الأحد، 16 فبراير 2025

ما قل ودل: حالة الاغتراب والضياع التي تعيشها الأمة العربية

ما قل ودل: حالة الاغتراب والضياع التي تعيشها الأمة العربية 




المستشار شفيق إمام

وكما كشف ترامب عن الوجه الآخر القبيح لأميركا، وهو عنوان لمقالين سابقين لي نُشرا على صفحات «الجريدة» الغراء، فقد كشف ترامب كذلك عن حالة الاغتراب، التي تعيشها الأمة العربية، في الوطن العربي، عندما قرر فجأة، وبلا مقدمات، مع تابعه (قفه) نتنياهو، إعادة رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط، وتمزيق أوصال الأمة العربية، لضمان أمن دولة الاحتلال إسرائيل، وكانت سورية خطوة في مسلسل هذه الخريطة الجديدة، في الدعم الذي قدَّمته أميركا لهيئة تحرير الشام، في الخلاص من حاكم مستبد، وقد كان هذا هو الظاهر، لنا جميعاً، وربما كان كذلك لهيئة تحرير الشام ذاتها في ظني الذي يغلب عليه حُسن النوايا، ولكن كان في باطنه تقسيم سورية إلى دويلات، واحتلال جيش إسرائيل لجبل الشيخ وغيره، والسيطرة على نهر اليرموك، الذي يمد الأردن بمياهه، تزيد من الضغط على الأردن، لقبول خطة الشيطان الأكبر ترامب بتهجير الفلسطينيين إلى الأردن، وكانت الأمم المتحدة قد خرجت إلى حيز الوجود بصفة رسمية في أكتوبر 1945 والذي يقوم ميثاقها، من بين ما يقوم عليه من أهداف، على هدفين رئيسيين، حفظ السلم والأمن الدولي، وإنماء العلاقات الدولية بين الأمم على أساس حق تقرير المصير والمساواة بين الشعوب. 


إلا أن ترامب جاء لينتهك ميثاق الأمم المتحدة، وليفرض سيادة أميركا على كل دول العالم، بموجب ما أسماه السُّلطة الأميركية التي تخول الحق له بموجب هذه السلطة في الاستيلاء على غزة، وليلغي مبدأ سيادة الدول وحق تقرير المصير والمساواة بين الشعوب بقوة السلاح، وسط تأييد من اليمين المتطرف في أميركا. 

فلا غرو أن يخرج من الدولة العميقة في أميركا حاكم لأميركا، مثل ترامب، بهذا الصلف والتعالي والاستهتار بشعوب العالم كله، بحُكم ترسانته العسكرية العظمى، ليضم كندا وغرينلاند، ويمارس سيطرته واستبداده على كل شعوب العالم. 

الاغتراب أو الضياع العربي 

وقد رأى في الأمة العربية حالة من الضياع والاغتراب كشفت عنها حرب غزة، ليعلن أمام نظر العالم وسمعه أن الضفة الغربية هي مصدر قلق أمني لإسرائيل، وأنه قد آن الأوان لاستيلاء إسرائيل عليها، وأن غزة يجب أن يتم إعمارها باعتبارها من ممتلكات أميركا. 

فالأمة العربية، بامتدادها من قارة آسيا إلى شمال قارة إفريقيا، لتشمل المشرق العربي والخليج العربي وشبه الجزيرة العربية ووادي النيل والمغرب العربي، هذه الأمة أصبحت تعيش حالة اغتراب من نوع جديد ليس الاغتراب في الفلسفة الألمانية عند هيغل وفيورباخ ومصدره عندهما ديني وليس الاغتراب الاجتماعي والسياسي عند ماركس، فالاغتراب العربي اغتراب من نوع خاص، اغتراب سياسي عن النظم الديموقراطية التي تعيشها الأمم المتحضرة، واغتراب ديني، بين جماعات إرهابية تمارس الإرهاب باسم الدين، وهي بعيدة كل البُعد عن جوهر الدين الإسلامي الذي تعتنقه الغالبية العظمى من مواطني هذه الشعوب، وهو العدل والحرية والإخاء والمساواة والشورى الملزمة للحكام في مسماها الحديث (الديموقراطية). 

هو اغتراب قديم وحديث، في خضوعه للاستعمار القديم، ثم لاستعمار جديد، اقتصادي وثقافي، حتى بعد ثوراتها التحررية الوطنية، وإعلان استقلالها، والذي أصبح ديكوراً يزدان به جبين حكومات هذه الشعوب، وزخرفاً تتباهى به هذه الحكومات، وهي خاضعة لهذا الاستعمار الاقتصادي الجديد، من خلال أدواته الكثيرة، المساعدات الأميركية u.said وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، واحتكار النظام الاستعماري الإمبريالي لثرواتها الطبيعية في تنمية شعوبه، وفي تخلف شعوب الوطن العربي في ظل ثقافة جديدة يغرسها هذا الاستعمار في وجدان هذه الشعوب العربية، باعتبارها مظهراً من مظاهر التقدُّم الحضاري، ليخضع الوطن العربي خضوعاً كاملاً لهذا الاستعمار، بتعاليه العنصري، واحتلاله الثقافي، وسحقه للشخصية العربية الحضارية والإسلامية، وإنسانيتها من جميع الوجوه. 

الذات الفلسطينية 

ولكن الذات الفلسطينية كانت من الصلابة والقوة التي صمدت ضد الاغتراب، فلم ينجح الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين في محو الشخصية الفلسطينية، وقد عاش الفلسطينيون ثلاثة أرباع قرن من الزمن تحت سطوة هذا الاحتلال، يتجرعون خلالها أبشع صنوف العذاب والقهر والقمع والأسر والقتل كل يوم على أيدي الآلة العسكرية الإسرائيلية، كما لم ينجح في اقتلاع هذا الشعب من جذور أرضه التي يرويها كل يوم بالدم، وقد رواها خلال الخمسة عشر شهراً الماضية بدماء خمسين ألفاً من شهدائه من أطفال ونساء وشيوخ ورجال ومقاومة باسلة تعيش في الخنادق، لتتنفس من تحتها رياح الوطنية والكرامة الإنسانية، فأصبحت الأرض عند هذا الشعب أغلى من كل كنوز الدنيا، وقد أضنت هذا الشعب الوعود الدولية في أوسلو وغيرها، في ظل سُلطة سياسية ممثلة في منظمة التحرير الفلسطينية، وهي منظمة تتلقى تمويلها من فتات الرسوم التي تفرضها سُلطة الاحتلال على الأرض المحتلة، فإسرائيل صاحبة السيادة على هذه الأرض، بالقوة العسكرية التي تملكها، وبالدعم الاستعماري العالمي والمادي والأدبي، والذي كشف عنه طوفان الأقصى بعد هذه الحرب الوحشية على غزة، والتي امتدت إلى رفح والضفة، فأيقظت هذه الحرب وهذا الطوفان شعوب العالم كافة على القضية الفلسطينية وعلى شعب مقهور تمارس عليه سُلطة الاحتلال أبشع أنواع القمع والإرهاب والتشريد، بل والقتل. 

وأصبحت المنظمة آلة بيد سُلطة الاحتلال، في حالة اغتراب عن الواقع الفلسطيني المؤلم، والذي اهتزت له ضمائر شعوب العالم كلها وخرجت المظاهرات في كل أنحائه تندد بهذه الحرب، وعندما خرجت في الضفة مظاهرة واحدة، أطلقت عليها السلطة الفلسطينية النار، وأختتم هذا المقال بكلمة للمنظمة على لسان كل فلسطيني، 

ما قاله الشاعر ابن الرومي: 

تخذتكُمُ دِرعاً وتُرساً لتدفعوا

نِبَاَل العدا عنِّي فكنتُمْ نصالَها

وقد كنتُ أرجو منكُم خيرَ ناصرٍ

على حينِ خذلان اليمين شِمالَها

فإنْ أنتُمُ لم تحفظوا لمودّتي

ذِماماً فكونوا لا عليها ولا لَها


وللحديث بقية إن كان في العُمر بقية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق