خواطر صعلوك
الشخصية الشكسبيرية ... ادخل برجلك اليمنى!
قرأت ذات يوم أنه لا تكاد تخلو أي مسرحية من مسرحيات شكسبير من القتل والموت أبداً... تصور حتى أن مسرحية عاطفية مثل «روميو وجوليت» كلها حب وحنان ورومانسية و8 قتلى أيضاً...! بما فيهم العاشقان.
بل إنه في مسرحية ريتشارد الثالث، وبمجرد أن تفتح الستارة نجد 20 قتيلاً...! أحدهم طفل والسيف في قلبه وهو يقول «أماه... لقد قتلني»...! حتى «هاملت» التي كان من المفترض فيها أن يقتل البطل عمه، قاتل أبيه وينتهي كل شيء... بدلاً من ذلك يعيش قلَقاً وتردداً جعله يقتل أكثر من 8 أشخاص ويموت هو أيضاً.
أهلا بك عزيزي القارئ في مقال الشخصية الشكسبيرية، وادخل برجلك اليمنى!
الأديب البريطاني وليام شكسبير، يُعتبر عمدة الأدب الإنكليزي، وبرنس، ليالي لندن، ورمانة ميزان ستراتفورد وما قدمته باسم الإنكليز للعالم من أدب.
وعندما يُطلقون على شخص ما أنه «شخصية شكسبيرية»، يشيرون إلى شخصية مركبة ومتعددة الأبعاد تعيش تجارب مختلفة وتتعامل مع الصراعات والمشاعر المتناقضة، شخصيات بطلة تكون شبه كاملة ومثالية، ولكنها تعاني من علة «داخلية» تدفعها لارتكاب حماقات وأخطاء مأسوية تؤدي إلى نهايتها الحتمية، شخصيات تجمع بين العظمة والعلة الداخلية التي تقودها إلى الهلاك، نابليون بونابرت، جمع بين الطموح الجامح والرغبة في الهيمنة، فكانت مأساته بعد أن سيطر على أوروبا، غزواته المتهورة (مثل حملة روسيا 1812) إلى انهيار إمبراطوريته ونفيه إلى جزيرة سانت هيلينا، وريتشارد نيكسون، والتي كانت علته جنون العظمة والرغبة في التحكم، فكانت مأساته فضيحة ووترغيت التي دفعتْه إلى الاستقالة من الرئاسة، مُحطماً سمعته إلى الأبد.
كليوباترا في (مصر القديمة) والتي كان الذكاء السياسي الممزوج بالرغبة في البقاء... علتها، وتمثلت مأساتها في انتحارها بعد هزيمة أنطونيوس، أمام أوكتافيوس، كرمز لانتهاء عصر البطالمة، أما إمبراطور المغول الهندي زجهانكير، فقد كانت علته الضعف أمام تأثير زوجته نور جهان، ومأساته أنه فقد السيطرة على الحكم، وانتهى به الأمر سجيناً في قصره.
ويبدو لي عزيزي القارئ -والله وأعلم- أن الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب، من هذا النوع، والذي سوف تنتهي حياته بمأساة بسبب حماقات وأخطاء وعلل نفسية وأخلاقية كثيرة، فدونالد ترامب، هو المأساة الكوميدية التي لم يكتبها شكسبير (ولكنها تستحق المشاهدة مع النفيش)
إذا كان شكسبير، يعيش بيننا اليوم، لَأسرع بكتابة مسرحية بعنوان «طوفان الهيكل»، بطلُها رجلٌ برتقالي البشرة، خفيف الشعر يصرخ في الهواء كالممسوس، ويُقاتل طواحين الهواء الإعلامية بسيفه، بينما جوقة منصة (×) تُنشد خلفه «المجد لترامب! المجد للغرور الذي لا يُرى إلا عبر الفلاتر!»
العلة الداخلية لهذا الرجل هي الغطرسة التي تتفوق على ماكبث، والتفاهة التي تُنافس عقد الصفقات أثناء تناول وجبة سريعة.
ترامب هو الشخصية الشكسبيرية المثالية لعصرنا، فهو يجمع بين كل «العلل» المطلوبة:
- جنون العظمة: يرى نفسه «أعظم رئيس» منذ جورج واشنطن! وهو الوحيد الذي يُصدق تغريداته.
- التردد الانتقائي: يتخذ قراراتٍ مصيرية (مثل غزو عزة، وكندا وغرينلاند وبنما وتوزيع لاجئين) بسرعة البرق، لكنه يتردد في الاعتراف بخسارة انتخابات سابقة حتى الكلاب في البيت الأبيض تعرف نتيجتها.
- الرغبة في الانتقام: يحمل ضغينة أعمق من هاملت، فعدوه ليس مجرد عم قاتل، بل كل من ينطق بكلمة «الأونروا» أو «المحكمة الجنائية الدولية»!
مثل كل أبطال شكسبير، يسير ترامب نحو نهايته المُحتّمة بخطى ثقيلة وطائشة، حيث سيتحول إلى «ميمز» يُذكر العالم بأن الغرور مرض لا يُعالج إلا بالبلوك.
وسيكون خطابه الأخير أمام المرآة (المُفضلة لديه) ليخاطب انعكاسه «أكون أو لا أكون... رئيساً؟ هذا هو السؤال!».
وننهي هذا المقال بسؤال، لماذا يستحق ترامب جائزة «أفضل ممثل في دور البطل التراجيكوميدي»؟ لأنه الوحيد الذي حوّل السياسة إلى مسلسل «رياليتي»، فكل تصريحاته تنتهى بجملة «المزيد من الدراما بعد الفاصل!»، وكل خصومه وأصدقائه يُصبحون شخصيات ثانوية في مسرحيته، حتى لو كانوا رؤساء دول، وشعبه منقسم بين مَن يصفق لـ«عبقريته» ومَن يتساءل: «هل نطحته ناطحات السحاب التي يملكها؟».
وجه الشبة بين نتنياهو ودونالد ترامب، هو أن كليهما شخصيات شكسبيرية، وعللهما النفسية هي التي ستقودهما للمأساة، ليس بأيدينا بل باختياراتهما، وهذا استشراف مستقبلي أطلقه لكم أيها القراء الكرام...
وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق