الثلاثاء، 25 فبراير 2025

مواقف غير مطمئنة قبل القمة العربية

 مواقف غير مطمئنة قبل القمة العربية



مطالب نتنياهو من العرب بنزع سلاح المقاومة وتفكيك بنية المقاتلين واستبعاد حماس من إدارة القطاع تثير القلق قبل القمة العربية، التي ستنعقد في الرابع من مارس/آذار القادم بالقاهرة، والتي ستعلن عن المقترحات العربية لمستقبل غزة بعد انتهاء الحرب، خاصة أنه حتى الآن لم يصدر رد عربي قاطع على تطرف ترامب وجنون نتنياهو.

غياب الموقف العربي الواضح في مساندة القضية الفلسطينية هو الذي يجعل قادة الكيان الصهيوني يستمرون في غطرستهم، ولا يلتزمون بتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار ويطرحون مطالب خيالية، ويطمعون في أن ينفذ العرب خطة إزاحة حماس التي فشل الاحتلال في تنفيذها على مدار عام ونصف من حرب الإبادة والتدمير والمناورات الخائبة.

قدمت حماس تنازلات لمساعدة الوسطاء، وتوصلت إلى تفاهمات مع مصر وقطر حول “لجنة الإسناد المجتمعي” التي تمثل كل الفصائل في غزة للإشراف على ملف الإغاثة والإعمار، وكان من المقرر طرح هذه الخطة في القمة العربية التي دعت إليها القاهرة في27  فبراير/شباط الجاري قبل تأجيلها لعقد اللقاء التشاوري في الرياض حول نفس الموضوع!

الموقف العربي الجماعي سلبي

لم يعد مقبولا الحديث عن رفض التهجير دون رفض التصور الإسرائيلي عن اليوم التالي لغزة بعد الحرب، فأي حديث عن تنحي حماس وخروجها عن المشهد يصب لصالح نتنياهو ولا يعبر عن الحكمة والعقلانية والواقعية، فمصاص الدماء لا تردعه سياسة الهروب من أمامه والتفاني في تمرير خطته بصيغ خادعة.

إذا كانت القمة العربية لم تنعقد، وإذا كان القادة العرب لم يجلسوا ليتناقشوا ويوافقوا على تفاصيل خطة غزة؛ فلماذا يسارع الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط والأمين العام المساعد للجامعة حسام زكي إلى إظهار تبنيهم للخطة الإسرائيلية؟ فهل يريدان قطع الطريق على قمة القاهرة القادمة أم أن الخطة العربية المتفق عليها هي الخطة التي وضعها نتنياهو؟!

يقول أحمد أبو الغيط: “على حماس أن تنكر الذات.. إذا كانت الرؤية الدولية والمصلحة الفلسطينية أن تتنحى حماس عن التواجد في السلطة بهذا الشكل الواضح والظاهر فليكن”.

ماذا يقصد بـ”الرؤية الدولية” التي لا تريد حماس في غزة غير نتنياهو وترامب؟ وهل هو متحدث باسم الرؤية الدولية؟ ثم من هم الفلسطينيون الذين حددوا المصلحة الفلسطينية التي يتحدث عنها؟

نفس المعنى صرح به حسام زكي الذي قال إن “المصلحة الفلسطينية تقتضي خروج حماس من المشهد” وألمح إلى وجود مناقشات عن خروج قادة المقاومة الفلسطينية من القطاع، ورغم ذلك يزعم أن “الهدف من القمة هو صياغة موقف عربي صلب ومتماسك تجاه القضية الفلسطينية”، ولا نفهم هذا الموقف الصلب مع من وضد من؟!

إذا كان رأي المتحدثين باسم الجامعة العربية على هذا النحو الانهزامي فلماذا لا يضغط نتنياهو وترامب على العرب لتحقيق ما فشلا في تنفيذه بالحرب؟

أي خطة لا تقبلها حماس ستفشل

اليوم أصبحت الشعوب العربية على اقتناع تام بأن حماس هي خط الدفاع الأول عن الأمة أمام المشروع التوسعي الإسرائيلي المدعوم أمريكيا، لكن هناك حكومات تورطت في مستنقع التطبيع ولا تريد أن تتوب، ورغم كل ما جرى تصر على الاستمرار في تنفيذ الأجندة الصهيونية، وتحاول عرقلة أي جهد عربي جماعي لصالح القضية الفلسطينية.

قد تحاول بعض الدول استغلال ورقة الإغاثة والإعمار لتمرير خطط نتنياهو، لكن مكرهم مصيره مثل كل الخطط الإسرائيلية التي فشلت، لأن غزة منتصرة وحماس لا تمثل نفسها وإنما الشعب الفلسطيني كله في غزة وفي الضفة أيضا، ولا يمكن لأي خطة أن تنجح إلا إذا وافقت حماس عليها، فلا حكم لغزة بعيدا عن حماس، ولا قوة عسكرية تستطيع دخول غزة لنزع سلاح حماس.

حاول نتنياهو حكم غزة وفشل وحاول فرض إدارة عميلة بمساندة سلطة رام الله لحكم غزة وفشل، وأخيرا جاء ترامب بخطته الخيالية وطرح فكرة إخلاء غزة من سكانها ولن يستطيع، فلو كان الأمريكيون يستطيعون ذلك لفعلوا، لكن صمود غزة هو التحدي الصعب الذي لا يمكنهم تجاهله ولا يستطيعون تجاوزه.

يراهن نتنياهو وترامب على التخويف والإرهاب لدفع الدول العربية للقيام بمهمة السيطرة على غزة، لكن هذه الأمنيات أضغاث أحلام، فلا يوجد عاقل في العالم العربي يتعاطف مع الإسرائيليين والأمريكيين بعد كل ما فعلوه بالفلسطينيين، ولن يحارب جيش عربي من أجل الإسرائيليين، ولم يعد ممكنا التآمر بالسر، لأن مرحلة المؤامرات انتهت مع اشتعال الحرب وفرقعات الصواريخ وانفجار القنابل، فالصراع الآن على المكشوف؛ إما أن تكون مع الإسرائيليين وإما أن تكون مع الحق الفلسطيني، ولا حلول وسط بينهما.

رسائل غزة رادعة

لم يترك الفلسطينيون أي ثغرة يستغلها نتنياهو والإدارة الأمريكية، وكانت رسائل الردع واضحة في مشاهد تسليم الرهائن الإسرائيليين في المرحلة الأولى، فقد حرصت حماس وفصائل المقاومة على تقديم رسائل عسكرية لا تخطئها العيون، للتأكيد على أن الرهانات على استسلام غزة مجرد أوهام، وأن المقاومة مستعدة لكل السيناريوهات.

تعمدت حماس استعراض قوتها وأظهرت شعبيتها وسط الحشود الفلسطينية التي لا تقل شجاعة وصمودا عن المقاتلين، وهي الصور التي كانت تنقلها الفضائيات الإسرائيلية والأمريكية وليس فقط قنوات الجزيرة؛ مما غير الكثير من الصور الذهنية التي حاول الإسرائيليون ترويجها بل أثبت الفلسطينيون أنهم بجانب بسالتهم في القتال فإنهم أكثر إنسانية وتحضرا من الاحتلال المجرم، وفضحوا الإدارة الأمريكية السابقة والحالية بمعايير القيم الحضارية والإنسانية.

رسائل غزة ليست رادعة للإسرائيليين فقط، وإنما لكل المتحالفين معهم، خاصة لهؤلاء المطبعين في العالم العربي الذين لم يعد أمامهم الكثير، ومن يجرؤ منهم على مواصلة التآمر على غزة عليه أن يتحمل تبعات تخاذله وخيانته.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق