كنتم خير أمة أخرجت للناس
محمد صالح البدراني
ما معنى كنتم خير أمة:
إن الأمة ليست قوم وإنما فكرٌ وطن له الكينونة والصفة المتميزة كثقافة أو قيمة أخلاقية بحيث يكون قدوة فيما يحمل من صفة وقيم بمدلول لفظ المصطلح، كان أقول فلان مسلم فأنا أعنى القيم وليس انتسابا وراثيا للدين ثبتته غريزة التدين: “إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ” (120-النحل).
هل نحن خير أمة:
إنه ليس وصف الأجداد بالخيرية ولا المسلمين لأنهم ورثوا التسمية بل الخيرية في شروطها أبد الآبدين “كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ” (110-آل عمران) …. هذه الخيرية هي صفة الأمة، فالخير أن: تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله، وهذا معناه أن تجسدوا القيم في سلوككم كما جسد إبراهيم القيم وكان قدوة فهو أمة، بيد أننا الآن لسنا أمة ولا خير الأمم، لسنا أمة لأننا لا نعرف بهوية وقيم، ولا وطن لنا نعرف حقيقته، كمن يعيش في عالم افتراضي، بل إن هدم الهوية والقيم وقطع الأغصان التي نجلس عليها ماض على قدم وساق، لا نمسك شيئا إلا أبليناه ولا نستخدم صالحا إلا شوهناه، نعشق الخلاف ونعتقد أن غلبة بعضنا على بعض تمكين.
عندما تتحدث الآيات عن قيم وأفكار فإنها تتحدث عن فكر حضاري وعن عقلية سليمة ونفسية سليمة تجيد التفاهم وإنصاف الآخرين، وليس عن علم أو تطور مدني وتفوق علمي وإداري على الآخرين، فتلك قدوة في التمدن ليس السلوكي وإنما العلمي، أقول هذا لأن بعض المفكرين يفترض أن الخيرية تعني التفوق.
هل الغرب قدوة أو خير أمة أخرجت للناس:
قال مهاتير محمد “عندما أردنا الصلاة اتجهنا صوب مكة وعندما أردنا بناء البلاد اتجهنا صوب اليابان” هو يشير إلى مسألتين مختلفتين تتلقي الأولى بغريزة التدين، فهذه تتوجه بها إلى الكعبة ، فالتوجه إلى الكعبة فقط للتدين فلم يعد هنالك في شرق البحر الأبيض المتوسط إضاءة للعلم والمعرفة، لكنه قطعا لم يك يتحدث عن القيم ولا الفكر الحضاري، وعندما توجه إلى اليابان فهو توجه إلى حيث التطور في الإعمار والبناء، وهي مسالة نقل للمدنية والمشاركة فيها لأن المدنية هي تراكم للجهد البشري يشترك فيه كل البشر، وهو مهمة الآدمية جمعاء، ولا علاقة له بالقيم والمعاني الأخلاقية التي تحكم السلوك، وهكذا عندما تشوه معنى الإسلام عندنا تشوهت سلوكيتنا، ولم نعد منارا للعلم وإنما بلاد محتلة يسيطر على كل ما فيها المحتلون بطرق مباشرة أو وكالة، وهكذا تكون الأمم المتخلفة حيث تكون مثالا ونموذجا لمنظومة تنمية التخلف، في كفاءتها العالية ومخرجاتها التي تزيد البيئة دمارا. والبيئة أصلا مفككة، متمردة على لا شيء، لا تعرف الطريق ولا تسمع القدوات الأفراد لتنهض بل هم يقتلون القدوات وهذه ليست صفة في مجتمعاتنا المفككة، بل هي صفة الإنسان المتخلف الضيق التفكير.
في رواية قد تكون ذات مدلول سلبي لكنها تُذكر، قيل أن تشي جيفارا طلب قبل إعدامه أن يلتقي بذلك الراعي الواشي ويسأله عن سبب وشايته به بعد أن ضحى بحياته وأفنى عمره مقابل أن يمنح الرعاة والفقراء وأبناءهم حقوقهم، فكانت إجابة الراعي بأن حروب جيفارا مع الجيش كانت تثير الرعب في أغنامه وتمنعه لأيام من الخروج لتأمين الماء والطعام للأغنام، وبذلك فإن تلك الحروب كانت تمنعه من طلب الرزق.
اليوم عندما يسأل أحد عن خير الأمم في واقعنا، فسيقول أمريكا أو الغرب في مغالطة معرفية تتجه للتفوق التكنولوجي، لكن هذه التكنولوجيا في بلدان لا قيمة عندها إلا النفعية وهي حقيقة لا يخجل منها القائمون على نمط حياة الدولة الحديثة، وحتى الليبرالية، أخذت بالتجاوز عن الحقوق وحماية الذات، من خلال ما يطرح ويعمل به في الليبرالية الحديثة، ونحن نرى كل ما يمكن أن يوصف بسيء الأعمال موجود، ومع هذا فهذه الدول متفوقة علميا ومدنيا، لكنها ترى قتيلا صهيونيا جريمة ولا ترى عشرات الألوف من الضحايا في غزة وبتصريحات متلفزة ومتكررة وواثقة.
إن الغرب متطور لكنه متردٍ قيميا، وسيستمر في التردي ما لم يعِ، ونحن سنبقى في التخلف والتردي ومنحدره الذي اجتمعت الآدمية فيه بطريقة أو أخرى وتنزلق إلى الحضيض.
الدول الصناعية متطورة مدنيا لكن لا تنطبق عليها معايير خير الأمم، فالأمم اليوم كما وصفنا كلها في منحدر التدني القيمي الآدمي، فهي لا تأمر بالمعروف، بل تأمر بالمنكر كما رأينا ذلك في انحطاط المعايير الخلقية، وإيمانها بالله أمر لفظي لا فعل له، ولاشك وفق هذا فإن أمتنا متخلفة مدنيا ومنحدرة حضاريا، سقيمة والقيح منها يقزز الناظرين، حتى الصالح وإن قل مُحاربًا (اخرجوا آل لوط)، وترى شعوبنا كقطعان الأيل الغالب منها لا يهمه إن لعبت السباع في قطيعه إن نجا ولا يرى ما يحصل في الغزال، ناهيك عن أنهم إن سقط جريحا فيهم افترسوه.
هل سنستعيد صفة الأمة:
اليوم تعلو المناداة المبتعدة عن الإسلام وكأنها بهذا تصل إلى الخيرية، لكننا لن نصل حتى نكون فعلا أمة تعرف الخير معرفة واعية ملائمة لقيادة العصر تتعلمه وتعلمه، فتدعو له وتنصح به، وتجذب الناس إلى عقلانية فيشاد الوطن وتكون أمه، فإن أحسنت إيمانها قولا وفعلا وتدينت عقلا وغريزة، عندها تعود خير أمة، فهذه أعمال ودرجات لا تورث وإنما يحققها الجهد الخاص.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق