الاثنين، 30 ديسمبر 2024

سوريا.. مقبرة مفتوحة

 سوريا.. مقبرة مفتوحة



أحمد موفق زيدان


لمئات الأمتار وسط المدن الرئيسة المؤدية من دمشق إلى حلب تجد طوابير البشر كباراً وصغاراً، نساءً ورجالاً يصطفون حتى ساعات متأخرة من الليل، وهم يسألون كل من هو قادم من دمشق، هل هناك باصات معتقلين خلفكم تم تحريرهم، تنظر في عيون القوم فتقرأ هموم الأرض كلها في خريطة وجوههم، حين تجيبهم بالنفي، تعبس الوجوه، وتنحبس الدموع في المآقي، فمع كل يوم يمر على تحرير المعتقلين من سجن صيدنايا القريب من دمشق، تضيق فسحة الأمل لدى هؤلاء، الذين عاشوا طوال سنوات ربما وبعضهم لعقود من أجل هذه اللحظة التي يأملون أن يلتقوا بأحبابهم الذين وصل عددهم إلى أكثر من مائتي ألف معتقل.

في جمهورية صيدنايا التي اختزلت 53 عاماً من حكم آل الأسد، كان السوريون يتوجهون إليها، بعضهم يبحث عن قريب، وآخرون يريدون أن يشهدوا لحظة انهيار باستيلات سوريا، والكثير يعمل بجد واجتهاد على رأسهم قوى الدفاع المدني «الخوذ البيضاء» للبحث عن سجون تحت الأرض، وسجون حمراء، وتتفتق هنا أذهان البشر لتوائم إبداعات إجرامية للعصابة الأسدية، فاللامفكر فيه هو ربما الحل لإيجاد المعتقلين، لكن مع كل فسحة أمل تنهار أمام واقع يصرخ أن العصابة الأسدية قد تخلصت من فائض سكاني كانت تراه، بل وصرخ كثير من رؤوسها أنهم استلموا سورية بضعة ملايين وسيسلمونها كذلك.

العثور على ثلاث أدوات مرعبة للتعذيب والتخلص من الضحايا سببت كابوساً وهاجساً للسوريين المنتظرين، هذه الأدوات تمثلت بالمحارق التي قيل في بداية الثورة بأنه تم شراؤها من الهند، وذلك للتخلص من الجثث، التي قد تشكل دليلاً على إدانة العصابة في حال العثور عليها لاحقاً، ولذلك فالحل هو حرق الجثث، وعدم ترك أي دليل لجرائم العصابة، أما الوسيلة الثانية فالمكابس والتي يتم كبس الضحية وهي حية، فتتهشم عظام ولحم الضحية، وهو ما كشفه سجين أردني تحدث للجزيرة وهو الذي قضى 26 سنة في جمهوريات الأسد الصيدناوية، أما الوسيلة الثالثة المرعبة فكانت إذابة السجين بحفر الأسيد، بهدف تذويب كل آثار الجرائم المرتبكة بحق الأبرياء.

يدخل السوريون إلى سجن صيدنايا فيعثرون على كتابات وثقت نتفاً من تلك المرحلة على الجدران، بعضهم تعرف على كتاباته ورسومه، وهو الذي منّ الله عليه بالإفراج عنه من قبل، فخرج من باستيل صيدنايا، أما البعض الآخر فترك وثيقة تدون قليلاً مما كان يجري للمعتقلين في تلك السجون الرهيبة، ومع مرور الأيام يختفي الأمل لدى الأهالي الذين طالما انتظروا أحبابهم، ولكن تبقى جمهورية صيدنايا الأسدية شاهدة على إجرام آل الأسد بحق السوريين، ولعل هذا ما عرفناه وما خفي أعظم بكثير، فماذا كان يجري لسجناء تدمر في الثمانينيات، وغيرهم من عشرات السجون المخفية في سوريا؟!، والسؤال الأكبر أين كانت القوى الدولية والمنظمات الحقوقية والدول العالمية التي تريد أن تُطبع وتتعايش مع عصابة كهذه، فإن كانت تعلم فتلك مصيبة وجريمة، وإن كانت لا تعلم فالمصيبة أعظم، وكم هناك من صيدنايات في عالمنا، ما تزال دول كثيرة تصر على التعامل مع أصحابها وسدنتها.

“أيها الإيرانيون .. لا تلعبوا بالنار فتحرقكم”

 

 “أيها الإيرانيون .. لا تلعبوا بالنار فتحرقكم”

د. عز الدين الكومي 


بعد تحرير سوريا من العصابة الأسدية النصيرية الحاقدة وأعوانهم من الميليشيات الشيعية .. اعتبر مثقفون إيرانيون أنّ تداعيات ذلك على بلادهم هي بمثابة تسونامي على أغلب الأصعدة !! ، بل ستؤدي حتما – على المدى المتوسط والبعيد – إلى خسارة مشابهة في لبنان والعراق ، واعتبروا أن ما حدث يشبه إلى حد بعيد سقوط جدار برلين !! .

وأنا الآن لا أشك في أنّ الإيرانيين قد انكفؤوا على أنفسهم لمناقشة تداعيات الأحداث الأخيرة في لبنان وسوريا لدراسة الأخطاء التي ارتكبوها منذ الثورة البائسة وحتى اليوم ، وبالطبع فقد أدركوا قبل غيرهم أنّ وقوفهم ضد الأغلبية السنية في عالمنا العربي ودعم الأقليات الطائفية واستدعاء معارك تاريخية وهمية لن يحقق لهم طموحاتهم في إحياء إمبراطوريتهم التي أنهاها المسلمون في أقل من عشرين عاماً .

وعندما نقول ذلك فإننا نعي أنها فقط استراحة محارب ، وليس التسليم كما يتوهم البعض ، ولكنهم الآن وبالتأكيد يَجِدُّون في البحث عن أساليب جديدة واستراتيجيات جديدة ، إلا أنني من الآن أبشرهم بالفشل ، والتاريخ شاهد على أنّ كلّ مؤامراتهم ذهبت أدراج الرياح ، حتى بعدما أسسوا الدولة العبيدية في مصر وامتدت شرقاً وغرباً .. جاءهم صلاح الدين الأيوبي فأجهز على هذه الدولة وأنهى حلمهم .
فكم أنفقت إيران من الأموال ليتشيَّع الشعب السوري!؟ وكم تنفق اليوم من أموال للعبث في بلاد السنة لنشر التشيُّع البغيض!؟ ولكن نقول لهم أنه هذه الأموال التي تنفقونها ستكون عليكم حسرة ، لأنكم لن تحققوا مرادكم من تشييع المسلمين!

والطريف أنّ من يقرأ تصريحات خامنئي ووزير خارجيته يشعر بأنّ هؤلاء يفكرون و كأنّ سوريا جزء لا يتجزأ من دولة إيران !! ، ونسي هؤلاء أنّهم عندما فشلوا في قمع الثورة السورية استدعوا روسيا التي جاءت على عجل لتحقق حلمها القديم بالوصول للمياه الدافئة في البحر المتوسط .
ونقول لكل من تشيَّع طمعاً في المال الإيراني النجس أو ظنّ أنّ إيران ستحميه أو تسانده : أن إيران لا يعنيها إلا تحقيق الحلم الفارسي بعودة الأمبراطورية الفارسية!! .

ففي تصريحات لوزير خارجية إيران عباس عراقجي يقول : 
“من يعتقدون بتحقيق انتصارات في سوريا، عليهم التمهل في الحكم، فالتطورات المستقبلية كثيرة”.

ولم يتأخر الردّ السوري عليه ، فجاء الردّ على لسان وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال “أسعد حسن الشيباني” : “يجب على إيران احترام إرادة الشعب السوري وسيادة البلاد وسلامتها ، ونحذرهم من بثّ الفوضى في سوريا ، ونحمّلهم كذلك تداعيات التصريحات الأخيرة” .

وعلي ما يبدو فإن وزير الخارجية الإيراني لا يزال يعيش حالة الصدمة من سقوط العصابة الأسدية المدعومة إيرانياً ، فنسي الوزير الإيراني أو تناسى أنّ سوريا الجديدة أصبحت ذات سيادة ، وأنّها صاحبة الكلمة العليا ، وليست كما كانت إبّان حكم العصابة الأسدية حينما كانت إيران تتحكم في القرار السوري!!.

أمّا المرشد الأعلى “علي خامنئي” فقد قال إنّه يتوقع ظهور مجموعة من الشرفاء الأقوياء في سوريا الذين سيقفون في مواجهة انعدام الأمن” !! ، وأنّ على الشباب السوري الوقوف بإرادة قوية أمام أولئك الذين خططوا ونفّذوا لهذه الحالة من انعدام الأمن ، وسيتغلب عليهم إن شاء الله” !! .
وأظنّ أنّ خامنئي يقصد هنا مجموعة من شبيحة النظام المختبئين في الجحور ، وأنهم سيخرجون من جحورهم عندما تحين لهم الفرصة لقيادة الثورة المضادة !! .
وهنا نقول لخامنئي ووزيرخارجيته هيهات هيهات .
أولاً : هناك ضامن إقليمي سني قوي أمين نثق به .
ثانياً : هناك أكثر من مائة ألف مجاهد يحرسون الثورة ومكتسباتها؛ هؤلاء يسيرون على خطى النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه الشيخين أبي بكر وعمر وأصحابه الكرام ، ليس لديهم خرافات إمام السرداب .
ثالثاً : هناك حاضنة شعبية من الشعب السوري تلتف حول الثورة وقيادتها .
أما متحدث وزارة الخارجية الإيرانية “إسماعيل بقائي” فقد قال في مؤتمر صحفي وبراءة الأطفال في عينيه ! :
 “إنّ الوجود الإيراني العسكري السابق في سوريا كان هدفه “مكافحة الإرهاب” !
فكيف للإرهاب أن يكافح الإرهاب؟؟!! .

وهل نسي السوريون ما فعله “قاسم سليماني” يوم أن دخل حلب منتشياً منتصراً وهو يتجول في أحياء المدينة برفقة ضابط نصيري مجرم من جيش النظام الأسدي؟!

فهل كان قاسم سليماني يحارب الإرهاب عندما هاجمت مليشيات شيعية يقودها الجنرال الإيراني “سيد جواد” قافلة إجلاء المدنيين المحاصرين في حلب واحتجزوا ثمانمائة من هؤلاء لمدة خمس ساعات قبل أن يعيدوهم إلى الأحياء المحاصرة بعد سلب أموالهم وأمتعتهم؟! .

أم كانت إيران تكافح الإرهاب يوم أن قال خطيب الجمعة “آية الله محمد إمامي كاشاني” في أحد مساجد طهران:أنّ المسلمين انتصروا على الكفّار في حلب”!! .
فهل يعتبر إخلاء حلب من أهلها انتصاراً ؟
فإذا كان الأمر كذلك .. فكيف لا يعتبر سقوط العصابة الأسدية وأزلامها انتصاراً وهروب المليشيات الإيرانية ؟؟!! .
كان الأَوْلى بالمسؤولين الإيرانيين أن يتواروا خجلاً مما فعلوا وأجرموا ، أم أنهم يريدون من الإدارة الجديدة أن تقول للمجرمين الملطخة أيديهم بدماء الشعب السوري “اذهبوا فأنتم الطلقاء؟؟!! .
بالطبع لا وألف لا .
لن يذهبوا ولن يكونوا طلقاء أبدًا بإذن الله !! .

“ألبينا” تروي قصة زواجها من حسام أبو صفية وكيف تركت وطنها لتحيا معه في غزة

 

“ألبينا” تروي قصة زواجها من حسام أبو صفية وكيف تركت وطنها لتحيا معه في غزة

“غزة كلها تريده والطاقم الطبي في انتظاره”



تحدثت ألبينا أبو صفية، زوجة الدكتور حسام أبو صفية، مدير مستشفى كمال عدوان المعتقل، في مقابلة مع برنامج “غزة اليوم” على إذاعة “بي بي سي”، عن قصة حياتها مع زوجها وتفاصيل اللحظات الأخيرة قبل اعتقاله من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي.

ألبينا، التي تعود أصولها إلى كازاخستان، سردت قصة حب جمعتها بزوجها الطبيب الفلسطيني خلال دراسته الطب في موطنها، حيث قررت أن تترك وطنها وتعيش معه في شمال قطاع غزة منذ عام 1996. ورغم الظروف الصعبة والحرب المتكررة، أكدت أنها لم تتخلّ عن زوجها أو أهل غزة.

لحظات الاقتحام والاعتقال

وعن اللحظات التي سبقت اقتحام المستشفى، أوضحت ألبينا أن القصف الإسرائيلي استهدف مبنى المستشفى والمنازل المجاورة؛ مما تسبب في احتراق قسم الأرشيف وغرفة العمليات، واستشهاد عدد من طاقم الإسعاف نتيجة استهدافهم بطائرة مسيّرة.

وأشارت إلى أن زوجها رفض مغادرة المستشفى رغم اشتداد القصف، وكان يصرّ على إجلاء المرضى والجرحى أولًا ثم الطاقم الطبي، لكنه فوجئ بجيش الاحتلال يقتحم المستشفى ويعتقل الطاقم الطبي، ويعتقله هو نفسه.

وأكدت ألبينا أنها لم تتلقّ أي معلومات عن مكان احتجاز زوجها أو حالته الصحية، مشيرة إلى أن الأطباء الذين أُفرج عنهم ذكروا تعرّضهم للضرب والتعذيب. وطالبت ألبينا المجتمع الدولي بالتدخل للإفراج عن زوجها، قائلة إن “غزة كلها بدها إياه.. الطاقم الطبي كله في انتظاره”.

إصرار رغم المحن

وأشادت ألبينا بتفاني زوجها الذي عمل على إنقاذ الجرحى رغم نقص الإمكانات الطبية، حيث تطوّع مع أطباء آخرين بإجراء عمليات جراحية رغم تخصّصه في طب الأطفال.

واختتمت ألبينا حديثها بالتأكيد على أنها تريد استعادة حياتها مع زوجها كما كانت، قائلة “غزة كلها تريد حسام.. وأنا أريده ليعود إلينا كما كان”.

وولد الدكتور حسام أبو صفية في مخيم جباليا بشمال غزة عام 1973، وهو ينحدر من عائلة مهجرة من بلدة حمامة في قضاء عسقلان. وحصل على شهادة البورد الفلسطيني في طب الأطفال، وكان من أبرز قادة الفرق الطبية في قطاع غزة.

المصدر : بي بي سي





حول هذه القصة




وسائل إعلام إسرائيلية توثق لحظة اعتقال حسام أبو صفية مدير مستشفى كمال عدوان (فيديو)


اللحظات الأخيرة قبل اعتقال حسام أبو صفية مدير مستشفى كمال عدوان.
 29/12/202429/12/2024




حسام أبو صفية.. طبيب غزة الذي لم يرضخ لتهديدات الاحتلال


اعتقلت قوات الاحتلال يوم 27 ديسمبر/كانون الأول 2024، الدكتور حسام أبو صفية مدير مستشفى كمال عدوان، بعد اقتحام المستشفى وتدميره. 29/12/202429/12/2024

كاريكاتيرد. علاء اللقطة كاريكاتير

 كاريكاتير 

د. علاء اللقطة


الدكتور حسام أبو صفية





إنَّها بدايةُ عامٍ جديدٍ!

 

إنَّها بدايةُ عامٍ جديدٍ!




1.
إنَّها بداية عامٍ جديد فتذكَّرْ وأنتَ تخطوها أنَّ العلاقاتِ خُلقَتْ للراحة، والمواساة، والدعم، والاستناد!

كُلُّ من يسرقُ سلامَكَ الدَّاخليِّ لا يلزمُكَ!

كُلُّ مُتقلب ودٍّ لا تحتاجه!

كُلُّ مُتاحٍ هنا وهناكَ دعكَ منه!

لا تكُنْ فرصةً ثانية، ولا خَياراً على اللائحة، كُنْ مع من يجعلكَ دوماً قبل الجميع!

الانفصام في الشّّخصية مكانه العيادات النفسيّة وليس حياتَكَ!

2 . إنّها بدايةُ عامٍ جديدٍ فأصلِحْ علاقتكَ مع النّاسِ، حبيبٌ هجرتَه، وأخٌ قطعتَه، وصديقٌ جافيته، وجارٌ خاصمته!

الدُّنيا أقصر من أن نقضيها بالنأي والهجران، وأتفه أساساً من أن نختصمَ عليها!

ماذا ننتظرُ أن نُشيّعهم إلى قبورهم مكسوري الخاطر ثم نقف في الجنائز نتقبّلُ عزاءهم؟!

ما فائدة الدُّموع في الجنائز والحياة كانت هجراناً!

بالمناسبة هذه النقطة لا تتعارض مع التي قبلها!

كلنا أن نعرف أنَّ العلاقات كالبيوت، بعضها يصلح للترميم، وبعضها يجب أن يُهدم!

3 . إنَّها بدايةُ عامٍ جديدٍ فتذكَّرْ أنَّ هذا الدّين منتصرٌ بكَ أو بدونكَ!

إذا هجرتَ المساجد سيعمُرها غيرُكَ، وإن تركتَ القرآن سيتلوه غيرُكَ، القافلة ماضيةٌ إلى الله ولن تتوقّف إلا على باب الجنّة، وحدكَ الخاسرُ إن لم تكُنْ فيها!

4 . إنّها بدايةُ عامٍ جديدٍ فتذكَّرْ أن الصِّراع بين الحقِّ والباطلِ سيبقى مستعراً حتى ينفخَ إسرافيلُ في الصُّور، وإنَّ الباطل مهما كان قوياً فلن ينتصر، وإنَّ الحقَّ مهما بدا ضعيفاً فلن يُهزم، فخُذْ موقعكَ، لا يوجد أحمق ممن يبيعُ آخرته بدنياه إلا الذي يبيعُ آخرته بدنيا غيره!

5 . إنّها بدايةُ عامٍ جديدٍ فأصلِحْ علاقتكَ مع اللهِ، إن كان لك ذنبٌ أنتَ عليه مقيم، وكلُّنا صاحب ذَنْبٍ، فاليوم فرصة لتبدأ تأريخاً لتوبة!

6 . إنَّها بدايةُ عامٍ جديدٍ فاتَّخِذْ لكَ من القرآن جزءاً يومياً تُقسمُ أنكَ لن تتركه ولو تخطّفتكَ الطير! واتَّخِذْ من التّسبيح وِرْداً تتعهَّدُ أن لا تفتُرَ عنه مهما زاحمتكَ الأعمالُ، وأخذتْكَ المشاغلُ!

7 .
إنَّها بدايةُ عامٍ جديدٍ فاجعلْ لكَ فيه سَريرةً، صدقةً قليلةً ولو رغيف خُبْزٍ ولا تُخبر به أحداً، عُلبة دواءٍ دائمٍ لمريضٍ تتعهّدُ بها ولا يدري بها أحدٌ غير الله، ركعتي ضُحىً دون أن يراك أحدٌ لا تتركهما طوال العام، وركعتي قيامٍ تتسللُ فيها إلى اللهِ بعيداً حتى عن عيون أهلك!

8 . إنّها بدايةُ عامٍ جديدٍ فاتّخِذْ لكَ شيئاً نافعاً، كتبٌ تقرؤها، برامج قيّمة تُشاهدها، دورة علميّة تنتسبُ إليها، مشروعٌ مجتمعيٌّ تلتزمُ فيه، عملٌ تطوعيّ تُقبلُ عليه!

9 . إنَّها بداية عامٍ جديد فتذكَّرْ أنَّ الكثيرين يتحدَّثون عن انتظار الشَّخص المناسب، ولكن قلّة منهم يعملون على أنفسهم ليكونوا الشَّخص المناسب! النَّاس جميعاً يُحبُّون مواسم حصاد الغلال، ولكن قلة منهم هي التي تحرثُ وتبذرُ وتسقي وترعى! فكُنْ من هذه القلّة التي تُصبح أحلاماً للآخرين، ولا تكن من هذه الكثرة التي تقبعُ مكانها تحلم!

10. إنَّها بداية عامٍ جديد فتذكَّر أنَّ كلَّ الذين ماتوا في العام الماضي، كانوا يعتقدون أنَّ الموت بعيد جداً!

فكما أُمرنا أن نُصلّي صلاة مودِّع لأنها قد تكون الصَّلاة الأخيرة، فعشه عام مودِّع فقد يكون عامك الأخير!

عام الهوان... خروج العرب من الشرق الأوسط

 

عام الهوان... خروج العرب من الشرق الأوسط

وائل قنديل



كل بيانات الإدانة والشجب والاستنكار الصادرة من عواصم لغة الضاد بشأن محارق الكيان الصهيوني في غزّة لا تضيف شيئاً، سوى تأكيد خروج العرب من الشرق الأوسط رسمياً، ليس بالمعنى الجغرافي، وإنّما بالاستقالة من الدور ومن الحدود ومن الوجود السياسي الحضاري الفاعل، والاكتفاء بالمشاهدة والمتابعة.

يشجب العرب ويدينون ويناشدون المجتمع الدولي التدخّل لوقف المذابح، وكأنّهم ليسوا جزءاً من هذا المجتمع الدولي، يؤثّرون فيه ويسهمون في صنع حركته ونفوذه ودوره في القضايا الدولية، ثمّ ينادون على ضمير العالم أن يتحرّك لإنقاذ الإنسان الفلسطيني المحاصر داخل المحرقة الصهيونية، وكأنهم يقرّون بأنهم ليسوا جزءاً من هذا الضمير، يؤثّرون فيه ويتأثّرون به.

تستوي في ذلك البيانات الصادرة عن الحكومات، أو التي تنشرها هيئات دينية وثقافية وحقوقية،
إذ تشي كلّها بأن العرب ينطلقون من وضعية الرضا بالعجز والتسليم بالهشاشة، بما لا يجعلهم يفكّرون في فعل شيء، أو اتخاذ إجراء أو قطع خطوة في طريق الإنقاذ، لا دور لهم سوى النداء على العالم الذي صنع الاحتلال وزرعه في أرضنا ورواه (ولا يزال يرويه)، بأن يكفّ يد الاحتلال عن شعب عربي يواجه الفناء والإبادة، بينما له نحو 22 شقيقاً، أو هكذا يزعمون، ينعشون اقتصادات الدول الراعية للاحتلال بأموالهم وثرواتهم.

في بيان عاطفي للغاية للأزهر الشريف تقرأ: "يُدين الأزهر الشريف بشدّة الصمت الدولي تجاه المجازر التي يرتكبها الكيان الإرهابي في قطاع غزّة، والتي كان آخرها إحراقه مستشفى كمال عدوان شمال القطاع، واستهدافه المرضى والأطباء، واستشهاد عشرات الأبرياء، واعتقاله الأطباء والمسعفين والممرضين، وإجبارهم على خلع ملابسهم واختطافهم لأماكن مجهولة، في جريمة حرب مكتملة الأركان، لا تصدر إلّا عن عصابات معدومة الرحمة والأخلاق، ووحوش مُجرَّدة من كل معاني الإنسانية".

وما العمل أيها الأزهر الشريف؟ 
يأتي الردّ: 
"ويذكِّر الأزهر العالم بأن هذا الوحش الصهيوني الكاسر -عديم الرحمة والإنسانية- قد ارتكب كلّ جرائم الحرب المحرّمة في حقّ الشعب الفلسطيني البريء، وسط تهميش متعمّد لما يحدث في قطاع غزّة، ومن دون أي تحرّك دولي أو عربي، وأن هذا العدوّ قد اطمأنَّ لردود الفعل تجاه جرائمه، وأنها لن تعدو- وللأسف الشديد - مُجرّد اجتماعات وقرارات لا تتجاوز قيمته قيمة الحبر الذي كتبت به، مؤكّداً أنه يجب علينا النظر في بدائل أخرى رادعة لإقرار السلام في فلسطين".
كلام جيّد، لكنّه موجّه إلى الجهة الخطأ، إذ كان الأَولى بالأزهر، وغيره، أن يستصرخ الأنظمة والحكومات العربية لتكون عنصراً فاعلاً في هذه المنطقة، وأن تكون جزءاً من معادلة الشرق الأوسط، بدلاً من أن تكون كلّها مُجرَّد عود الثقاب الذي يشعله الاحتلال لكي يحرق به فلسطين، شعباً وأرضاً وتاريخاً وجغرافيا، كان حريّاً أن يكون الخطاب مندّداً بالصمت العربي المتواطئ المهين المهان المساعد على اتساع المحرقة، بل والراضي بها والمساهم فيها.

مثيرٌ للأسى والسخرية أن صياغة بيانات الحكومات العربية لا تأتي مختلفةً عن بيان الأزهر، لا شيء سوى الشجب واستجداء المواقف الدولية وادّعاء الانتساب للقضية، بينما معظم هذه الحكومات محرّضة أو متواطئة على كلّ من يقاوم أعداء هذه القضية، ناهيك عن الأقرب جواراً للشقيق الفلسطيني المذبوح الذي لم يفكّر لحظة في وقف تجارته مع العدو أو تعليق علاقاته السياسية والاقتصادية والأمنية معه، راضخاً ذليلاً لمشيئة استعمارية لا تتورّع عن الإعلان يوميّاً عن امتلاكها الشرق الأوسط، وانفرادها بتحديد من يحكم شعوبه، ويدير ثرواته، فيما ارتضت حكوماته العربية بأن تكون أدوات دبلوماسية ومالية بيد صاحب العقد والحلّ في شؤون المنطقة، والذي يتوعّد الكلّ بالجحيم إن لم يتم استئصال الوجود الفلسطيني المقاوم، وإعادة أسرى العدو قبل 20 من يناير/ كانون الثاني المقبل.
هذا الخروج الطوعي من الشرق الأوسط، وسياسيّاً وحضاريّاً، لا يتجسّد في الموقف من غزّة وفلسطين فقط، بل كان أكثر وضوحاً في الحالة اللبنانية، إذ غاب العرب عن الموضوع حرباً وسلماً، تاركين الاحتلال وداعميه يقرّرون حدود المقتلة ومساحات التوغل والهيمنة على الجغرافيا، وهُويَّة رئيس لبنان القادم. والأمر ذاته تجده في الحالة السورية، حيث الحضور الطاغي من حكومات إقليمية وغربية في رسم ملامح المستقبل السوري بمحتوياته كلّها، وسط غياب أيّ دور عربي حقيقي وفاعل، مكتفين بأن يلعبوا أدواراً ثانوية في خدمة هذا الطرف الإقليمي أو ذلك النفوذ الدولي.

ولا يختلف الأمر في نطاق الداخل الفلسطيني ذاته، إذ تسلك سلطة محمود عبّاس وكأنها مُجرَّد ترس في آلة الاحتلال، تتحرّك بأوامره، تقتل المقاومة وتغتالها وتحاربها، باستبسالٍ يفوق ما تفعله قوات النخبة الصهيونية، لتبدو هي الأخرى خارج معادلات فلسطين، تماماً كما اختار العرب أن يكونوا خارج معادلات الشرق الأوسط.

الأحد، 29 ديسمبر 2024

مصلحون

مصلحون




 

الخسران المبين في الركون إلى الظالمين

الخسران المبين في الركون إلى الظالمين


بقلم / محمد عبد الرحمن صادق

 - إن القرآن الكريم منهج إلهي متكامل ومتوازن وعادل ، فلا يمكن أن يُعاقب على فعل أو ترك مما يُعتبر جريمة أو مُخالفة إلا بعد بيان الحق من الباطل والحلال من الحرام ، ليكون الناس على بيِّنة من أمرهم ولتقوم عليهم الحجة البالغة والدامغة . ومن هذا الباب جاء التحذير الإلهي من مُوالاة الظالمين أو تقديم أي عون أو دعم لظلمهم وبغيهم في الأرض ، منبها سبحانه وتعالى على العقوبة المترتبة على ذلك ليرتدع من يرتدع ويتوب من يتوب ويتراجع من يتراجع ولتقوم البينة على من تقوم ، ولعل أوضح آية في هذا الباب قوله تعالى : " وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ {113} " ( هود 113 ) .                      

- قال الجوهري وغيره من أهل اللغة : الركون السكون إلى الشيء والميل إليه .                                    

  - وقال البغوي : هو المحبة والميل بالقلب .                                             

 فإذا كان الميل بالقلب للظالمين منهي عنه ومُحذر من شدة عقوبته ، فمن المؤكد أن مساعدة الظالمين ومؤازرتهم وتقديم الدعم لهم داخلة في النهي من باب أولى .                                                             

- وقد نقل ابن كثير والقرطبي وغيره من المفسرين عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه فسر "الركون" بالميل إلى الذين ظلموا ، أو الركون إلى الشرك ، أو المُداهنة .                                                                

 - وقال السدي : لا تداهنوا الظلمة . وقال أبو العالية : لا ترضوا بأعمالهم .                     

 - وعن عكرمة : هو أن تطيعوهم أو تودوهم أو تصطنعوهم .                                      

وهي جميعها معان للموالاة بكافة أنواعها ، بدءا بالميل القلبي مروراً بالرضا بأفعالهم ومداهنتهم ، وانتهاء بمساعدتهم وتقديم الدعم لهم .                                                                                              

- وإذا كانت موالاة الظالمين والطغاة مُحَرَّمة في القرآن الكريم بشكل عام ، فإن موالاة اليهود والنصارى محرمة ومنهي عنها بشكل خاص ، قال تعالى مخاطباً المؤمنين وناهياً لهم : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {51} " ( المائدة 51 ) .           

أولاً : معرفة من هم أعوان الظالمين :

 قال تعالى : " احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ {22} مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ {23} وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ {24} " ( الصافات 22 : 24 ) 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : قال غير واحد من السلف : أعوان الظلمة من أعانهم ولو أنه حبَّر لهم دواة أو برى لهم قلماً ، ومنهم من كان يقول : بل من يغسل ثيابهم من أعوانهم ، وأعوانهم هم من أزواجهم المذكورين في الآية ، فإن المعين على البر والتقوى من أهل ذلك والمعين على الإثم والعدوان من أهل ذلك . وإذا كانت الشريعة حرمت الركون إلى الظالم ومداهنته والميل إليه فكيف إثم من يعينه ؟ قال ميمون بن مهران رحمه الله : الظالم والمعين على الظلم والمحب له سواء .                                                                                               

ثانياً : عقوبة موالاة الظالمين : إذا كانت عقوبة الظالمين في القرآن الكريم شديدة فإن عقوبة أتباعهم لا تقل قسوة وشدة ، وإذا كانت نهاية العُتاة والجبابرة والمتكبرين في القرآن الكريم وخيمة ، فإن نهاية أعوانهم ومواليهم لا تقل سوءا ، فهم شركاء في الجريمة ، فلا بد أن تكون العقوبة شاملة لهم تبعاً لذلك .                     - ولا تقتصر عقوبة أتباع الظالمين وأعوانهم على الدار الآخرة ، بل تطالهم في الدنيا قبل يوم القيامة .          

1 - بعض العقوبات الدنيوية لأتباع الظالمين : إن الله تعالى حاشاه أن يجعل المؤمنين كالمجرمين والصالحين كالطالحين بل إن الله تعالى بعدله ورحمته يحاسب على مثقال الذرة من الخير وكذلك من الشر . ونعم الطاعة تنعكس في راحة القلب وطمأنينة النفس ، أما شؤم المعصية فما يجر على صاحبه إلا الهم والحزن والكرب والضنك ، قال تعالى : " وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {124} قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً {125}‏ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى {126} "(طه 24:126 ) .                                                                                    

أ ) الذل والمهانة والعبودية لغير الله تعالى : 

ولعل هذه العقوبة من أشد وأقسى العقوبات الدنيوية لأتباع الظالمين ، فهم في الدنيا عبيد أذلاء لبشر مثلهم ، استعبدوهم وأذلوهم وأخضعوهم لخدمتهم وخدمة شهواتهم ، ويبين التعبير القرآني هذا الذل والهوان لهؤلاء الأتباع من خلال قول الله تعالى : " فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ {54} " ( الزخرف 54 ) .                                                                                           

ب ) اللعنة وسوء الذكر والسمعة في الدنيا : 

فلا يذكرون إلا بالسوء والقبيح واللعنات التي تحاصرهم ممن يقع عليهم الظلم ، وذلك عكس مقصودهم من مداهنة الظالمين وموالاتهم ، إذ كانوا يبتغون رفعة الذكر والسمعة والمكانة بالتقرب إليهم ومساعدتهم على الظلم في الدنيا ، فكانت عقوبتهم بنقيض هدفهم ومقصودهم ، قال تعالى : وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ {42} " ( القصص 42 ) .                                  

ج ) الميتة السيئة القاسية : 

فجميع أعوان الظلمة وأنصارهم ماتوا شر ميتة ، وكانت نهايتهم قاسية وخيمة ، بدءا بأتباع فرعون الذين غرقوا معه ولاقوا نفس المصير : " وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ {39} فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ {40} " ( القصص 39 – 40 ) ، وصولاً إلى أتباع الظالمين والطغاة في العصر الحديث ، ممن يلقون أسوء مصير وأبشع ميتة .                    

- لقد وصف لنا القرآن الكريم شدة انتزاع الروح من الظالمين وأعوانهم ، والهوان والكرب الذي يلاقونه عند سكرات الموت ، قال تعالى : " .... وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ {93} " ( الأنعام 93 ) .       

د ) عقوبتهم في البرزخ والقبر :  ذكر القرآن الكريم أن لأتباع الظالمين وأنصارهم عقوبة في الحياة البرزخية في القبر ، وذلك من خلال قوله تعالى : " فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ {45} النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ {46} " ( غافر 45 – 46 ) . 

والحديث في الآية ليس عن فرعون وحده ، وإنما عن فرعون وآل فرعون من أتباعه وأعوانه ومن والاه .                

 - ذكر القرطبي وغيره من جمهور العلماء عَلَى أن هذا العرض في البرزخ ، واحتج بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي إثبات عَذَابِ الْقَبْرِ بهذه الآية ، وقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَمُقَاتِلٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ : هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى عَذَابِ الْقَبْرِ فِي الدُّنْيَا ، أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ عَنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ : " وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ {46} "([1]).                    

2 - بعض العقوبات لأتباع الظالمين يوم القيامة : أما عقوبة موالاة الظالمين في الآخرة فهي نفس عقوبة الظالمين ، والتي تعتبر العقوبة الأشد والأبقى والأعظم ، وهذه العقوبة لا تقتصر على الدخول في نار جهنم  فحسب ، وإنما تأخذ أشكالاً وألواناً متعددة من العذاب غير ذلك .                                                         

 أ )  العذاب الأشد يوم القيامة : قال تعالى : " ............. وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ {46} " ( غافر 46 ) أي : أشده ألماً وأعظمه نكالاً كما ذكر ابن كثير في تفسيره .                                            

ب ) شدة الأهوال يوم القيامة : فقد خص الله تعالى الظالمين وأعوانهم بأهوال كيفية قيامهم من قبورهم ومجيئهم إلى قيام المحشر ، قال تعالى : " وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ {42}‏ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء {43} " ( إبراهيم 42 – 43 ) فهم يخرجون من قبورهم مُسرعين رافعي رؤوسهم ، وأبصارهم طائرة شاخصة يديمون النظر لا يطرقون لحظة لكثرة ما هم فيه من الهول والفكرة والمخافة لما يحل بهم . ولهذا قال: " وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء " أي وقلوبهم خاوية خالية ليس فيها شيء لكثرة الوجل والخوف، ولهذا قال قتادة وجماعة: إن أمكنة أفئدتهم خالية، لأن القلوب لدى الحناجر قد خرجت من أماكنها من شدة الخوف . وقال بعضهم : هي خراب لا تعي شيئاً لشدة ما أخبر به تعالى عنهم ([2]) .

ج ) العذاب المستمر الذي لا فداء ولا خلاص منه : فقد ذكر الله تعالى أن عذاب الظالمين وأعوانهم مستمر سرمدي لا نهاية له ، قال تعالى : " وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ {45} " ( الشورى 45 ) أي : دائم سرمدي أبدي ، لا خروج لهم منها ولا محيد لهم عنها . كما أن هذه العقوبة لا فداء منها ، قال تعالى : " وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ {47}‏ " ( الزمر47 ) فالظالمين وأعوانهم الذين أكلوا حقوق الناس بسيف سطوة وقوة بغيهم ، يتمنون لو يفتدون عذاب يوم القيامة بأضعاف ملئ الأرض ذهباً ومالاً، ولكن لا فداء ولا افتداء .                            

د ) البراءة العامة بين الظالمين بعضهم البعض : حيث يتبرأ الطاغية والظالم من أتباعه وأعوانه ، بل ويتبرأ الشيطان من أتباعه كذلك مما يعتبر عقوبة معنوية إضافية لأتباعه ، لأنهم كانوا يعتقدون أنه سيغني عنهم شيئاً يوم القيامة ، أو أنه يمكن أن يخفف عنهم العذاب الأليم .                                                                 

1- تبرأ الظالمين من أتباعهم يوم القيامة : والآيات في هذا المعنى كثيرة منها قوله تعالى :" إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ {166} وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ{167}" ( البقرة 166 – 167 )

ومنها قوله تعالى : " وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ {31}‏ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ {32} وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {33} " ( سبأ31 – 33 ) .                                                                                                                         

2 - براءة الشيطان من أتباعه يوم القيامة : بل إن الشيطان الذي يعتبر أظلم الظالمين يتبرأ من أتباعه وأعوانه يوم القيامة ، بل ويدعي إيمانه بالله وكفره بمن أشرك به سبحانه ، قال تعالى  : " وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {22} "  ( إبراهيم 22 ) .                                                                                                             

- إنه الجزاء من جنس العمل الذي وعد الله تعالى به الناس ، فمن كان عوناً للأنبياء والصالحين وموالياً لهم ومتبعا لهداهم ، نال السعادة والذكر الحسن في الدنيا والفوز بالجنة في الآخرة ، ومن كان تبعاً وعوناً للظالمين والطغاة والمتكبرين ، ألبس ثوب الذلة والمهانة في الدنيا ، والعذاب والهوان يوم القيامة .                           

ثالثاً : خاتمة وتوصية : بعد أن طوفنا حول عقاب الظالمين وأعوانهم في الدنيا والآخرة يجب علينا أن نتواصى بـ :-

1- تجنب الظلم في أنفسنا حتى لا نقع تحت مسمى الظالمين وحتى لا تُسَد أمامنا أبوب السماء فتتبدد طاقاتنا وتضيع أعمالنا ونحن لا ندري . 

قال ميمون بن مهران : في قوله تعالى:" وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ 42} " ( إبراهيم 42 ) قال : " تعزية للمظلوم ، ووعيد للظالم " وقيل : لما حُبس بعض البرامكة وولده قال : يا أبت ، بعد العزِّ صِرنا في القيد والحبس . فقال : يا بُني ، دعوة مظلوم سَرَت بليل غفلنا عنها ، ولم يغفل الله عزَّ وجلَّ عنها . وكان يزيد بن حكيم يقول : ما هِبْتُ أحدًا قطُّ هيبتي رجلاً ظلمته ، وأنا أعلم أنه لا ناصر له إلا الله ، يقول لي : حسبي الله ، الله بيني وبينك .

2- عدم الرضا بالظلم وعدم ممالئة الظالمين أو الركون إليهم فالظالم ومعاونه سواء ، وكما قيل : " الرضا بالظلم في أي مكان هو تشجيع للظلم في كل مكان " .

- ولنوقن أنه مهما انتفشت قوى الظلم والبغي للنيل ممن يدافعون عن هذه الأمة وشريعتها وهويتها على مر العصور فالله تعالى للظالمين بالمرصاد يُبطل سِحرهم وكيدهم وتدبيرهم ..... وما ذلك على الله بعزيز .

- نسأل الله عز وجل في عليائه أن يُجنبنا مصارع الظالمين وأحوالهم كما نسأله سبحانه وتعالى أن يحفظنا من الظالمين وبطشهم .

- اللهمّ إنّ الظالم مهما كان سلطانه لا يمتنع منك فسبحانك أنت مُدركه أينما سلك ، وقادر عليه أينما لجأ ، فمعاذ المظلوم بك ، وتوكّل المقهور عليك . 

أسألك يا ناصر المظلوم المبغي عليه إجابة دعوتي ، فخذه من مأمنه أخذ عزيزٍ مقتدر ، وأفجئه في غفلته ، مفاجأة مليك منتصر، واسلبه نعمته وسلطانه ، وأعره من نعمتك الّتي لم يقابلها بالشّكر، وانزع عنه سربال عزّك الّذي لم يجازه بالإحسان ، واقصمه يا قاصم الجبابرة ، وأهلكه يا مُهلك القرون الخالية ، وأخذله يا خاذل الفئات الباغية . اللهمّ أرغم أنفه ، وعجّل حتفه ، ولا تجعل له قوّة إلاّ قصمتها ، ولا كلمة مُجتمعة إلّا فرّقتها ، ولا قائمة علوّ إلاّ وضعتها ، ولا ركناً إلاّ وَهَّنته ، ولا سبباً إلاّ قطعته .

المراجع:

[1] - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج 15 ص 319

[2] - مختصر تفسير ابن كثير – محمد علي الصابوني ج 2 ص 303

المصدر

كيف سيؤثر خروج روسيا من سوريا على السودان؟

كيف سيؤثر خروج روسيا من سوريا على السودان؟

كاتب وصحفي سوداني



 ليس جديدًا الوجود العسكري الروسي غير الرسمي في شرق وجنوب ليبيا، في مناطق سيطرة اللواء المتقاعد خليفة حفتر منذ العام 2014، وليس غريبًا نشاط ما يسمى بالفيلق الأفريقي الروسي، وهو الاسم المستحدث لشركة "فاغنر" الأمنية الروسية، المنطلق من خمس مناطق رئيسية في الشرق والجنوب الليبي: (قاعدة لوجيستية بحرية في طبرق، مركز قيادة وتنسيق أمني في بنغازي، معسكرات في جنوب ليبيا- براك الشاطئ، معسكر في منطقة الجفرة المقر السابق لوزارة الدفاع الليبية في عهد القذافي، ومعسكر تدريب وتوجيه في مدينة سرت على ساحل البحر الأبيض المتوسط).

لكن الجديد الآن هو فتح معسكر للفيلق الأفريقي الروسي على مقربة من الحدود الثلاثية المشتركة بين (السودان – ليبيا – تشاد) في منطقة (معطن السارة) جنوب شرق ليبيا (322 كيلومترًا جنوب غرب مدينة الكفرة)، وهي آخر نقطة عسكرية وتجارية ليبية في الجنوب الشرقي تعبر منها الطرق نحو جمهورية تشاد والسودان. وبها (معسكر للجيش الليبي في عهد القذافي أُهمل وتوقف العمل به منذ 2011).

وتمثل (السارة) عمق ما يسمى بالمثلث الذي يعج بالمرتزقة والمهربين والمهاجرين غير الشرعيين، وتسيطر على كامل المنطقة قوات خليفة حفتر التي تبسط نفوذها على الشرق الليبي ومناطق الجنوب، خاصة الحدود الليبية مع كل من السودان وتشاد والنيجر.

إعلان

وتجري الترتيبات حاليًا في هذه المنطقة مترافقة مع التطورات المهمة في الشأن السوداني، حيث تسعى قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، المتعاونة والداعمة لتمرد مليشيا الدعم السريع في السودان، لاستكمال التجهيزات وإعداد القاعدة الجديدة في (معطن السارة) لاستقبال ما يقارب الـ1000 جندي من قوات فاغنر الروسية من أجل إلحاقها بالفيلق الأفريقي، الذي انتقلت رئاسته للأراضي الليبية.

والجديد في هذا الأمر هو المعلومات التي تتحدث عن محاولات نقل وحدات من الفرقة الرابعة المدرعة التابعة للجيش السوري المنسحبة من العاصمة دمشق مع سقوط نظام بشار الأسد.

من التجهيزات التي تجري ويشرف عليها (صدام حفتر) قائد القوات البرية في جيش اللواء المتقاعد ومنسق العلاقات المتشابكة بين الدول العربية الداعمة وليبيا حفتر ومليشيا الدعم السريع والفيلق الأفريقي الروسي، زيارته قبل بضعة أسابيع إلى معسكر (معطن السارة) بالقرب من الكفرة.

خلال هذه الزيارة، وجَّه فرق العمل التابعة له، ومنها كتيبة طارق بن زياد، وكتائب سبل السلام، لتطوير مهبط الطائرات ليصبح مؤهلًا لاستقبال طائرات الشحن، خاصة (يوشن الروسية)، وتجهيز ثكنات الجنود ومعسكر التدريب، وحفر آبار لمياه الشرب، إلى جانب تجهيزات عسكرية أخرى تشمل منظومة الاتصالات والرادارات والتشويش.

بعد الزلزال السوري الذي غير معادلات كثيرة في المنطقة، تتحدث معلومات موثقة عن تعجيل العمل في المعسكر توطئة لنقل الجنود التابعين لفاغنر من سوريا، ونقل المعدات العسكرية وبدء تشغيل هذه القاعدة العسكرية الجديدة ذات الارتباط المباشر بما يجري في السودان.

ولم تتأكد بعدُ الكيفية التي تم بها نقل الجنود من قاعدة طرطوس السورية وقاعدة (حميميم) الجوية إلى بنغازي وطبرق، لكن تأكد أن طلائع هذه القوات وصلت بالفعل إلى هناك، حيث تتواجد من قبلُ فرقٌ وخبراء عسكريون من فاغنر ودولة عربية داعمة لحفتر، وقوات الدعم السريع في كلا الميناءين الليبيين لتنسيق نقل المعدات والأسلحة والتجهيزات الخاصة بالقاعدة والقواعد الأخرى التابعة للفيلق الأفريقي الروسي.

إعلان

غني عن القول أن الفيلق الأفريقي الروسي، بالإضافة إلى وجوده في مناطق سرت والجفرة وبراك الشاطئ، لديه مناطق أخرى ينشط فيها في الجنوب الليبي؛ لتعزيز التواصل مع المجموعات التابعة له في النيجر، ومالي، وبوركينا فاسو، وأفريقيا الوسطى، ومؤخرًا التغلغل في تشاد؛ بحجة أنه المعادل الموضوعي للوجود الغربي في دول الساحل الأفريقي والوريث المتحفز لوراثة النفوذ الفرنسي في أفريقيا.

وتنسق قوات الفيلق الأفريقي، مع القوات التي تتبع لحفتر في الجنوب الليبي، وأهمها الكتيبة 128 بقيادة حسن الزادمة، والكتيبة 129 التي يقودها محمد سيدي، وقوام هذه الكتيبة هي مجموعات من قبيلة التبو المشتركة بين ليبيا، وتشاد، والنيجر، والسودان، فضلًا عن كتائب سبل السلام، وطارق بن زياد، واتخذ الفيلق الروسي سبلًا أخرى لتوطيد دعائم وجوده في الجنوب الليبي، عبر الاستثمار في مجال التعدين في شريط واسع ممتد شرقًا وغربًا في مناطق الجنوب والوسط (براك الشاطئ وتمسة والقطرون ومرزق وجبال كلنجا حتى الجبال السوداء في الجفرة وسط ليبيا).

ومع أن قوات الفيلق الأفريقي الروسي تحصر مهمتها الرئيسية في متابعة العمل في منطقة تحالف دول الساحل الأفريقي، ودعم الأنظمة الجديدة التي غادرت المدار الفرنسي، والاستفادة منها حيث الموارد الطبيعية الذهب والألماس واليورانيوم، إلا أنها في ذات الوقت – كما تقول تقارير دبلوماسية وصحفية متخصصة – تشرف على عملية تجنيد مرتزقة أفارقة وعرب، ومن شرق أوروبا، وأميركا الجنوبية، وتدريبهم، ثم توزيعهم على مناطق النزاع الأفريقية خاصة السودان.

ويقول متابعون – على اطّلاع بما يجري في ليبيا، ومصادر داخل مجموعة حفتر – إن القاعدة المحتملة في (معطن السارة) سيتم فيها نقل المعدات والسلاح والإمدادات العسكرية والوقود، وهناك طائرات شحن ضخمة تقوم بنقل المعدات والأسلحة ومنظومات الاتصالات وتقنيات إلكترونية إلى مطارات في الجفرة وجنوب ليبيا والكفرة، وهي عملية نقل منظمة يرجح أنها ستذهب إلى مليشيا الدعم السريع في السودان.

إعلان

بينما تقول تقارير ذات صلة بمليشيا الدعم السريع، إن مهبط الطائرات في (معطن السارة) قد يستخدم في نشاط جوي بواسطة طيارين مرتزقة جندتهم مليشيا الدعم السريع لشن هجمات جوية على مدن في غرب ووسط وشمال السودان.

ومهما كانت التفاصيل والمرويات المتعارضة عن استبدال سوريا بليبيا، ونقل آليات ومعدات ومتعلقات القواعد الروسية في سوريا إلى شرق وجنوب ليبيا، فإن ما يتعلق بالفيلق الأفريقي الروسي أمر مقلق للغاية بالنسبة للسودان والسودانيين، وقد يبدو متناقضًا مع وجود علاقات جيدة ومتطورة ومتينة جدًا بين السودان وروسيا، فقد استخدمت موسكو حق النقض لأول مرة لصالح السودان في مجلس الأمن الدولي قبل أسابيع في مواجهة مشروع قرار بريطاني وأسقطته.

ولذلك فإن فتح وتشغيل القاعدة العسكرية في (معطن السارة) ووجود الفيلق الأفريقي الروسي ومرتزقته الأفارقة والأجانب من خارج القارة وهيمنة قوات حفتر وتورط خبراء عسكريين عرب آخرين في حرب السودان ووجودهم في المنطقة عند البطن الرخو من الحدود السودانية الليبية والسودانية التشادية، يؤكد ذلك أن هذه القاعدة تستهدف أمن وسلامة السودان ودعم مليشيا التمرد.

السبت، 28 ديسمبر 2024

ألا تخجل أمة المليارين من نفسها؟

 

ألا تخجل أمة المليارين من نفسها؟
حسين لقرع

الأخبار المفزعة التي تتوالى في الأيام الأخيرة بشأن وفاة عدد من الأطفال حديثي الولادة في رفح بجنوب غزة من شدّة البرد في خيم من البلاستيك والقماش المهترئ، ينبغي أن تشعر أمة الملياري مسلم بالعار والخجل من أنفسهم، فهل بلغ الأمر إلى درجة العجز عن جمع الملايين من الأفرشة والبطانيات وإرسالها إلى غزة، وهو أمر يمكن أن تتكفّل به جمعية خيرية واحدة في بلد مسلم كبير؟

لو حدثت هذه المآسي بشمال غزّة المحاصرة كلّيا منذ 75 يوما، بفعل تطبيق “خطّة الجنرالات” الفاشية الرامية إلى إخلائه من سكانه واستيطانه مجددا، لقلنا إن الاحتلال سيمنع وصول هذه المساعدات إلى هذه المنطقة المحاصرة بشكل إجرامي ولو تدفّقت عليها من مناطق العالم جميعا، لكنّها حصلت في رفح بجنوب غزة على مرمى حجر من مصر، والمساعدات تصل إلى هناك ولو كانت شحيحة قليلة ويتعرّض بعضها للنّهب أيضا، فهي تصل برغم كلّ الظروف وبإمكان الدول العربية والإسلامية وأحرار العالم إذن إرسال الاحتياجات الأساسية للسكان الفلسطينيين بالمنطقة وفي مقدّمتها الأغذية والخيم والأفرشة والبطانيات والأدوية وغيرها… ولا يضرنّهم في ذلك أن ينتظروا أسابيع عديدة أمام معبر رفح قبل السّماح لمساعداتهم بالدخول، فما يعانيه 2.3 مليون فلسطيني من برد وجوع وأهوال يستحقّ هذه التّضحية البسيطة.

ويضاف الموت بردا إلى ما يحدث في غزة، وخاصة في شمالها، من الموت جوعا بفعل ندرة الأغذية والمؤونة، وعدم السماح بدخولها، وكذا الموت تحت القصف بشتّى أشكاله في مجازر تتكرّر يوميا أمام بصر العالم وسمعه، ويسقط فيها كلّ يوم عشرات الشهداء والجرحى، ولا أحد يتحرّك لوضع حدّ للمأساة؛ فالدول الغربية متواطئة ومشاركة في هذه الجريمة منذ اليوم الأول للحرب ولم يعد هناك أمل يرجى منها.

والدول العربية والإسلامية استسلمت كلّيا للأمر الواقع، ولم تعد تتداعى لعقد اجتماعات، هل يعقل أن يموت أطفال بالجوع والبرد ولا تعقد الدول الإسلامية اجتماعا عاجلا للنّظر في كيفية الضغط على الدول الكبرى لتضغط بدورها على الاحتلال ليسمح بدخول المساعدات الإنسانية الأكثر استعجالا وإلحاحا؟ هل تحدث هذه المآسي لأشقاء عرب في أرض عربية، أم تحصل في جزيرة معزولة في هذا العالم؟

منذ بضعة أشهر، اشتكى أحد فلسطينيي غزة من خذلان العرب والمسلمين لهم، وعدم اكتراثهم بما يقاسونه من جوع وأمراض ومجازر، وختمها قائلا: “لا تشفع لهم يا رسول الله يوم القيامة”، ولعلّ هذا الفلسطيني المفجوع بخذلان أمة المليارين يكرّر طلبه الآن من الرسول الكريم، صلّى الله عليه وسلم، وهو يرى رضّعا يموتون من شدّة البرد في خان يونس، ولا أحد يتحرّك لإرسال ما فاض عن حاجته من أفرشة وبطانيات لإنقاذ البقيّة في هذا الشّتاء الذي نعيش أيّامه الأولى فقط ولا يزال طويلا، فهل مثل هذه الأمة تستحقّ شفاعة رسولها يوم القيامة وقد تركت 2.3 مليون من أشقائها للموت بشتّى الطرق وأصبحت تتعايش مع ذلك وكأنّ شيئا لم يحدث؟

عزاؤنا، ونحن لا نرى هذه الأيام إلا ما يدمي القلب، أنّ المقاومة لا تزال صامدة في القطاع، ولا ترفع الرّاية البيضاء لهذا الاحتلال المجرم الفاشي الذي يجوّع الأطفال والنساء وينسف البيوت على رؤوسهم ويدمّر المنشآت ويحرق المستشفيات… وهي تنتقم لهم وتقاوم بكلّ ما تملك حتى بالسّكاكين؛ ففي الأسابيع الأخيرة، بدأت المقاومة تلجأ إلى عمليات بالأسلحة البيضاء وتقتل جنودا للاحتلال بجرأة نادرة.

وسواء كان الأمر يتعلّق بنقص في أسلحتها وذخائرها، كما يروّج الاحتلال لذلك، أو أنّه تكتيك جديد لبثّ الرعب في صفوف جنوده، فهو يثبت -في جميع الأحوال- أنّ المقاومة لا تزال موجودة وتحارب بما تستطيع، في إصرار وعزيمة كبيرتين.. وفي ظلّ الخذلان الشّامل الذي يحاصر الفلسطينيين من كلّ جانب، لم يعد هناك من أمل سوى صمود المقاومة في الميدان، وكذا ثبات الفلسطينيين على أرضهم برغم الجوع والبرد والحصار والمجازر، وهو صمود سيذكره التاريخ بأحرف من ذهب.

الشروق الجزائرية




هل أصبح المقاومون مرتزقة ودواعش؟!

23-Dec-24 - 03:46 AM

يقول الكاتب: السُّخط الشعبي ضدّ السلطة الفلسطينية يتنامى في الضِّفة، والمظاهرات تملأ الشوارع في جنين ونابلس وطولكرم ومعاقل أخرى، وحتى بعض عناصر الشرطة وقياديين من “فتح” بدؤوا يتململون ويعارضون هذه الحملة الأمنية.

التفاصيل

ترامب.. تهديد خطير لغزة وإيران!

04-Dec-24 - 03:33 AM

يتساءل الكاتب: ما الذي يستطيع ترامب أن يفعله في غزة أكثر ممّا فعله الاحتلال بها إلى حدّ الساعة؟

التفاصيل

هكذا ردّ سموتريتش على 56 دولة إسلامية!

17-Nov-24 - 03:04 AM

يكتب لقرع: اليوم يأتي سموتريتش ليدفن حل الدولتين نهائيا عبر تصريحه هذا، ويؤيّده نتنياهو في ذلك ويقول إنّه ينتظر عودة ترامب إلى البيت الأبيض في 20 جانفي 2025 للموافقة على ضمّ الضفة نهائيا.

التفاصيل

مجزرة في حيفا ورعب في تل أبيب

16-Oct-24 - 04:56 AM

لقرع يقول: بدأ الصهاينة يستفيقون من تلك النشوة العابرة على كابوس فشل قوّاتهم في تحقيق أيّ توغّل برّي حقيقي في جنوب لبنان، مع تسجيل خسائر بشرية ومادية كبيرة هناك خلال أسبوعين من بداية العملية البرية.

التفاصيل

من “الهدهد” إلى “يافا”

25-Jul-24 - 03:57 AM

ما يحدث في جبهات الإسناد بلبنان واليمن منذ نحو 9 أشهر، نصرة لغزة، جدير بالتوقّف عنده وتثمينه، لأنه الاستثناء الوحيد في أمة المليارين التي استسلمت تماما لما يجري في القطاع من مجازر وحشية ودمار مهول، وأظهرت عجزا عمليّا غير مسبوق في تاريخها كلّه..

التفاصيل

نغزوهم ولا يغزوننا

10-Oct-23 - 03:29 AM

اليوم تبيّن للمرجفين أنّ حركة حماس كانت على حقّ حينما أحجمت عن التصدّي للاحتلال في جولاته القتالية المحدودة على حركة الجهاد في غزة.

التفاصيل

“مشروع قسنطينة” يُبعَث في فلسطين!

19-Jan-23 - 04:14 AM

وما تحضِّر له دولُ التطبيع هذه الأيام رفقة الولايات المتحدة والاحتلال، لا يختلف في جوهره عن “مشروع قسنطينة” الاستعماري الدوغولي؛ إذ ذكر موقع “أكسيوس” الأمريكي أن هذه الدول التي اجتمعت مؤخرا في الإمارات للتحضير لـ”منتدى النقب 2″ المنتظَر عقده بالمغرب في مارس المقبل، قد تبنّت وثيقة عملٍ تنصّ على “تنفيذ مبادراتٍ من شأنها تعزيز الاقتصاد الفلسطيني وتحسين نوعية حياة الفلسطينيين”.

التفاصيل

مونديال العار!

23-Nov-22 - 04:18 AM

إنها صورة للتضليل السافر الذي يكشف الكثيرَ من عُقد الاستعلاء والعجرفة والعنصرية واحتقار كل ما لا يمتُّ إلى الغرب بِصلة، وكأنّه هو الذي ينبغي أن يحتكر وحده التفوّق في مجالات الحياة جميعا، حتى تنظيم منافسةٍ رياضية ناجحة!

التفاصيل

هل تزول إسرائيل في 2028؟

10-May-22 - 06:15 AM

منذ سنوات عديدة والعرب والمسلمون يتساءلون: هل تزول “إسرائيل” في سنة 2022؟ ذلك أنّ هناك إسلاميين تفلسفوا وقالوا إنّ “دولة” الاحتلال الصهيوني ستزول سنة 2022، وقدّموا حججا غير مقنعة ثم دعموها بقولهم إنّ هذه نبوءة توراتية أيضا؟! وصدّق الكثيرُ من الناس..

التفاصيل

فلسطين على مرمى حجرٍ منكم!

19-Mar-22 - 07:02 AM

يلوم الكثيرُ من المحللين والمتتبّعين العرب هذه الأيام الغربَ على استنفاره وتجنيده إمكاناتٍ عسكرية وديبلوماسية وإعلامية وإنسانية ضخمة لدعم أوكرانيا، وفرضِه سلسلة عقوبات طويلة على روسيا، لم تكتفِ بالاقتصاد وعالم المال فحسب، بل امتدّت حتى إلى الرياضة والقِطط الروسية تضامنًا مع أوكرانيا..

التفاصيل

أستراليون ينصرون فلسطين!

12-Jan-22 - 01:59 AM

خلال متابعتنا لشتّى الأحداث العربية والعالمية هذه الأيام لفت نظرَنا خبران نشرتهما بعض وسائل الإعلام العربية وتجاهلهما تماما إعلامُ دول التطبيع. الخبران قد يبدوان صغيرين ولكننا نراهما على جانب كبير من الأهمّية.

التفاصيل

خطوة نحو استعادة سيادتنا اللغوية

24-Oct-21 - 08:36 AM

منذ أن وجّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إهانته للأمة الجزائرية وأنكر وجودها قبل الاحتلال الفرنسي، والخيّرون في هذا البلد يطالبون بتجاوز التنديدات والردود الكلامية..

التفاصيل

السودان.. كنزٌ استراتيجيٌّ آخر للاحتلال!

26-Sep-21 - 03:36 AM

بعد مرور يومين فقط على مسرحية المحاولة الانقلابية التي فبركها عسكرُ السودان لتشديد قبضتهم على الحكم، كشف مسؤولون في “لجنة تفكيك نظام 30 يونيو 1989” لوكالة رويترز أنّ النظام السوداني صادر أصولا لحماس تضمّ أراضي زراعية شاسعة مساحتها مليون فدّان، ومكاتب صِرافة، و12 شركة متعددة الأغراض، وفندقا، ومحطة تل

التفاصيل

طائرة "أمير المؤمنين" في "إسرائيل"!

07-Jul-21 - 05:42 AM

ما كشفته قناة “كان” العِبرية بشأن وصول طائرة عسكرية مغربية إلى قاعدة “حتسور” الصهيونية جنوب فلسطين المحتلة، بالتزامن مع استعداد عددٍ من الدول لإجراء تدريبات عسكرية..

التفاصيل