لك الله يا غزّة.. هل ستنتصرين؟
لك الله يا غزة! أي جريمة هذه التي لم يعرفها التاريخ من قبل، ومازالت ترتكب في حقك على مدار الساعة منذ ٦ أشهر؟ وأي بطولة هذه التي تتحلين بها في وجه الجريمة، وفي وجه جميع المجرمين والجبناء الذين جحظت عيونهم وتسمرت في انتظار سقوطك المستحيل؟ لك الله يا غزة! ولكم الله يا أطفال غزة، ويا نساء غزة، ويا أبطال غزة، ويا شهداء غزة. ها نحن قد اعتدنا على أعراس الدم المنصوبة في الأزقة والطرقات، في الصباح والمساء وقبيل الفجر والناس نيام. اعتدنا على أكوام الدمار وهي تحتضن ساكنيها وتأبي ألا تفارقهم، فعلى جدرانها لمساتهم وفي زواياها همساتهم وأحاديث الذكريات والآمال والبشائر. اعتدنا عليك مرفوعة الهامة، شامخة العنفوان، عصية على الهزيمة والانكسار، ولكن الجبناء والمنافقين لا يفقهون.
مئات الآلاف من القنابل الغبية والذكية والصواريخ الموجهة وقذائف الدبابات والمدفعية، أتت على أكثر من ٨٠٪ من العمران بحثا عن الانتصار، استقبلتها غزة ببسالة شديدة، فلم تنحن، ولم تسقط، ولم تبح بسر الانتصار.
البحث عن السر
ستة أشهر مضت وأنت يا غزة تسطرين ملاحم البطولة والصمود، وأناشيد الحنين واليقين، وتصنعين من العدم أطباق التحدي والعناد، وأشربة الثبات والاحتساب، وتعجنين من الأوجاع والجراح والجنائز والدمار أدعية الصبر والتوكل، وتزرعين في كل حجر أملا ووعدا.
ستة أشهر مضت، وربما ستة أشهر أخرى في الانتظار، والمجرمون والجبناء والمنافقون يبحثون عن الانتصار، في خزائن خبراتهم، وفي ملفات خططهم، وبين سطور حساباتهم، يبحثون عنه في قذائف دباباتهم وآلياتهم مدافعهم وصواريخ طائراتهم. يبحثون عن الانتصار في تدميرهم الهمجي، وممارساتهم اللاإنسانية، ولكن دون جدوى، لأنهم لا يدركون أن الانتصار معقود في ناصيتك، متغلغل في شرايينك، ومقيد في سواعدك الفولاذية التي لم يشلها تراكم الجراح، ولا تدفق النزيف.
ازدادت وحشيتهم وهمجيتهم، حتى تجاوزت حدود ما تراكم في ذاكرة البشر، وتطاول استعلاؤهم وفجورهم، حتى كأنهم ملوك الأرض وأباطرة الزمان، فلا قوة تردعهم، ولا قانون يوقفهم عند حدهم، ومؤخرا وافقت الإدارة الأميركية -راعية النظام العالمي الظالم- على تزويد الكيان الصهيوني بدفعة جديدة من القنابل الغبية والذكية، من بينها ١٨٠٠ قنبلة من القنابل المعروفة بـ (MK84)، التي تزن أكثر من ٩٠٠ كجم، نصفها من الفولاذ والنصف الآخر من مادة تريتونال شديدة الانفجار، ويبلغ طولها أربعة أمتار، وقطرها حوالي نصف متر، ويصل قطر الدائرة القاتلة عند الانفجار إلى ٧٥٠م، كما يمكنها اختراق معدن بسمك ٤٠سم، وخرسانة بسمك ٣٥٠م، وتبلغ قيمة القنبلة الواحدة ٤٠ ألف دولار، ولكنها تدمر مربعا سكنيا كاملا.
تعرف غزة هذه القذيفة جيدا، كما عرفتها من قبل فيتنام وأفغانستان والعراق، فقد زودت الإدارة الأميركية الكيان الصهيوني بهذه القنبلة منذ وقت مبكر، واستعملها في حربه على غزة في ٢٠١٤م. وفي الأشهر الثلاثة الأولى من حرب الإبادة الجماعية الصهيو-أميركية على قطاع غزة؛ قامت الولايات بتزويد الكيان الصهيوني بأكثر من ٥٠٠٠ قنبلة من هذه القنابل، لتطيح بالمباني والمرافق فوق رؤوس من فيها، ظنا من الولايات المتحدة أنها ستساعدهم على تحقيق أهدافهم، وتمكنهم من تعجيل الانتصار، ولكن هيهات هيهات، أن تنكسر عزيمة غزة ويتهاوى شموخها. فهل استنفذ الكيان الصهيوني هذه القنابل حتى يطلب كمية إضافية؟ أم طلبها ليعيد تدمير ما دمره من قبل؟ طمعا في الحصول على ما لم يحصل عليه دون جدوى كما فعل في مجمع الشفاء الطبي؟ أم أن ذلك استعداد لمعركة رفح القادمة التي يزعم أنها ستكون معركة حاسمة ستقضي على حركة حماس؟ إنه على يقين من أنه لن يتمكن من ذلك، وأن انتصاره على حركة حماس سيظل مثل "عشم إبليس في الجنة" كما يقول المثل الشعبي، فغزّة لن تفرط في انتصارها.
مئات الآلاف من القنابل الغبية والذكية والصواريخ الموجهة وقذائف الدبابات والمدفعية، أتت على أكثر من ٨٠٪ من العمران، استقبلتها غزة ببسالة شديدة، بينما كانت تدمر فيها كل شيء، من المباني إلى الشوارع إلى الأرصفة ودور العبادة والمستشفيات والأسواق والمقابر. مئات الآلاف من القنابل انفجرت فوق غزة بحثا عن الانتصار، ولكن غزة لم تنحن، ولم تسقط، ولم تبح بسر الانتصار.
هل استكثروا عليك حقك الطبيعي في المقاومة والإصرار على استعادة الحقوق السليبة منذ ثمانية عقود؟ أم حقدوا عليك بسبب عجزهم عن القيام بما قمت به؟ أم أنهم خشَوا من تبعات انتصارك على تيجانهم وعروشهم؟
خلف الأبواب
لك الله يا غزة! وأنت على موعد مع أقدار الله، بأن تواجهي هذا العدوان الهمجي وحدك، بعد أن تخاذل الأقارب والأباعد من بني جلدتك، وبعد أن تنكر لك بعض من أبنائك، وتآمر عليك من ارتابت قلوبهم وخشيت نفوسهم على ضياع مقاعدهم وامتيازاتهم والوعود التي تلمع أمام ناظريهم، وأقصى ما جادت به مروءتهم؛ بيانات التنديد والاستنكار والمناشدة والتمسك بالقرارات الشرعية والاتفاقيات الدولية التي أكلتها دابة الأرض، ولا يتذكرها إلا الضعفاء والمهزومون، وحتى لا ننسى؛ فقد جادت مروءتهم بقوافل المساعدات الإنسانية التي عجزوا مجتمعين عن إدخالها، وتراهم يتفاخرون في ترتيب دولهم بين الأكثر مساهمة في هذه المساعدات.
لك الله يا غزة!
هل استكثروا عليك حقك الطبيعي في الحياة الحرة الشريفة؟ هل استكثروا عليك حقك في المقاومة والإصرار على استعادة الحقوق السليبة منذ ثمانية عقود؟ أم حقدوا عليك بسبب عجزهم عن القيام بما قمت به ضد الكيان الصهيوني؟ أم أنهم خشوا من تبعات انتصارك على تيجانهم وعروشهم؟
لقد اجتاحت روسيا أوكرانيا قبل عامين، وما هي إلا سويعات حتى هبت جميع الدول الغربية هبة قبيلة واحدة لنصرتها واحتضان نازحيها ومهاجريها، وكانت الذخائر والمعدات العسكرية والمساعدات الإنسانية والمالية تتدفق إليها من كل حدب وصوب قبل أن يفكّروا في تبعات هذه الحرب، ولا القوى التي سيدعمونها. ورغم ارتفاع فاتورة مساعداتهم لأوكرانيا طيلة العامين الماضيين، ورغم احتمالات توسع نطاق الحرب إقليمياً وعالمياً، إلا أنهم مازالوا مصرّين على تحمّل هذه الأعباء حتى تتمكن أوكرانيا من الانتصار على روسيا وتجبرها على الانسحاب والإذعان لمطالبها.
أما الأقارب والأباعد من بني جلدتك ومن أبنائك، فمازالوا خلف الأبواب، يسترقون السمع.
لك الله يا غزة!
كنت على موعد مع أقدار الله، في مرحلة زمنية تموج بالأحداث والتقلبات والإرهاصات، فهل ستكونين فتيل الانفجار؟ أم المصباح الذي سيضيئ عتمة التغيير؟ الإجابة مخبأة في أقدار الله، ولكن المؤكد أن التاريخ لن يطويك في صفحاته السوداء، فانتصارك في مقاومتك وفي صمودك، وتضحياتك هي الوقود الذي يعزز المقاومة ويحفظ لك الانتصار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق