ألمانيا الطامعة في عالم الأفيال وسوء فهمنا وإدراكنا للقضية الفلسطينية المستشار شفيق إمام
المستشار شفيق إمام
سؤال مشروع كشفت عنه الحرب التي أعلنتها إسرائيل بالوكالة عن الإمبريالية العالمية الاستعمارية على غزة هو: لماذا تغير المزاج الألماني من العداء لليهود بسبب عقيدتهم التوسعية، ونبوءتهم في السيطرة على العالم إلى دعم العدو الإسرائيلي بالأسلحة التي تنتجها مصانعها وبالمساعدات المالية واللوجستية في حربه على غزة؟
عقدة النقص الاستعمارية
هل عقدة النقص الاستعمارية التي تعانيها ألمانيا من هزيمتها في حربين عالميتين استعماريتين، في صراع القوى الاستعمارية الكبرى بعد انهيار التوازن بينها، وصراعها للحصول على مستعمرات في الحرب العالمية الأولى، حيث انتزعت من ألمانيا جميع مستعمراتها في هذه الحرب، بما في ذلك الإلزاس واللورين اللتين أعيدتا إلى فرنسا، والشروط القاسية التي فرضتها عليها الدول المنتصرة، في الحرب العالمية الثانية، التي انتهت باستسلام ألمانيا في 8 مايو سنة 1945 بدون قيد أو شرط.
وكان الحلفاء المنتصرون في هذه الحرب قد سووا ثلثي المدن الألمانية بالتراب، وقد راح ضحية هذه الحرب من الألمان 7.5 ملايين إنسان، يشكلون 11% من سكانها، وقد عمل 11 مليون أسير ألماني بالسخرة في دول الحلفاء، لإعادة بناء ما دمرته الجيوش الألمانية النازية في هذه الحرب، وفقدت العملة الألمانية قيمتها.
اتفاق التعويضات الألمانية
وقد استعدت من الذاكرة موقفاً ألمانياً آخر في دعم دولة إسرائيل في الاتفاق الذي وقعه مستشار ألمانيا كونراد أديناور ووزير خارجية إسرائيل موشيه شاريت في التاسع من سبتمبر سنة 1952، وقد فاق مجموع التعويضات الألمانية لإسرائيل منذ هذا التاريخ أكثر من عشرة مليارات دولار، أنفقت جميعا لاستيعاب مهاجرين جدد لإسرائيل ويعوضها عما أنفقته في هذا السياق منذ نشأتها، وكان قد أفرغ استقبال المهاجرين من الخارج خزينة الدولة العبرية.
وقد نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية مقالا للسياسي الإسرائيلي يوسي بيلين، ذكر فيه أن إسرائيل كانت على وشك الانهيار، قبل عقد الاتفاق سالف الذكر، وكانت ألمانيا وقتها تحت احتلال الحلفاء، وقد دفعت ألمانيا هذه التعويضات تحت مسمى «التعويض عن المحرقة النازية» التي تعرض لها اليهود على أيدي النازية، بالرغم من الشكوك التي أثارتها محاكمات نورنبرغ مع عدد ضحايا هذه المحرقة، لعدم قيام أدلة عليها، وقد قسمت ألمانيا بين الدول المنتصرة في الحرب وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا وفرنسا، ووضعت تحت سلطة رباعية مشتركة لهذه الدول، إلى أن أعلن عن جمهورتين، غربية تحت اسم جمهورية ألمانيا الفدرالية في 8/ 5/ 1949م، وأخرى شرقية تحت اسم جمهورية ألمانيا الديموقراطية، ويفصلها جدار برلين، قبل هدم هذا الجدار في عام 1989 وتوحيد ألمانيا في عام 1990.
موقف الألمان التاريخي من اليهود
لقد كان موقف هتلر من اليهود وفلسفته من اضطهادهم أن يضع حدا لتلاعب الشعب المختار بمقدرات الشعب الألماني، ليحقق اليهود نبوءتهم التي تقوم على خضوع شعوب الأرض جميعا لليهود ليصبح سيدها المطاع، ويضيف هتلر في كتابه «كفاحي»: «إن مهمتنا الأولى ليست بإقامة هيكل الدولة العنصرية بل بالقضاء على الدولة اليهودية» (ص79 من كتاب كفاحي– الناشر دار الكتب الشعبية– بيروت– الطبعة الثانية– يونيو 1975).
فألمانيا لا تزال تداعب أحلامها أن تكون على قدم المساواة مع الدول الكبرى، الأفيال الأربعة في مجلس الأمن، ولكن قوتها لا تقاس بمقياس قوة هذه الأفيال، سواء من حيث المساحة، أو من حيث قوة جيوشها، أو مواردها، فالولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين، تبلغ مساحة كل منها عشرة أمثال مساحة ألمانيا، وتملك هذه الدول أقوى جيوش في العالم، وتعززها باستمرار بفضل مواردها الخاصة، وموارد مستعمراتها، وقد كان من الشروط القاسية التي فرضت على ألمانيا، بعد الحرب العالمية الثانية، تسريح جيشها.
فهي تعيش على حلمها بأن تقف كقوة عظمى إلى جانب أفيال مجلس الأمن من ناحية، ولأنها حرب عالمية على شعب أعزل، فهي جديرة بأن تشارك فيها إحياء لتاريخها الاستعماري بحربين عالميتين والنزعة القومية الألمانية من ناحية أخرى، ونمو اليمين المتطرف النازي فيها، وكما يقولون «المصالح تتصالح».
شعب غزة يدافع عن العرب جميعا
إن بلدا صغيرا عربيا وإسلاميا في هذا الوطن العربي المترامي الأطراف قد ملك إرادته وزمامه أمام القوة العظمى الإمبريالية ليخوض معركتنا العربية الكبرى ضد الاستعمار العالمي الذي يريد أن ينهب بلادنا وثرواتنا، وإن شعب غزة يخوض وحده هذه الحرب العالمية المعلنة عليه من الإمبريالية الاستعمارية العالمية بالوكالة عن العرب بل عن العالم كله.
وقد رسم الصهاينة الحدود الأولى لدولتهم، فلسطين، ثم المنطقة العربية كلها من النيل إلى الفرات، ثم السيطرة على العالم كله، وفقا لأحلامهم التي أعلنها حاخاماتهم في مؤتمراتهم السرية التي عقدوها منذ قرن من الزمان، والتي كشفتها الصحافة الأميركية، وهي السيطرة على العالم كله، وأن يصبح اليهود أسياد العالم، الذي يجب عليه طاعتهم، والعمل على إشعال حرب عالمية ثالثة لتحقيق أهدافهم وقتها تحت احتلال الحلفاء.
مصيبتنا أننا أصبنا بسوء الفهم السليم لأبعاد القضية الفلسطينية فلم تكن استغاثة شعب غزة بالعرب والمسلمين في أنحاء العالم كافة تعاطفا مع الشعب الفلسطيني فحسب، بل كانت أكبر من هذا وأعمق بكثير.
إن القضية الفلسطينية ليست قضية العرب كافة والمسلمين جميعا، بل قضية أحرار العالم كله، وقد ضربت إسرئيل في حربها عرض الحائط باتفاقية جنيف الأولى قبل مئة وستين عاما، التي تكفل حداً أدنى من الإنسانية حتى في زمن الحرب، وحرب غزة تشنها إسرائيل في قلب المناطق المأهولة بالسكان مستهدفة الأطفال، وقد وصفهم العدو الإسرائيلي بأطفال الشر والنساء والشيوخ والعجائز والمستشفيات والمساجد والكنائس، ومدارس الأونروا، التابعة للأمم المتحدة، التي لجأ إليها سكان غزة فراراً من ويلات القصف ظنا منهم أنهم سيجدون فيها الأمن والأمان، ولكن صلف وغطرسة العدو الإسرائيلي، الذي يتلقى دعما غير محدود من الترسانة العسكرية العالمية، والتي أعلن الحرب على غزة بالوكالة عنها، قد أبت عليه غطرسته احترام حتى المنظمة العالمية التي يدين لها بنشأته. إن علينا أن نفهم فهما كاملا، وأن ندرك إدراكا تاما أبعاد هذه الحرب التي تدور رحاها في غزة، إنها معركة وجودنا ومعركة مصيرنا نحن العرب والمسلمين.
وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق