محاولات فاشلة للالتفاف على مقاومة غزة
الجدل المحتدم حول ما يتردد حول خطة عربية لغزة يؤكد أن الشعوب هذه المرة لن تتسامح مع أي غدر أو خيانة رسمية للقضية الفلسطينية. فبعد حرب الإبادة التي استمرت عاما وأربعة شهور وانتهت بانتصار حماس وهزيمة الاحتلال لم يعد ممكنا بأي صورة من الصور تمرير المطالب التي فشل الإسرائيليون في تحقيقها بمؤتمرات حتى ولو جاءت باسم جامعة الدول العربية.
الذي أثار القلق وأشعل الغضب، ما يوحي بأن النوايا المبيتة تدور حول تنفيذ الأجندة الصهيونية والضغط على الجانب الفلسطيني وليس الإسرائيلي؛ فقد طالب الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط بتنحي حماس عن إدارة غزة، وأيدها أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات، وسفير الامارات في واشنطن يوسف العتيبة الذي أيد خطة ترامب، كما ظهرت بعض التصريحات والمقالات في دول عربية أخرى تدور حول ذات الفكرة.
منذ بداية الحرب كانت المواقف العربية الرسمية في مجملها متحالفة مع الإسرائيليين ضد حماس، وقد فضح قادة الاحتلال ما كان يقال لهم في السر بعيدا عن الإعلام، وأحيانا كان بعض المسؤولين يتورطون بلا خجل بإدانة حماس ويهاجمون طوفان الأقصى، ولهذا لم تعد التصريحات المتباكية على غزة تحظى بالتصديق، لأنها كانت مجرد كلام في الهواء بدون أفعال على الأرض.
بعد انتخاب ترامب وتصريحاته العنترية لم يجد من يعيد له صوابه ولو بالكلام، فلم يجرؤ الحكام العرب على الرد الصريح بالرفض والاستنكار وتركوا لوزراء الخارجية المهمة؛ مما جرأ الرئيس الأمريكي أكثر وأكثر، فطلب من مصر والأردن ودول عربية أخرى أن تتحمل هي مسؤولية تفريغ غزة وتسليمها خالية من الفلسطينيين، وتوعد المنطقة كلها بالجحيم والويل والثبور وكأنه رب الكون!
ليس أمام الدول العربية خيار غير دعم غزة
منذ حرب الخليج في التسعينيات لم تعد الجامعة العربية قادرة على اتخاذ مواقف تعبر عن الأمة العربية، في ظل التبعية للهيمنة الغربية، وإذا كان الأمين العام للجامعة هو الذي يطالب بتنحي حماس، فما هو المنتظر منه بعد ذلك؟ وما كان له أن يدلي بهذا التصريح الذي يرضي نتنياهو وترامب إلا بعد التشاور مع الدول العربية الرئيسية، وهو مؤشر على أن خطتهم ستكون لتنفيذ خطة ترامب وليست بديلة لها كما يزعمون.
الخطة التي يطرحها ترامب خيالية وغير ممكنة، وهو لا يستطيع تنفيذها، وقد رأينا كيف ابتلع لسانه وظهر عجزه عندما رفضت حماس تهديده، وتجاهلت المهلة التي أعلنها للإفراج عن كل الرهائن الإسرائيليين وتبخر تهديده بالجحيم المزعوم، وقد أوقفت حماس الصفقة وتعاملت بندية مع الإسرائيليين وضغطت عليهم لتنفيذ شروطها لاستكمال المرحلة الأولى.
خطة ترامب مستحيلة التحقق، لأنه لا يستطيع إنزال الجيش الأمريكي في غزة وإلا سيقتلون مثل الإسرائيلين وستكون مقبرة لهم، بل إن الأمريكيين غير مستعدين للقتال والدخول في حرب جديدة منذ انكسارهم العسكري في العراق وطردهم من أفغانستان، وحتى إن قرر ترامب الحرب، وهذا ضد قناعاته المعلنة، فماذا سيفعل أكثر مما فعله الاحتلال بالأسلحة والقنابل الأمريكية؟
إذا كانت كل خطط الاحتلال منذ بداية الحرب قد فشلت، وخطط ترامب لا يمكن تحقيقها فماذا يمكن أن تحققه خطة عربية لا تنصر المظلوم على الظالم؟
هل تستطيع الدول العربية فرض إدارة لحكم غزة واستبعاد حماس؟
هل تستطيع الجامعة العربية إرسال الجيوش العربية لاحتلال غزة لتمكين الإدارة العميلة؟
هل ستعمل القوات التي يرسلها العرب على نزع سلاح حماس تحت قيادة الجيش الإسرائيلي؟
بأي وجه يستطيع أي حاكم عربي أن يقف أمام شعبه ليدافع عن مثل هذه الخطط المستحيلة؟
حماس قطعت الطريق على الخيانة
المشاهد التي تخرج من غزة كافية لردع كل من تسول له نفسه أن يلعب لصالح الاحتلال، فاستعراض القوة الذي تظهره حماس كل يوم سبت وهي تطلق الرهائن وسط الحشود والجماهير رسالة في أكثر من اتجاه، فهي تأكيد لفشل الاحتلال وداعمية، ولتثبيت المهزوزين والمنهزمين، ولردع من يفكرون في استئناف الحرب.
وفي تصريحات واضحة وقاطعة أكد القيادي بحماس أسامة حمدان، في المنتدى الذي نظمته شبكة الجزيرة، أن اليوم التالي للحرب في غزة سيكون فلسطينيا، وقال، ردا على ما يشاع عن خطة عربية لنزع سلاح حماس مقابل الإعمار، إن “من يحل محل إسرائيل سنتعامل معه كإسرائيل، ومن يريد أن يشتغل بالوكالة عن إسرائيل يتحمل تبعات أنه وكيل لإسرائيل”.
ولقطع الطريق على أي تفكير لتبني المطالب الإسرائيلية قال أسامة حمدان: “موضوع سلاح المقاومة، وقادة المقاومة، والعلاقة مع الداعمين للمقاومة هذا كله خارج النقاش ولا نقبل أن يحدثنا فيه أحد”.
بالتأكيد لن يستطيع أي ملك أو رئيس عربي الإعلان عن وقوفه ضد حماس، فلا يوجد عاقل يجاهر بأي موقف ضد مقاومة غزة وإلا سيضع نفسه أمام عواصف لا يرى نهايتها، فالشعوب اليوم حارسة لغزة وهي متربصة ومستنفرة، فحرب الإبادة غيرت اتجاهات الرأي العام الذي لا يمكن خداعه.
طوفان الأقصى غير التوازنات بالمنطقة، ومحاولة نتنياهو وترامب ابتلاع غزة والضفة أوالعودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر 2023 مصيرها الفشل. فالردع الضائع لن يعود مرة أخرى، وليس أمام الاحتلال إلا الرضوخ والاستسلام والقبول بنتيجة الحرب، والتعايش مع الفلسطينيين واحترام حقهم في الحياة بكرامة، ونسيان الأحلام التوسعية.
وإذا أصر الإسرائيليون على الغطرسة والاستمرار في العداوة؛ فلن ينفعهم ترامب أو غيره من الأصدقاء أو الوكلاء؛ فالقادم مرحلة جديدة، وتغييرات استراتيجية كبرى تجب ما قبلها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق