة. وأمّا (ليس للحرب وجه أنثويّ) فتأثير الحرب على النّساء؛ كيفَ تتحوّل النّساء إلى كلّ شيءٍ في غياب الرّجل. تزرع وتحصد وتدير شؤون البيت وتقاتل بشراسةٍ في محاولة لتحصين البيت الدّاخليّ الّذي غالِبًا ما يضمّ أطفالاً صِغارًا أو عجائز كبارًا لا حول لهم ولا قُوّة. وأمّا (فتيان الزّنك) فحرب روسيا في أفغانستان وتأثيرها على نفسيّة الجنديّ الّذي بدأتْ به روايتها هذه بعدَ عودته من الحرب بتحويله من شابٍ هادِئٍ ودود -على حَدّ تعبير أمّه- إلى وحشٍ قاتلٍ مُغتصِب.
وطائفةُ مَنْ كتبوا عن بشاعات الحرب ممتدّة، فآرنست همنجواي مثلاً أحدُ الّذين شاركوا في الحروب وكتبوا عنها، كتبَ (وداعًا للسّلاح) و(لمن تُقرَع الأجراس). ورواية الألمانيّ (ريماك): (كلّ شيء هادِئٌ على الجبهة الغربيّة) تصف الأثر الجسديّ والنّفسيّ والعقليّ الفادح على الجنود حينَ يتحوّلون من عالَم الحرب المُتوحِّش إلى عالَم الحياة المدنيّة.
وليسَ هذا مجال الحديث عن أهمّ ما كُتِبَ في أدب الحرب، فلو بسطتُ القول لتحدّثْتُ عن عشرات الرّوايات الّتي نقلتْنا إلى عالَمهم المُخيف الغريب، ولكنّني اخترتُ من بينها العنوان: (انهضي أيّتها البلادُ الجبّارة) لأنّ الكاتب يروي بكثيرٍ من الفخر قصّة (28) جنديًّا روسيًّا في عام 1941م تصدَّوا بشكلٍ بطوليّ لخمسين دبّابة وأعاقوا تقدّمها، ونحنُ اليوم في غزّة نرى أنّ عددًا أقلّ من (28) جنديًا لا يُعيقون عددًا أكبر من الدّبّابات فحسب، بل يُفخّخونها ويقضون على كلّ مَنْ فيها. غير أنّ بطولات الرّوس ضِدّ النّازيّة وجدتْ مَنْ يكتبُ عنها ويعدّها أمرًا خارِقًا، فهل نجد في العرب مَنْ يكتبُ عن بطولاتِ المُقاوِمين في غزّة ضِدّ الإسرائيليين، وبطولاتهم الّتي لا تكادُ تُصدَّق؟! إنّه سُؤال حقيقيّ، ودعوةٌ للكُتّاب -الرّوائيّين خاصّة- أنْ يُخلّدوا هذه المرحلة بأقلامهم.
AymanOtoom@
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق