انتهت اللعبة.. كيف يتحول الحلم الغربي في إقامة وطن لليهود داخل الشرق الأوسط إلى كابوس؟
ترجمةعربي بوست
بعد مرور ستة أشهر، فإن ذلك الصرح الذي سمح للقوات الإسرائيلية بقتل أكثر من 33 ألف فلسطيني وإصابة 75 ألفاً آخرين، وتهجير أكثر من 2.3 مليون نسمة ثم تجويعهم، وهدم شمال غزة، وتدمير الخدمات الصحية، والإشارة إلى أنها ستفعل الشيء نفسه في رفح خلال الأشهر الستة المقبلة، آخذٌ في الانهيار.
الزعماء السياسيون الذين صوَّروا هذه المذبحة على أنها حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، والصحفيون الذين روَّجوا لقصص رعب خيالية عن الأطفال مقطوعي الرأس والاغتصاب الجماعي في 7 أكتوبر/تشرين الأول، والمحرِّرين الذين يتجاهلون يوماً بعد يوم قصصاً عن قوافل المساعدات التي تستهدفها القوات الإسرائيلية، يندفعون الآن بحثاً عن غطاءٍ آخر.
كل الحجج التي استخدموها لمواصلة هذه المذبحة تنهار بين أيديهم: أن هذه حرب عادلة، وأنه يجب السماح لإسرائيل بإنهاء المهمة، وأن الإجراءات المُتَّخذة متناسبة، وأن العملية القانونية في محكمة العدل الدولية تعيق محادثات السلام بل ويمكن تجاهلها، حيث يمكن للمملكة المتحدة والولايات المتحدة توجيه اللوم لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وفي الوقت نفنسه مواصلة تسليحه.
لقد انهار السد. لم يعد بإمكان وزير الخارجية البريطاني اللورد كاميرون أن يلعب لعبة القط والفأر مع رئيسة اللجنة المختارة للشؤون الخارجية أليسيا كيرنز، التي كشفت قبل بضعة أيام أن محامي الحكومة كانوا على علم بأن إسرائيل قد انتهكت القانون الإنساني الدولي.
وقَّع أكثر من 600 محامٍ وأكاديمي وقاضٍ سابق بارز، من بينهم رئيسة المحكمة العليا السابقة ليدي هيل وقاضيتان سابقتان أخريان في المحكمة، على رسالة تحذِّر حكومة المملكة المتحدة من أنها تنتهك القانون الدولي من خلال الاستمرار في تسليح إسرائيل.
وتساءل وزير الخارجية السابق السير آلان دنكان كيف يمكن اعتبار إسرائيل حليفة للمملكة المتحدة، ودعا إلى محاسبة مؤيديها الرئيسيين، اللورد بولاك واللورد بيكلز وتوم توغندهات، على دعمهم لإسرائيل.
وقال لمحطة LBC الإذاعية البريطانية: "أعتقد أن أي شيء يدعم ما يتحول إلى كارثة شاملة في غزة غير مقبول أخلاقياً، وما يتعين علينا قبوله هو أن ما يفعلونه الآن ليس خطأً فحسب، بل إن ما تفعله إسرائيل منذ سنوات كان خطأً لأن الجيش الإسرائيلي لا يتبع القانون الدولي".
وأضاف: "لقد كانت تدعم المستوطنين غير الشرعيين في الضفة الغربية الذين يسرقون الأراضي الفلسطينية، وهذه السرقة، وهذا الضم للأراضي الفلسطينية، هو أصل المشكلة، وهو الذي أدى إلى ما فعلته حماس والمعارك التي نشهدها الآن".
انقلاب من على الحافة
المزاج يتغير بالفعل. وأظهر استطلاعٌ للرأي أجرته مؤسسة يوغوف أن 56% من الناخبين البريطانيين يؤيدون الآن فرض حظر على تصدير الأسلحة وقطع الغيار، بينما يقول 59% أن إسرائيل تنتهك حقوق الإنسان في غزة.
وأظهر الاستطلاع دعماً قوياً لحظر تصدير الأسلحة بين الناخبين الذين يعتزمون التصويت لحزب العمال في الانتخابات المقبلة. أيد 71% مقابل 9% ممن كانوا يعتزمون التصويت لحزب العمال حظر تصدير الأسلحة، في حين أيد ناخبو الديمقراطيين الأحرار الحظر بنسبة 70% مقابل 14%، وناخبو المحافظين بنسبة 38% مقابل 36%.
ورداً على سؤال عما إذا كانت إسرائيل تنتهك حقوق الإنسان، قال ناخبو حزب المحافظين بأغلبية اثنين إلى واحد إن إسرائيل تنتهك القانون بالفعل. كان دنكان يعبِّر عن مزاج حزبه.
لقد دُفِعَ كاميرون إلى العلن. وعليه أن يختار: فإما أن يعترف بأن الحكومة تنتهك القانون الدولي بالفعل، وأنه من الممكن محاكمتها بناءً على ذلك، بما في ذلك هو شخصياًـ وإما أن يوقف تجارة الأسلحة.
الرسالة ليست من عمل الناشطين المؤيدين للفلسطينيين. إنها نخبة المؤسسة القانونية: شخصيات مثل قاضيي المحكمة العليا السابقين اللورد سومبشن واللورد ويلسون، وقضاة الاستئناف السابقين السير ريتشارد أيكنز، والسير أنتوني هوبر، والسير آلان موسى، والسير ستيفن سيدلي.
أُدرِجَ أيضاً مؤسسو وشركاء شركات المحاماة الكبرى في المملكة المتحدة بالإضافة إلى أساتذة من جامعة أكسفورد وكلية لندن للاقتصاد وكلية كينغز كوليدج في لندن.
ما الذي دفع الجميع بالضبط إلى حافة الهاوية هذا الأسبوع؟ ما الذي دفع الصحف الشعبية المؤيدة لإسرائيل للانقلاب عليها؟
لقد حدث الكثير يوم الإثنين 1 أبريل/نيسان قبل ذلك الهجوم على قافلة المطبخ المركزي العالمي. وبالكاد أزعج ذلك أحداً.
طلع الصباح مع انسحاب القوات الإسرائيلية التي حاصرت مستشفى الشفاء، تاركةً المستشفى في حالة خراب وخلفها كومة كبيرة من الجثث. وهنَّأ الجيش الإسرائيلي نفسه على هذه العملية.
أعلن رئيس الوزراء السابق وقائد القوات الخاصة، نفتالي بينيت، على موقع إكس (تويتر سابقاً): "إنجاز مذهل في ساحة المعركة. النتائج رائعة: أُجلِيَ 6 آلاف مدني من قبل الجيش الإسرائيلي للحفاظ على سلامتهم. قُتِلَ 200 إرهابي من حماس. أُلقِيَ القبض على 500 من إرهابيي حماس. ولم يقتل أي مدني. ولا واحد".
لم يكن هذا ما شهدته الدكتورة أمينة الصفدي، التي مُنِحَت ساعات فقط لنقل المرضى خارج قسمها. وتُوفِّي منهم 16 في العناية المركزة.
قالت: "في اليوم الثاني، أجبرونا على نقل جميع المرضى من مكان تواجدنا؛ من قسم العظام في المبنى الرابع، إلى منطقة الاستقبال، ومنحونا وقتاً محدداً. مات الكثير منهم. كانوا في العناية المركزة ولم نتمكن من فعل أي شيء لهم".
وأضافت: "قبل ثلاثة أيام أعطونا هذه الأساور. قالوا إنها لكي يراها القناصة، وأي شخص يغادر المبنى بدون هذه الأساور سوف يُستَهدَف".
ولم يكن هذا ما شهده رفيق، الشاب الهزيل الأشبه بالهيكل العظمي الذي بالكاد يستطيع رفع رأسه.
قال: "لقد عذبونا هناك. لم يكن هناك طعام أو ماء. بقينا بدون طعام أو ماء لمدة خمسة أيام. كنا نموت. عشنا في عذاب. ولم تكن هناك ضمادات لجروحنا. لم يكن هناك طعام. أنا غير قادر على تحمُّل ذلك بعد الآن".
المرضى والأطباء، وحتى الموتى، الذين انتشلت الجرافات جثثهم، كانوا جميعاً مثل المحاصرين، الذين تركوا وراءهم أرضاً قاحلة.
كان من بين القتلى اثنان من أكثر الأطباء احتراماً في غزة، وهما أمٌّ وابنها. عُثِرَ على أحمد المقادمة، جراح التجميل الفلسطيني في أوائل الثلاثينيات من عمره، ووالدته يسرى المقادمة، طبيبة عامة، إلى جانب جثة ابن عمه باسم المقادمة، عند الدوار المجاور لمول كارفور في مدينة غزة، على مسافة قصيرة من الشفاء.
هل أطلق القناصة النار عليهم؟ كانت هناك أم فلسطينية وسط الدمار. كل ما أرادته هو العثور على جثة ابنها.
قالت لكل من حولها: "من فضلكم اعثروا عليه. أين هو يا الله؟ أرجوكم ساعدوني في العثور عليه. أريد أن أجمع عظامه. لا أريد أن أتركه هنا. من فضلكم ابحثوا عنه، أتوسل إليكم".
كان مستشفى الشفاء من قبل أكبر مستشفى في الأراضي المحتلة. وكان يلبي 30% من احتياجات غزة. لم يعد الأمر كذلك. وإذا كانت الخطة طوال الوقت تهدف إلى جعل غزة غير صالحة للسكن، فإن تدمير الشفاء كان أمراً لا غنى عنه لهذا المشروع.
كانت تلك مجرد خبر صباحي يوم الاثنين. وكان هناك الكثير ليتبعه.
تجاوز خط أحمر آخر
كما لو كان يريد محو سجل مثل هذه المشاهد المروعة، تعهد نتنياهو بإغلاق المكتب الإقليمي لقناة الجزيرة.
وكان هذا مسماراً آخر في نعش السلام الذي يجري التفاوض عليه. ولم يصل المسؤولون الإسرائيليون حتى الآن إلى حد اتخاذ أي إجراء ضد جوهرة التاج القطري، مع الأخذ في الاعتبار دور قطر في تمويل مشاريع البناء في غزة ودورها في المفاوضات مع الجناح السياسي لحركة حماس، التي تضم قيادتها.
رفضت قناة الجزيرة، التي قُتِلَ العديد من صحفييها عمداً على يد الجيش الإسرائيلي في غزة، الاتهامات بأنها تشكل تهديداً للأمن القومي الإسرائيلي ووصفتها بأنها "كذبة خطيرة ومثيرة للسخرية".
لكن مجرد نقل حقيقة ما يجري في غزة يضر بإسرائيل.
اتهم وزير الاتصالات الإسرائيلي شلومو كارهي قناة الجزيرة بتشجيع الأعمال العدائية ضد إسرائيل. وقال: "من المستحيل التسامح مع وسيلة إعلامية لديها أوراق اعتماد صحفية من المكتب الصحفي الحكومي ولها مكاتب في إسرائيل بينما تعمل من الداخل ضدنا، وبالتأكيد في زمن الحرب".
هذه هي الطريقة التي تتصرف بها الدولة التي يُقال لنا باستمرار إنها تشاركنا قيمنا عندما يحين وقت الشدة. حرية التعبير؟ قل ذلك لشيرين أبو عقلة، وسامر أبو دقة، وحمزة الدحدوح، وعدد لا يُحصَى من الآخرين الذين دفعوا حياتهم ثمناً لعملهم الصحفي.
ثم جاءت الغارة الجوية الإسرائيلية التي دمرت مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، مما أسفر عن مقتل محمد رضا زاهدي، ثاني أكبر قائد في الحرس الثوري الإيراني يموت منذ أمر الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب باغتيال قاسم سليماني.
هذه المرة، أبلغت الولايات المتحدة إيران على عجل بأنها لم تلعب أي دور في الضربة الإسرائيلية، لكن الهجوم يمثل تجاوزاً لخط أحمر آخر في ضرب سفارة أو قنصلية.
وعلى نفس منوال ادعاء أن مستشفى الشفاء ليس مستشفى بل مركز قيادة لحماس، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري، لشبكة CNN الأمريكية: "أكرر، هذه ليست قنصلية وهذه ليست سفارة. هذا مبنى عسكري لقوات القدس في هيئة مدنية في دمشق".
لكن إسرائيل كانت تعرف بالضبط ما فعلته، وما هو الخط الذي كانت تتجاوزه. إنها تريد استفزاز إيران ودفعها إلى الحرب. وبحسب وزارة الخارجية الأمريكية، فإن الهجوم على سفارة ما يعتبر هجوماً على الدولة التي تمثلها.
لكن إسرائيل تعلم أيضاً أنها لن تستخدم نفس المنطق عندما يتعرض كنيس أو مركز يهودي لضربة انتقامية من قبل وكيل إيراني. ولن تتحمل أي مسؤولية عن تعريض حياة اليهود في جميع أنحاء العالم للخطر. ولكن هذا هو بالتأكيد ما تفعله.
"أمرٌ لا مُبرِّر له.. ومُروِّع"
وعندها، عندها فقط، جاءت ثلاث ضربات من المُسيَّرة لتقتل سبعة عمال إغاثة من المطبخ المركزي العالمي، وبينهم ثلاثة بريطانيين.
وكان رد الفعل غاضباً على الصفحات الأولى في صحف بريطانيا، وكندا، وبولندا، وأستراليا (البلدان الأم لعمال الإغاثة القتلى). كما وصل الغضب إلى صحيفة The Sun شديدة التأييد لإسرائيل، والتابعة لمجموعة News UK المملوكة لعائلة مردوخ.
إذ كتبت الصحيفة البريطانية: "كان بطل القوات الخاصة البحرية جون شابمان وضابط مشاة البحرية السابق جيمس هيندرسون يتحركان داخل سيارة تحمل علامةً واضحة، وتابعة لمنظمة المطبخ المركزي العالمي الخيرية، عندما تعرضت قافلتهم للقصف بثلاثة صواريخ أطلقتها مُسيّرة إسرائيلية".
في ما قالت وكالة سند للتحقق، التابعة لشبكة الجزيرة، إن عملية القتل كانت مُتعمَّدة. إذ جرى استهداف ثلاث شاحنات تابعة للمطبخ المركزي العالمي بعد أن أوصلت المجموعة 100 طن من المساعدات الغذائية إلى مستودع في دير البلح.
وأورد التقرير أن "المركبة الثانية تعرّضت للاستهداف على بُعد نحو 800 متر من مكان ضرب المركبة الأولى. بينما تعرضت السيارة الثالثة للاستهداف على بُعد 1.6 كلم من السيارة الثانية، بناءً على موقعها بعد القصف".
وقال المطبخ المركزي العالمي إن قافلته تعرضت للقصف "رغم تنسيق تحركاتها" مع الجيش الإسرائيلي.
فكيف كان هذا الهجوم المتكرر على القافلة مختلفاً عن كافة الهجمات الأخرى التي أصابت قوافل الأونروا، وأسفرت عن مقتل المئات وأشعلت حصار مجمع الشفاء؟
يكمُن الفارق الوحيد في أن عمال الإغاثة القتلى السبعة كانوا بريطانيين، وبولنديين، وأستراليين وكنديين. فضلاً عن أن مؤسس المطبخ هو طاهٍ مشهور.
وقال نيك فيراري، مقدم إذاعة LBC البريطانية: "هذا أمرٌ لا مُبرِّر له… وكل حقائقه مُروِّعة… ونصيحتي من صديق لآخر: يجب أن يتوقف هذا الأمر".
والمؤكد هو أن كافة الضربات الأخرى لقوافل المساعدات لم تكن مبررة. لكن الأمر الوحيد المختلف هذه المرة هو جنسية الأشخاص الذين كانوا موجودين داخل السيارات -وجميعهم من دول تدعم استمرار الحرب.
وكان بإمكان فيراري أن يتوصل إلى استنتاج مفاده أن استهداف إسرائيل لقوافل المساعدات هو أمر لا مُبرّر له منذ اليوم الأول في الحرب، ثم يخرج ليقول ذلك على الهواء كل يوم بعدها. لكن ما الذي منعه؟ سبب ذلك هو أنه وصف نفسه بصديق إسرائيل. وله الحق أن يسأل نفسه الآن عما هو صديق له في الواقع.
فهل هو صديق للفصل العنصري؟ أم صديق للإبادة الجماعية؟ أم صديق للتجويع الجماعي؟ أم صديق للمستوطنين الذين يُضرمون النيران في القرى العربية؟ أم صديق للتعصب الديني؟ أم صديق للعنصرية؟
استياء بايدن المُزيَّف
لكن ليس هناك رد فعلٍ غير ملائم أكثر من الاستياء المزيف الذي صدر عن الرئيس الأمريكي المُسِن وعديم الكفاءة الذي يسعى لإعادة انتخابه.
إذ قال جو بايدن إن حملة قصف رفح، التي يتكدّس فيها 1.5 مليون لاجئ، "ستتجاوز الخط الأحمر". وقال إن الهجوم على قافلة المطبخ المركزي العالمي أظهر أن إسرائيل "لم تفعل ما يكفي لحماية" قوافل المساعدات، وكأن إسرائيل سبق لها أن فعلت أي شيء بخلاف تكديس المساعدات على الحدود وقصف عملية توزيعها باستمرار.
اخفض الصوت، وتجاهل تصريحات القلق الصادرة عن البيت الأبيض ووزارة الخارجية، ثم ركِّز على تصرفات بايدن حصراً.
يمتلك بايدن سلطة وقف كافة أشكال التسليح، بما في ذلك توريد القنابل التي يبلغ وزنها 907 كلغ، أو حتى سلطة فرض قيود صارمة على استخدامها. لكنه لم يفعل أياً من الأمرين.
بينما لم يُظهر أي تردد في فعل ذلك مع أوكرانيا، التي لا يُسمح لها بإطلاق الأسلحة أمريكية الصنع على روسيا. لكن بايدن لم يفرض أي شروط كتلك على إسرائيل.
والعكس هو ما يحدث. فبالتزامن مع تكهّناته العلنية بشأن استبدال نتنياهو، يُفكر بايدن في بيع 50 مقاتلة إف-15 و30 صاروخ جو-جو متوسط المدى من طراز إيه آي إم-120 المتطور لإسرائيل، بالإضافة إلى ذخائر الهجوم المباشر المشترك التي تستطيع تحويل "القنابل الغبية" إلى أسلحة موجهة بدقة وفقاً لما ذكرته مجلة Politico الأمريكية في سبقها الصحفي.
وليست مقاتلات إف-15 الجديدة مخصصة لقصف غزة، بل هي مخصصة للمواجهات الجوية مع إيران ومُسيَّراتها الكثيرة.
فماذا فعل بايدن بخلاف ذلك في الأسبوع الجاري؟ أرسل مستشار أمنه القومي جيك سوليفان للضغط على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من أجل التوقيع على اتفاقية أبراهام.
مزاج الثورة المُعدي
إذا كان بايدن يعتقد بصدق أن التوقيع على قطعة ورق سيكون كافياً لإخماد الثورة التي تغلي في قلوب العرب من عمان إلى الأردن، وسط الفوضى التي خلقتها حرب إسرائيل المستمرة منذ ستة أشهر، فلا شك أنه سيكون واهماً أكثر مما يظنه مراقبو الرئيس المحترفون في كابيتول هيل.
حيث تقف المملكة الأردنية عالقةً بين مطرقةٍ وسندان، وحكومتها عاجزة عن تقرير ما يجب فعله: فهل تواجه المسيرات التي تعصف بعمّان منذ أكثر من أسبوع باعتقال المُنظِّمين والمُتحدِّثين، أم هل تُثني على الاحتجاجات باعتبارها تعبيراً عن المزاج العام؟
وحاول وزير الإعلام الأردني الأسبق سميح المعايطة، أثناء حواره مع قناة الحدث السعودية، أن يوجه أصابع الاتهام إلى الرئيس السابق للمكتب السياسي في حماس خالد مشعل، الذي نجا من محاولة اغتيالٍ في الأردن على يد الموساد.
لكن معايطة يعلم جيداً أن الاحتجاجات أصبحت أكبر من مجرد تعبير عن التضامن مع غزة. إذ إنها استعراضات للقوة بواسطة العشائر، وفيها يتفوق سكان الضفة الشرقية على الفلسطينيين في تحديهم لسلطة الملك.
ويُمكن القول إن مزاج الثورة مُعدٍ كما كان الحال في بداية الربيع العربي. حيث تتردد أصداء مسيرات عمان في تظاهرات المغرب الحاشدة ووقفات النقابات بالقاهرة. ويشعر الطغاة الذين قمعوا الربيع العربي بالقلق، لهذا بدأوا في تقديم الدعم لبعضهم البعض.
ومن الواضح للعيان ما يحدث الآن، وما سيحدث إذا سُمِحَ لإسرائيل بمواصلة الحرب لستة أشهر أخرى.
وليس من السهل الاعتراف بأن حلم العمر المُتمثل في إقامة وطن لليهود داخل الشرق الأوسط يتحول إلى كابوس. لكن هذا هو ما يحدث الآن بالنسبة لكافة داعمي هذا المشروع.
مُترجم عن موقع Middle East Eye البريطاني.
ترجمة وتحرير: نون بوست
بعد مرور ستة أشهر؛ هُدم كامل الصرح الذي سمح للقوات الإسرائيلية بقتل أكثر من 33 ألف فلسطيني وجرح 75 ألف آخرين، وتهجير أكثر من 2.3 مليون نسمة ثم تجويعهم، وهدم شمال غزة، وتفكيك الخدمات الصحية، والإشارة إلى أنها نفس الشيء في رفح خلال الأشهر الستة المقبلة.
ويندفع الزعماء السياسيون الذين صوروا هذه المذبحة على أنها حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، والصحفيون الذين روجوا لقصص رعب خيالية عن الأطفال مقطوعي الرأس والاغتصاب الجماعي في 7 تشرين الأول/أكتوبر، والمحررون الذين يتجاهلون يومًا بعد يوم قصصًا عن قوافل المساعدات التي تستهدفها القوات الإسرائيلية، بحثًا عن غطاء لما حدث.
كل الحجج التي استخدموها لمواصلة هذه المذبحة تنهار بين أيديهم: أن هذه حرب عادلة، وأنه يجب السماح لإسرائيل بإنهاء المهمة، وأن الإجراء المتخذ متناسب، وأن العملية القانونية في محكمة العدل الدولية تعيق محادثات السلام ويمكن تجاهلها، وأن المملكة المتحدة والولايات المتحدة يمكنهما توجيه اللوم لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومواصلة تسليحه في نفس الوقت.
لقد انهدم السد، ولم يعد بإمكان وزير الخارجية اللورد كاميرون أن يلعب لعبة القط والفأر مع رئيسة اللجنة المختارة للشؤون الخارجية أليسيا كيرنز، التي كشفت قبل بضعة أيام أن محامي الحكومة كانوا على علم بأن إسرائيل قد انتهكت القانون الإنساني الدولي.
ووقّع أكثر من 600 محامٍ وأكاديمي وقاضٍ سابق بارز، من بينهم رئيسة المحكمة العليا السابقة ليدي هيل وقاضيتان سابقتان آخرتان في المحكمة، على رسالة تحذر حكومة المملكة المتحدة من أنها تنتهك القانون الدولي من خلال الاستمرار في تسليح إسرائيل.
وتساءل وزير الخارجية السابق السير آلان دنكان كيف يمكن اعتبار إسرائيل حليفة للمملكة المتحدة، ودعا إلى محاسبة مؤيديها الرئيسيين اللورد بولاك واللورد بيكلز وتوم توغندهات على دعمهم لإسرائيل.
وقال لمحطة “إل بي سي” الإذاعية: “أعتقد أن أي شيء يدعم ما يتحول إلى كارثة شاملة في غزة غير مقبول أخلاقيًّا، وما علينا قبوله هو أن الخطأ ليس ما يفعلونه الآن فحسب، بل إن ما تفعله إسرائيل منذ سنوات هو الخطأ لأن القوات الإسرائيلية لا تتبع القانون الدولي”.
وأضاف: “لقد كانت تساعد وتدعم المستوطنين غير الشرعيين في الضفة الغربية الذين يسرقون الأراضي الفلسطينية. في حين أن سرقة الأراضي، وضم فلسطين، هو أصل المشكلة، والذي أدى إلى هجوم حماس والمعارك التي نشهدها”.
اندفاع نحو الحافة
المزاج العام يتغير بالفعل؛ فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة يوجوف أن 56 بالمائة من الناخبين البريطانيين يؤيدون الآن فرض حظر على تصدير الأسلحة وقطع الغيار، بينما يقول 59 بالمائة أن إسرائيل تنتهك حقوق الإنسان في غزة.
وأظهر الاستطلاع دعمًا قويًّا لحظر تصدير الأسلحة بين الناخبين الذين يعتزمون التصويت لحزب العمال في الانتخابات المقبلة؛ حيث أيد 71 بالمائة ممن كانوا يعتزمون التصويت لحزب العمال حظر تصدير الأسلحة مقابل 9 بالمائة رفضوا، في حين أيد ناخبو الديمقراطيين الأحرار الحظر بنسبة 70 بالمائة مقابل 14 بالمائة، والناخبين المحافظين بنسبة 38 بالمائة مقابل 36 بالمائة.
وردًّا على سؤال عما إذا كانت إسرائيل تنتهك حقوق الإنسان، قال ناخبو حزب المحافظين بأغلبية اثنين إلى واحد إن إسرائيل تفعل ذلك، لقد كان دنكان يعبر عن المزاج العام في حزبه.
لقد تم وضع كاميرون في موقف سيء على العلن، وعليه أن يختار؛ فإما أن يعترف بأن الحكومة تنتهك القانون الدولي بالفعل، وأنه من الممكن محاكمتها بهذا الصدد ـ بما في ذلك هو شخصيًا ـ أو أن يوقف تجارة السلاح.
والرسالة ليست من عمل الناشطين المؤيدين للفلسطينيين؛ بل من قبل نخبة المؤسسة القانونية الناطقة، شخصيات مثل قضاة المحكمة العليا السابقين اللورد سومبشن واللورد ويلسون، وقضاة الاستئناف السابقين السير ريتشارد أيكينز، والسير أنتوني هوبر، والسير آلان موسى، والسير ستيفن سيدلي.
وانضم مؤسسو وشركاء شركات المحاماة الكبرى في المملكة المتحدة بالإضافة إلى أساتذة من جامعة أكسفورد وكلية لندن للاقتصاد وكلية كينجز كوليدج في لندن.
ولكن ما الذي دفع الجميع بالضبط إلى حافة الهاوية هذا الأسبوع؟ ما الذي دفع الصحف الشعبية المؤيدة لإسرائيل للانقلاب عليها؟
لقد حدث الكثير يوم الإثنين 1 نيسان/أبريل قبل ذلك الهجوم على قافلة المطبخ المركزي العالمي (WCK)، لكنه لم يجعل أحدًا يحرك ساكنًا.
فقد طلع الصبح بانسحاب القوات الإسرائيلية التي حاصرت مستشفى الشفاء، تاركة المستشفى في حالة خراب وكومة كبيرة من الجثث خلفها، وهنأ الجيش الإسرائيلي نفسه على العملية النموذجية.
وأعلن رئيس الوزراء وقائد القوات الخاصة السابق، نفتالي بينيت، على منصة “إكس”: “إنجاز مذهل في ساحة المعركة، النتائج رائعة: تم إجلاء 6000 مدني من قبل جيش الدفاع الإسرائيلي للحفاظ على سلامتهم. قُتل 200 إرهابي من حماس، وتم القبض على 500 من إرهابيي حماس. * لم يقتل أي مدني *. ولا واحد “.
لكن هذه لم تكن تجربة الدكتورة أمينة الصفدي، التي تم منحها ساعات لنقل المرضى خارج قسمها، وتوفي منهم 16 مريضًا كانوا في العناية المركزة، والتي قالت: “في اليوم الثاني، أجبرونا على نقل جميع المرضى من مكان تواجدنا، قسم العظام في المبنى الرابع، إلى منطقة الاستقبال وأعطونا وقتًا محددًا، مات الكثير منهم، كانوا في العناية المركزة ولم نتمكن من فعل أي شيء لهم”، مضيفة: “قبل ثلاثة أيام أعطونا هذه الأساور؛ وقالوا إنها للقناصة وأي شخص يغادر المبنى بدونهم سيتم استهدافه”.
ولم تكن هذه هي تجربة رفيق، الشاب الهزيل الذي تحول إلى هيكل عظمي بالكاد يستطيع رفع رأسه، والذي قال: “لقد عذبونا هناك، لم يكن هناك طعام أو ماء، وبقينا بدون طعام أو ماء لمدة خمسة أيام، كنا نموت، عشنا في عذاب، ولم تكن هناك ضمادات لجروحنا، ولم يكن هناك طعام، أنا غير قادر على تحمل ذلك بعد الآن”.
لقد انتشلت الجرافات جثث المرضى والأطباء، وحتى الموتى، كانوا جميعًا متشابهين بالنسبة للمحاصِرين الذين تركوا وراءهم أرضًا قاحلة.
وكان من بين القتلى اثنان من أكثر الأطباء احتراما في غزة، الأم والابن؛ حيث تم العثور على أحمد المقادمة، جراح التجميل الفلسطيني في أوائل الثلاثينيات من عمره، ووالدته يسرى المقادمة، طبيبة عامة، إلى جانب جثة ابن عمهما باسم المقادمة، عند الدوار المجاور لمول كارفور في مدينة غزة، على بعد مسافة قصيرة من الشفاء.
هل تم إطلاق النار عليهم من قبل القناصين؟ وكانت أم فلسطينية مدمرة بالكامل، كل ما أرادته هو العثور على جثة ابنها.
خاطبت كل من حولها: “من فضلكم اكتشفوا أين هو، أين يا الله؟ ساعدوني في العثور عليه، أريد أن أجمع عظامه، لا أريد أن أتركه هنا، من فضلكم ابحثوا عنه”.
كان مستشفى الشفاء في يوم من الأيام أكبر مستشفى في الأراضي المحتلة، ويلبي 30 بالمائة من احتياجات غزة، لم يعد كذلك، وإذا كانت الخطة طوال الوقت تهدف إلى جعل غزة غير صالحة للسكن، فإن تدمير الشفاء كان أمرًا لا غنى عنه لهذا المشروع.
كانت تلك فقط أخبار الصباح يوم الإثنين، وكان هناك الكثير مما يتبعها.
خط أحمر آخر تم تجاوزه
تعهد نتنياهو بإغلاق المكتب الإقليمي لقناة الجزيرة، وكما لو أنه كان يريد محو هذا السجل من المشاهد المروعة.
وكان هذا مسمارًا آخر في نعش السلام المتفاوض عليه، فلم يصل المسؤولون الإسرائيليون حتى الآن إلى حد اتخاذ أي إجراء ضد جوهرة التاج القطري، مع الأخذ في الاعتبار دور قطر في تمويل مشاريع البناء في غزة ودورها في المفاوضات مع الجناح السياسي لحركة حماس، التي تستضيف قطر قيادتها.
ورفضت قناة الجزيرة، التي قُتل العديد من صحفييها عمدًا على يد الجيش الإسرائيلي في غزة، الاتهامات بأنها تشكل تهديداً للأمن القومي الإسرائيلي ووصفتها بأنها “كذبة خطيرة ومثيرة للسخرية”.
لكن مجرد نقل حقيقة ما يجري في غزة يضر بإسرائيل.
واتهم وزير الاتصالات شلومو كارهي، قناة الجزيرة بتشجيع الأعمال العدائية ضد إسرائيل، وقال: “من المستحيل التسامح مع وسيلة إعلامية، لديها أوراق اعتماد صحفية من المكتب الصحفي الحكومي ولها مكاتب في إسرائيل، وتعمل من الداخل ضدنا، وبالتأكيد في زمن الحرب”.
هذه هي الطريقة التي تتصرف بها الدولة التي يقال لنا باستمرار أنها تشاركنا قيمنا عندما يحين وقت الشدة، حرية التعبير؟ قل ذلك لشيرين أبو عاقلة، وسامر أبو دقة، وحمزة الدحدوح، وعدد لا يحصى من الآخرين الذين دفعوا حياتهم ثمنا لعملهم الصحفي.
ثم جاءت الغارة الجوية الإسرائيلية التي دمرت مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، مما أسفر عن مقتل محمد رضا زاهدي، ثاني أكبر قائد في الحرس الثوري الإيراني يموت منذ أمر الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب باغتيال قاسم سليماني.
هذه المرة؛ أبلغت الولايات المتحدة إيران على عجل بأنها لم تلعب أي دور في الضربة الإسرائيلية، لكن الهجوم يمثل تجاوزًا لخط أحمر آخر في ضرب سفارة أو قنصلية.
وعلى نفس المنوال الذي ادعى أن مستشفى الشفاء ليس مستشفى بل مركز قيادة لحماس، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري، لشبكة “سي إن إن”: “أكرر، هذه ليست قنصلية وهذه ليست سفارة، هذا مبنى عسكري لفيلق القدس متنكر بزي مدني في دمشق”.
لكن إسرائيل كانت تعرف بالضبط ما فعلته. وما هو الخط الذي كان تعبره، إنها تريد استفزاز إيران ودفعها إلى الحرب، وبحسب وزارة الخارجية الأميركية، فإن الهجوم على سفارة ما يعتبر هجوما على الدولة التي تمثلها.
إسرائيل تعلم أيضًا أنها لن تستخدم نفس المنطق عندما يتعرض كنيس أو مركز يهودي لضربة انتقامية من قبل وكيل إيراني، ولن تتحمل أي مسؤولية عن تعريض حياة اليهود في جميع أنحاء العالم للخطر، ولكن هذا هو بالتأكيد ما تفعله.
“لا يمكن الدفاع عنه… مروع”
وبعد ذلك؛ وعندها فقط، جاءت الضربة الثلاثية بطائرة مسيرة، وأسفرت عن مقتل سبعة من عمال الإغاثة في المطبخ المركزي العالمي، ثلاثة منهم بريطانيون.
وكان رد فعل الصفحات الأولى في بريطانيا وكندا وبولندا وأستراليا (البلدان الأصلية لعمال الإغاثة القتلى) غاضبًا، وحتى صحيفة ذا صن المؤيدة بشدة لإسرائيل، والتي تملكها مجموعة نيوز يو كيه التابعة لعائلة مردوخ، أصيبت بالذهول.
وكتبت: “كان بطل خدمة الإذاعة الخاصة جون تشابمان، وجندي مشاة البحرية جيمس هندرسون، كانا يسافران في سيارة تحمل علامات واضحة، تديرها منظمة المطبخ المركزي العالمي الخيرية، عندما تعرضت القافلة لقصف بثلاثة صواريخ أطلقتها طائرة مسيرة تابعة للجيش الإسرائيلي”.
وقالت وكالة سند للتحقق التابعة لقناة الجزيرة إن عمليات القتل كانت متعمدة، وأنه تم استهداف ثلاث مركبات تابعة للمطبخ المركزي العالمي بعد أن قامت المجموعة بتسليم 100 طن من المساعدات الغذائية إلى مستودع في دير البلح.
وجاء في التقرير أن “المركبة الثانية استهدفت على بعد حوالي 800 متر من مكان إصابة الأولى”.
وأضاف أنه “تم استهداف السيارة الثالثة على بعد حوالي 1.6 كيلومتر من السيارة الثانية بحسب موقعها بعد قصفها”، وقال المطبخ المركزي العالمي إن قافلتهم تعرضت للقصف “على الرغم من تنسيق التحركات” مع الجيش الإسرائيلي.
فكيف يختلف هذا الهجوم المتكرر على القافلة عن كل الهجمات الأخرى على قوافل الأونروا والتي أسفرت عن مئات القتلى والتي أدت إلى حصار الشفاء؟
والفرق الوحيد هو أن سبعة من عمال الإغاثة القتلى كانوا بريطانيين وبولنديين وأستراليين وكنديين، وأن المؤسس كان طاهيًا مشهورًا.
وقال نيك فيراري، مقدم برامج على محطة “إل بي سي” الإذاعية: “هذا أمر لا يمكن الدفاع عنه… كل تفصيلة في الحقيقة مروعة… من صديق إلى آخر، هذا يجب أن يتوقف”.
ولكن من المؤكد أن جميع الضربات الأخرى التي استهدفت قوافل المساعدات لم يكن من الممكن الدفاع عنها، الشيء الوحيد الذي اختلف هذه المرة هو جنسية الأشخاص الذين كانوا في السيارات، وجميعهم من دول تدعم استمرار الحرب.
كان بإمكان فيراري أن يتوصل إلى استنتاج مفاده أن تصرفات إسرائيل في استهداف قوافل المساعدات لا يمكن الدفاع عنها منذ اليوم الأول لهذه الحرب، وأن يقول ذلك على الهواء كل يوم منذ ذلك الحين، ما الذي أوقفه؟ أنه يصف نفسه بأنه صديق لإسرائيل، صديق من؟ ربما يجب أن يسأل نفسه.
صديق للفصل العنصري؟ صديق الإبادة الجماعية؟ صديق للمجاعة الجماعية؟ صديق المستوطنين الذين يشعلون النار في القرى العربية؟ صديق للتعصب الديني؟ صديق للفاشية؟
سخط بايدن المزيف
ولكن لا يمكن لأي رد فعل أن يكون أقل ملاءمة من السخط المزيف الذي يتلفظ به رئيس أمريكي كبير السن يسعى إلى إعادة انتخابه.
وقال جو بايدن إن حملة القصف على رفح، حيث يتجمع 1.5 مليون لاجئ “ستتجاوز الخط الأحمر”، وقال إن الهجوم على قافلة المطبخ المركزي العالمي أظهر أن إسرائيل “لم تفعل ما يكفي لحماية” قوافل المساعدات، كما لو أنها فعلت أي شيء أكثر من مجرد تكديس المساعدات على الحدود وقصف توزيعها باستمرار.
اخفض الصوت، وتجاهل بيانات القلق الصادرة عن البيت الأبيض ووزارة الخارجية، وركز فقط على تصرفات بايدن.
يتمتع بايدن بسلطة وقف جميع الأسلحة، بما في ذلك توريد القنابل التي يبلغ وزنها 2000 رطل، أو في الواقع القدرة على وضع قيود صارمة على استخدامها، لكنه لم يفعل أيًا من ذلك.
ولم يُظهر أي تردد في القيام بذلك مع أوكرانيا، التي لا يُسمح لها بإطلاق أسلحة أمريكية الصنع على روسيا، لكن بايدن لم يضع مثل هذه الشروط على إسرائيل.
بل إن العكس هو ما يحدث، فبينما يتكهن علنًا باستبدال نتنياهو، يفكر في بيع ما يصل إلى 50 مقاتلة جديدة من طراز إف-15 لإسرائيل، و30 صاروخ جو-جو متطور متوسط المدى من طراز أيم-120، بالإضافة إلى مجموعات ذخيرة الهجوم المباشر المشترك، وهي معدات يمكنها تحويل “القنابل الغبية” إلى أسلحة موجهة بدقة، كما ذكرت صحيفة بوليتيكو لأول مرة.
وطائرات إف-15 الجديدة ليست مخصصة لقصف غزة، لكنها مخصصة للمواجهات الجوية مع إيران وطائراتها العديدة بدون طيار.
ماذا فعل بايدن أيضًا هذا الأسبوع؟ أرسل جيك سوليفان، مستشاره للأمن القومي، للضغط على ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للتوقيع على اتفاقيات إبراهيم.
مزاج الثورة المعدي
إذا كان بايدن يعتقد جديًّا وسط الفوضى التي أحدثتها حرب إسرائيل المستمرة منذ ستة أشهر، أن التوقيع على قطعة من الورق سيكون كافياً لوقف الثورة التي تجري في القلوب العربية من عمَّان إلى المغرب، فإنه أكثر وهمًا مما يعتقده مراقبو الرئيس المحترفون في الكابيتول هيل.
تقف المملكة الأردنية على صفيح ساخن، وحكومتها غير قادرة على اتخاذ قرار بشأن ما يجب القيام به: مواجهة المسيرات التي تهز عمان منذ أكثر من أسبوع من خلال اعتقال منظميها والمتحدثين فيها؛ أو الإشادة بالاحتجاجات باعتبارها تعبيرًا عن المزاج الوطني.
وقد حاول وزير الإعلام الأردني الأسبق سميح المعايطة، في حديث لقناة الحدث السعودية، توجيه أصابع الاتهام إلى خالد مشعل، الرئيس السابق للجناح السياسي لحركة حماس، الذي نجا من محاولة اغتيال على يد الموساد في الأردن.
ولكن كما يعلم المعايطة جيدًا، فقد أصبحت الاحتجاجات أكبر بكثير من مجرد تعبير عن التضامن مع غزة، إنها استعراض للقوة من جانب العشائر؛ حيث يتفوق سكان الضفة الشرقية على الفلسطينيين في تحديهم لسلطة الملك.
إن مزاج الثورة معدٍ، تمامًا كما كان في بداية الربيع العربي، وتردد صدى المسيرات في عمان مع المظاهرات الحاشدة في المغرب والنقابات في القاهرة؛ حيث يشعر الطغاة الذين قمعوا الربيع العربي بالقلق، وبدأوا في تقديم الدعم لبعضهم البعض.
إنه من الواضح ما الذي يحدث، وماذا سيحدث إذا سُمح لإسرائيل بمواصلة هذه الحرب لمدة ستة أشهر أخرى.
يتطلب الأمر الكثير للاعتراف بأن حلم العمر المتمثل في وطن لليهود في الشرق الأوسط يتحول إلى كابوس، ولكن بالنسبة لجميع أولئك الذين يدعمون هذا المشروع، فإن هذا هو ما يحدث.
المصدر: ميدل إيست آي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق