ربيع الكلمات
النمل... والعمل الجماعي
«الموهبة تجعلك تفوز بالألعاب، ولكن العمل الجماعي يجعلنا نحصد البطولات»
مايكل جوردان
العمل الجماعي أكثر فاعلية من الفردي، والأعمال الناجحة الكبيرة عادة ما يكون خلفها فريق عمل متكامل، والأهداف الكبيرة كذلك لن تتحقق بجهد فردي، خصوصاً مع تشعب الحياة في العصر الحديث، والتي تحتم علينا أن نتخلى عن العقلية الفردية لصالح العمل ضمن فريق، والعمل الجماعي مفهوم علمي له أسس وقواعد تدرس في أعرق الجامعات وتطبق في العديد من الشركات الكبرى عابرة القارات، وهو يختصر المسافات، حيث يعتمد على التعاون بين الأفراد لتحقيق هدف ومصلحة مشتركة، وإلى تحسين الأداء، وتعزيز الإبداع، وتحقيق الأهداف بفعالية وكفاءة.
ويقول أبو الإدارة الحديثة بيتر دراكر: «المهمة الأساسية للإدارة هي جعل البشر قادرين على العمل الجماعي، ساعين إلى تحقيق أهداف مشتركة، ومتمسكين بقيم مشتركة في إطار سليم».
وعندما يتعاون الجميع فهذا يساعد على تحقيق الأهداف المشتركة والمهام بسرعة وجودة أكبر من العمل الفردي، ويعزز العلاقات الاجتماعية بين الفريق الواحد، كذلك تطوير المهارات الفردية حيث يتيح للأفراد تعلم مهارات جديدة من خلال التفاعل مع زملائهم، ويعتمد العمل الجماعي على التفاهم والاحترام المتبادل بين أعضاء الفريق لضمان سير العمل بسلاسة.
ويقول هنري فورد: «نكون معاً، هذه هي البداية، والبقاء معاً هو التقدم، والعمل معاً هو النجاح».
ولعل هناك العديد من الأبحاث التي تتحدث عن العمل الجماعي لدى النمل، من حيث العمل المنظم والدؤوب، وبناء السدود للحماية من المياه، وتخزين القوت في زمن الصيف لزمن الشتاء، والبذور أو الطعام التي يخاف النمل عليها أن تنبت يقسمها قسمين، وإذا خاف من عفن الحبوب نشر الحبوب على الأرض وفرشها، وبيوت النمل مقسمة إلى أماكن للتخزين والنوم، ويقال إن النمل ينظف نفسه وفي اليوم أكثر من مرة، في عمل جماعي رهيب، حتى أن القرآن الكريم خلد ذكرهم، قال تعالى في سورة النمل: «وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ».
إنها صرخة ونداء التحذير لقومها مع أنها صغيرة في حجمها وجسمها لكنها أدت الواجب وبادرت إلى الفعل، وهذا من صميم العمل كفريق في منظومة العمل الجماعي. إن هذه النملة وبهذه المبادرة الكبيرة، قد عرضت نفسها للخطر، خطر أن تسحقها أقدام الإنس، مع أن الموقف هنا يتطلب الفرار، ولكنها قد وقفت تنادي النمل وتحاول إنقاذها وهذه تضحية، وقدمت مصلحةَ أمتها على مصلحتها الشخصية.
ونلاحظ أن هذه النملة لم تكتف بالتحذير فقط ولكن قدمت الحل لهذه المشكلة الكبيرة فقالت «ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ»، ورأت النملة أنه الحل الأمثل ولأن الفرار والتخبط على سطح الأرض يجعل من النجاة صعوبة أمام هذه الجحافل العسكرية القادمة، فاجتهدت وقدمت الحل بطريقة عملية، ويقال في عالم النمل إنها مضحية، حيث إنها عندما تريد أن تقطع حاجزاً مائياً تتشابك أيديها كالجسر، ويسير بقية النمل فوقها، والمجموعة الأخيرة التي شبكت أياديها تذهب مع المياه، تضحي بنفسها لأجل قومها.
ويقول العلماء عن هذه النملة: ما أعقلها من نملة وما أفصحها، استخدمت معظم أساليب اللغة العربية والفصاحة، فقالت: «يَا»، وهنا نادت، «أَيُّهَا» نبّهت، «ادْخُلُوا» أمرت، «مساكنكم» نصت، «لَا يَحْطِمَنَّكُمْ»: نهت، «سُلَيْمَانُ»: خصّت، «وَجُنُودُهُ»: عمّت، «وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ»: اعذرت، فتكلمت بمعظم أنواع الخطاب في هذه النصيحة القصيرة المختصرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق