الارتباك الاقليمي ومكر التاريخ
د. خليل العناني
جزء من الارتباك الحاصل حاليا في المشهد الاقليمي هو موقع الإسلاميين في المعادلة ومواقف الدول العربية منهم.
فحتى وقت قريب كان الإسلاميون بمثابة العدو المشترك الذي يجمع الأنظمة السلطوية بالمنطقة مع الكيان والادارة الاميركية، وذلك في اطار الحرب المتهافتة والمفتعلة على الارهاب والتي استفاد منها واعتاش عليها أمراء الحرب من لوبيات السلاح والسياسيين المتحالفين معهم شرقا وغربا (تكلفة الحرب على الارهاب أمريكيا وصلت حوالي 5.5 تريليون دولار خلال عقدين).
وقد نجح هذا التحالف الثلاثي في اجهاض مساعي وحلم الديمقراطية بالمنطقة عقب الربيع العربي.
الان تراجعت بشكل واضح أهمية هذه المعركة خاصة بعد الضربات التي تلقاها التيار الاسلامي في اكثر من بلد سواء عبر القمع والقتل والتشريد (مصر وتونس والسعودية والامارات) او عبر المشاركة المحدودة والتدجين (الأردن والكويت والجزائر والمغرب) او عبر اشغالهم بحروب ونزاعات أهلية (اليمن وليبيا والسودان)
بل الأكثر من ذلك وصلنا إلى نقطة يتم فيها حاليا التعايش مع (ولو مؤقتا) ومحاولة دمج (وربما لاحقا تدجين)، التيار الاسلامي في سوريا عبر أحمد الشرع وهو القادم من أقصى يمين التيار الاسلامي.
كل هذا يحدث مع ضربات وتراجع لإيران وحلفاءها في المنطقة (ولو مؤقتا)
فما الذي يحدث؟
بدأت التشققات والاختلافات تظهر في محور “الممانعة الصهيوني” الذي يرفض الديمقراطية والحرية وكل شئ يتعلق بكرامة المواطن العربي وسقطت ذرائعه حول (خطر الإسلاميين) و(الخطر الإيراني) بعد تراجع كلا الخطرين كما أسلفنا. اصبحت السعودية اكثر براجماتية وأخذت مسافة من حليفيها في محور الثورة المضادة (الامارات ومصر) وتراجعت ولو نسبيا عن القمع الشامل للإسلاميين بل وتحالفت معهم في اليمن وسوريا وصححت العلاقة مع ايران وتركيا وقطر (حلقاء الإسلاميين).
ومصر وجدت نفسها وجها لوجه مع تحولات إقليمية ودولية متسارعة أحدثها (الطوفان) فارتبكت وتخبطت ووقعت في حسابات خاطئة عديدة كان اهمها وأفظعها التواطؤ في المشروع الصهيوني للإبادة انطلاقا من نفس الحسابات القديمة الخاصة بمحاربة الاسلام السياسي الذي كان بالفعل قد ضعف وتراجع خطره بشكل كبير.
وأصبحت الان حرفيا في مواجهة اثنين من أهم حلفاءها (الكيان وأميركا) اللذين يضغطان بكل قوة لتنفيذ مخطط التهجير عبر الاهانة (حديث نتنـ ـياهو الاخير عن السيسي في فوكس نيوز) والتهديد والابتزاز من ترامب (بقطع المساعدات الاميركية ما لم تقبل بالتهجير) والان النظام المصري في موقف حرج ومأزق شديد خاصة بعد أن ورطها ملك الأردن وألقى بالكرة في ملعبها كي تبحث عن مخرج.
والان يقف النظام عاريا أمام حلفاءه الاهم رغم الخدمات الجليلة التي قدمها لهم ولا يزال.
فلو رفض التهجير كليا قد يُعاقب، ولو قبل قد يضع نفسه في مواجهة المجهول داخليا.
لذلك يحاول حاليا النفخ في إناء الوطنية الزائفة لشحذ الجمهور خلفه لمواجهة، وللمفارقة، حليفيه الأقرب (ترامب ونتنـ ـياهو) وذلك بعد ان فرغ وسقط إناء المواجهة مع الإسلاميين وفقد مبرراته.
أما إقليميا اضطر النظام مجبرا ومكرها أن يقبل بالتغيرات الاخيرة في سوريا وبالتحول السعودي تجاه القيادة الجديدة هناك، وقريبا سوف يُستقبل أحمد الشرع في القاهرة ويُرحب به في القمة المرتقبة وسوف يُنادى بالسيد الرئيس.
والأردن اضطر للعودة إلى لعبته القديمة مع الإسلاميين عبر الدمج المحدود بهدف امتصاص الغضب الشعبي من موقف الـنظام من الابادة والتماهي مع المشروع الصهيوني ضد المشروع الإيراني. والان ايضا يقف النظام عاريا أمام حليفيه الاهم قاطبة وهما (الكيان وأميركا) وهو محشور في الزوايا تماما كنظام السيسي، وهو ما وضح في المؤتمر الصحفي لملك الأردن مع ترامب.
كما أنه ايضا مضطر للتعامل مع القيادة الجديدة في سورية والقبول بها ولو مؤقتا وقريبا سوف يرحب بها ويثني عليها سواء في عمّان أو دمشق.
اما ذيل الافعى (الامارات) فلا تزال غارقة في غيها وضلالها القديم مرتمية في أحضان المشروع والحلم الصهيوني الكبير، وسوف تصحو منه قريبا حين ينقلب عليها كما انقلب على صاحبيها في مصر والاردن.
وهذا هو مكر التاريخ ولا يحيق المكر السئ إلا بأهله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق