بصوت عربيّ واحد.. لا أبرياء في غزّة!
لم يكن موقف النظام الإقليمي العربيّ من حرب الإبادة الجماعية في غزّة موقفًا انتظاريًّا، يترقب من موقع سلبيّ قضاء "إسرائيل" على حركة حماس، بوصفها صيغة من صيغ ما يسمى بـ "الإسلام السياسي"، وتعبيرًا من تعبيرات المقاومة في الأمّة، وعنصر تثوير وإحياء للقضية الفلسطينية، بما تمثله هذه القضية من إزعاج لهذا النظام لكونها أهمّ فاعل تسييس وتنوير لجماهير الأمة، وإنّما كان موقفه إيجابيًّا وفاعلاً، ولكن إلى جانب الإسرائيلي.
سبعة شهور من حرب الإبادة، ولم يكن من هذا النظام الإقليمي العربي، أدنى خطوة تجاه الفلسطينيين في غزّة، ولو لحفظ ماء الوجه، فمفهوم "حفظ ماء الوجه" تجاه الناس بات خلفه، لأنّ مراعاة مشاعر الناس تتناقض مع مفاهيم المرحلة الجديدة التي دخلها النظام العربي، والتي من سماتها إلغاء السياسة تمامًا من التداول في المجال العامّ، ولو على مستوى أحاديث المقاهي، وكسح أيّ محاولة للنظر إلى الأشياء بغير عيني السلطة السياسية، فمن انتهى به الأمر للتخندق الكامل المعلن في الصفّ الإسرائيلي، سوف يلغي تمامًا أيّ اعتبار للناس، وهو ما يعني إلغاء الناس من حيث كونهم كائنات حرّة، تتمتع بالإرادة المختارة، والعقل المميّز للأشياء. الناس الجدد في المرحلة الجديدة بلا إرادة ولا عقل، وإنما كائنات غريزية فحسب، وهو أمر ظاهر في التصورات "الإصلاحية" لبعض السلطات العربية التي تفتقت رؤاها على إعادة صياغة مجتمعها في قاعات الحفلات الغنائية، فالحرية تبدأ هنا وتنتهي هنا لأنها لا تخرج من هنا!
لم يكن الأمر عجزًا عن اتخاذ خطوة "حفظ ماء الوجه" ولم يكن امتناعًا لأنه لم يعد للناس اعتبار كرامة وحرية وإرادة فحسب، بل تواطؤ معلن، سارعت فيه بعض الدول لتشغيل إعلامها وقنواتها الفضائية وصحفها وأسطول لجانها الإلكترونية المعروف بـ "الذباب الإلكتروني" إمّا لشتم الشعب الفلسطيني، أو لتبرئة الاحتلال ضمنيًّا أو صراحة واتهام حماس بالتسبب بالإبادة التي لم يزل الاحتلال يقترفها من العام 1948 وإلى اليوم ولم تبدأ مع السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.
وبقطع النظر عن الامتناع المهين، أو العجز المخزي، عن إدخال المساعدات لأهل غزة برًّا إلا بإذن القاتل ووفق شروطه وبعد تفتيشه، فإنّ الأمر لم يتوقف على مدّ الاحتلال بجسر برّي ينجده من نتائج عمليات جماعة "أنصار الله" اليمنية في بحر العرب، بل تبلور في تواطؤ كامل لإنجاز الأهداف السياسية لحرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية، ثم أخذ شكلاً أكثر وضوحًا مع التنسيق الإعلامي والاستخباراتي الذي وصل حدّ توزيع "سكريبت" واحد على المؤسسات الإعلامية التابعة للتحالف العربي المتذيل للحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين في غزة، بالإلحاح المفرط هذه المرّة على تحميل حماس المسؤولية والتبشير بهزيمتها وتبرئة العدوّ، والعودة للدعاية التقليدية لاتهام حماس بكونها عنصرًا في خطة إخوانية مرّة أو إيرانية مرّة أخرى لزعزعة استقرار هذا البلد العربيّ أو ذاك، وذلك بعدما أعلنت أوساط إسرائيلية صراحة عن خطة إعلامية منسقة مع بعض الدول العربية لتبييض صورة "إسرائيل" لدى شعوب تلك الدول!
التدمير الكامل والممنهج لقطاع غزة، ومقتل عشرات الآلاف، وأضعافهم من الجرحى والجوعى والنازحين، لم يحرك شعرة في هذا النظام الإقليمي. لكن خروج مظاهرات مناصرة للفلسطينيين في بلد عربيّ يصيب النظام الإقليمي العربي بالجنون، وكأن صاعقة كهربائية جرت في عروقه، وهكذا بدأت ماكينة التنسيق الإعلامي فيه تشتغل بدأب على تشويه الجماهير، وتعيد إنتاج الدعاية الزائفة عن قدرات خارقة لحركة حماس التي من جهة يبشرون بهزيمتها ومن جهة يصورونها في قدرات أسطورية قادرة على تحريك الجماهير بخطابات قادتها، وكذلك عن قدرات الإخوان، تلك الجماعة المسحوقة المفككة المبعثرة الموادعة، هكذا يعيدون هذه الجماعة إلى الحياة ويصورون عشرات آلاف المتظاهرين خاتمًا في إصباعها!
يمكن تفنيد هذه الدعاية ببساطة، فلو سلّم المرء بها جدلاً، فذلك يعني إمّا أن تلك الأطراف المتهمة بتحريك الجماهير أقرب للجماهير من حكامها، أو أصدق في الدفاع عن الفلسطينيين، أو أنّ الموقف الرسمي العربي في عمومه، هو جزء من الآلة الحربية الإسرائيلية على غزة، ولذلك فهو يعدّ الهتاف ضدّ "إسرائيل" هتافًا ضدّه. لكن الانشغال في تفنيد ذلك ليس مهمًّا، لأنّنا لسنا إزاء محاججة عقلانية، ولا إزاء من ينتصح إن نُصح!
وإنما المهم أنّنا إزاء مغالطة مكشوفة مؤداها ومفادها أنّه لا بأس بإبادة الفلسطينيين في غزّة، سواء للموقف المعادي لحماس كونها حركة إسلامية، أو لنزعة الضيق والضجر من القضية الفلسطينية والرغبة في التخلص منها، أو لأن هذا النظام الإقليمي عاجز، أو لأنه ملحق بالسياسة الإسرائيلية. كلّ ذلك ليس مهمًّا. المهم أنّه لا بأس بتدمير غزة بأهلها إن كان هذا ثمن تدمير حماس أو ثمن التخلص من القضية الفلسطينية، وهو منطق بنيامين نتنياهو تمامًا، الذي يفترض حينًا أنه أصلاً لا أبرياء في غزة، أو يقرّر أنّه لا طريقة للتخلص من حماس إلا بإبادة الناس!
لا يوجد شيء يفسر نزول إبادة الفلسطينيين بردًا وسلامًا على قلب النظام الإقليمي العربي، بينما ينتفض جزعًا من مظاهرات مناصرة للفلسطينيين في غزّة وجاءت متأخرة جدًّا في هذا البلد العربي أو ذاك، إلا ما سبق ذكره في الفقرة السابقة..
يشفق النظام العربي على الجهاز السمعي للسفير الإسرائيلي من ضجيج المظاهرات، ويعدّ ذلك مسًّا بالأمن القومي العربي، فكيف توقع بعض مساكين الناس أنّ هذه الدول التي تحتضن سفارات إسرائيلية وتسجن أو تطرد أيّ مناصر لحماس أن تطرد السفير الإسرائيلي؟! في المقابل ينبغي أن تحضر الصورة الأخرى، وهي أنّه لا شيء يزعج في حرب الإبادة في غزة!
سبعة شهور من حرب الإبادة، ولم يكن من هذا النظام الإقليمي العربي، أدنى خطوة تجاه الفلسطينيين في غزّة، ولو لحفظ ماء الوجه، فمفهوم "حفظ ماء الوجه" تجاه الناس بات خلفه، لأنّ مراعاة مشاعر الناس تتناقض مع مفاهيم المرحلة الجديدة التي دخلها النظام العربي، والتي من سماتها إلغاء السياسة تمامًا من التداول في المجال العامّ، ولو على مستوى أحاديث المقاهي، وكسح أيّ محاولة للنظر إلى الأشياء بغير عيني السلطة السياسية، فمن انتهى به الأمر للتخندق الكامل المعلن في الصفّ الإسرائيلي، سوف يلغي تمامًا أيّ اعتبار للناس، وهو ما يعني إلغاء الناس من حيث كونهم كائنات حرّة، تتمتع بالإرادة المختارة، والعقل المميّز للأشياء. الناس الجدد في المرحلة الجديدة بلا إرادة ولا عقل، وإنما كائنات غريزية فحسب، وهو أمر ظاهر في التصورات "الإصلاحية" لبعض السلطات العربية التي تفتقت رؤاها على إعادة صياغة مجتمعها في قاعات الحفلات الغنائية، فالحرية تبدأ هنا وتنتهي هنا لأنها لا تخرج من هنا!
لم يكن الأمر عجزًا عن اتخاذ خطوة "حفظ ماء الوجه" ولم يكن امتناعًا لأنه لم يعد للناس اعتبار كرامة وحرية وإرادة فحسب، بل تواطؤ معلن، سارعت فيه بعض الدول لتشغيل إعلامها وقنواتها الفضائية وصحفها وأسطول لجانها الإلكترونية المعروف بـ "الذباب الإلكتروني" إمّا لشتم الشعب الفلسطيني، أو لتبرئة الاحتلال ضمنيًّا أو صراحة واتهام حماس بالتسبب بالإبادة التي لم يزل الاحتلال يقترفها من العام 1948 وإلى اليوم ولم تبدأ مع السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.
وبقطع النظر عن الامتناع المهين، أو العجز المخزي، عن إدخال المساعدات لأهل غزة برًّا إلا بإذن القاتل ووفق شروطه وبعد تفتيشه، فإنّ الأمر لم يتوقف على مدّ الاحتلال بجسر برّي ينجده من نتائج عمليات جماعة "أنصار الله" اليمنية في بحر العرب، بل تبلور في تواطؤ كامل لإنجاز الأهداف السياسية لحرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية، ثم أخذ شكلاً أكثر وضوحًا مع التنسيق الإعلامي والاستخباراتي الذي وصل حدّ توزيع "سكريبت" واحد على المؤسسات الإعلامية التابعة للتحالف العربي المتذيل للحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين في غزة، بالإلحاح المفرط هذه المرّة على تحميل حماس المسؤولية والتبشير بهزيمتها وتبرئة العدوّ، والعودة للدعاية التقليدية لاتهام حماس بكونها عنصرًا في خطة إخوانية مرّة أو إيرانية مرّة أخرى لزعزعة استقرار هذا البلد العربيّ أو ذاك، وذلك بعدما أعلنت أوساط إسرائيلية صراحة عن خطة إعلامية منسقة مع بعض الدول العربية لتبييض صورة "إسرائيل" لدى شعوب تلك الدول!
التدمير الكامل والممنهج لقطاع غزة، ومقتل عشرات الآلاف، وأضعافهم من الجرحى والجوعى والنازحين، لم يحرك شعرة في هذا النظام الإقليمي. لكن خروج مظاهرات مناصرة للفلسطينيين في بلد عربيّ يصيب النظام الإقليمي العربي بالجنون، وكأن صاعقة كهربائية جرت في عروقه، وهكذا بدأت ماكينة التنسيق الإعلامي فيه تشتغل بدأب على تشويه الجماهير، وتعيد إنتاج الدعاية الزائفة عن قدرات خارقة لحركة حماس التي من جهة يبشرون بهزيمتها ومن جهة يصورونها في قدرات أسطورية قادرة على تحريك الجماهير بخطابات قادتها، وكذلك عن قدرات الإخوان، تلك الجماعة المسحوقة المفككة المبعثرة الموادعة، هكذا يعيدون هذه الجماعة إلى الحياة ويصورون عشرات آلاف المتظاهرين خاتمًا في إصباعها!
يمكن تفنيد هذه الدعاية ببساطة، فلو سلّم المرء بها جدلاً، فذلك يعني إمّا أن تلك الأطراف المتهمة بتحريك الجماهير أقرب للجماهير من حكامها، أو أصدق في الدفاع عن الفلسطينيين، أو أنّ الموقف الرسمي العربي في عمومه، هو جزء من الآلة الحربية الإسرائيلية على غزة، ولذلك فهو يعدّ الهتاف ضدّ "إسرائيل" هتافًا ضدّه. لكن الانشغال في تفنيد ذلك ليس مهمًّا، لأنّنا لسنا إزاء محاججة عقلانية، ولا إزاء من ينتصح إن نُصح!
وإنما المهم أنّنا إزاء مغالطة مكشوفة مؤداها ومفادها أنّه لا بأس بإبادة الفلسطينيين في غزّة، سواء للموقف المعادي لحماس كونها حركة إسلامية، أو لنزعة الضيق والضجر من القضية الفلسطينية والرغبة في التخلص منها، أو لأن هذا النظام الإقليمي عاجز، أو لأنه ملحق بالسياسة الإسرائيلية. كلّ ذلك ليس مهمًّا. المهم أنّه لا بأس بتدمير غزة بأهلها إن كان هذا ثمن تدمير حماس أو ثمن التخلص من القضية الفلسطينية، وهو منطق بنيامين نتنياهو تمامًا، الذي يفترض حينًا أنه أصلاً لا أبرياء في غزة، أو يقرّر أنّه لا طريقة للتخلص من حماس إلا بإبادة الناس!
لا يوجد شيء يفسر نزول إبادة الفلسطينيين بردًا وسلامًا على قلب النظام الإقليمي العربي، بينما ينتفض جزعًا من مظاهرات مناصرة للفلسطينيين في غزّة وجاءت متأخرة جدًّا في هذا البلد العربي أو ذاك، إلا ما سبق ذكره في الفقرة السابقة..
يشفق النظام العربي على الجهاز السمعي للسفير الإسرائيلي من ضجيج المظاهرات، ويعدّ ذلك مسًّا بالأمن القومي العربي، فكيف توقع بعض مساكين الناس أنّ هذه الدول التي تحتضن سفارات إسرائيلية وتسجن أو تطرد أيّ مناصر لحماس أن تطرد السفير الإسرائيلي؟! في المقابل ينبغي أن تحضر الصورة الأخرى، وهي أنّه لا شيء يزعج في حرب الإبادة في غزة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق