“جنازة الإسلام” .. بين الوهم والحقيقة
د. عزالدين الكومي
في الجزائر وفي عام 1930 أقامت فرنسا حفلًا بعنوان “جنازة الإسلام” تحييها فتيات جزائريات تجردن من هويتهن الإسلامية ؛ عرَّابها القس لاكوست ، وبعد رفع الستار على المسرح رأوا الفتيات الجزائريات يخرجن وهن يلبسن الحجاب !! ، وعندها قال لاكوست مقولته الشهيرة :
“وماذا أفعل إذا كان القرآن أقوى من فرنسا” .
هذه الحادثة على بساطتها تبين لنا بجلاء تأثير الإسلام على هوية الشعوب ومنها بالطبع الشعب الجزائري في مواجهة الاستعمار الغربي.
فقد قام الفرنسيون في هذه المحاولة الاستعراضية بجعل مجموعة من الفتيات يرتدين ملابس غربية للدلالة على فرنجة المجتمع الجزائري ، ولكن المفاجأة الصادمة لهذا القس الحاقد وغيره هي خروج الفتيات بالحجاب ، وهو رمز عميق للتمسك بالدين والهوية.
هذه الحادثة على بساطتها تبين لنا بجلاء تأثير الإسلام على هوية الشعوب ومنها بالطبع الشعب الجزائري في مواجهة الاستعمار الغربي.
فقد قام الفرنسيون في هذه المحاولة الاستعراضية بجعل مجموعة من الفتيات يرتدين ملابس غربية للدلالة على فرنجة المجتمع الجزائري ، ولكن المفاجأة الصادمة لهذا القس الحاقد وغيره هي خروج الفتيات بالحجاب ، وهو رمز عميق للتمسك بالدين والهوية.
وقد كانت مقولة القس لاكوست “وماذا أفعل إذا كان القرآن أقوى من فرنسا؟” عاكسة للعجز التام أمام القوة الروحية والثقافية الإسلامية للمجتمع الجزائري.
نفس الشيء حدث في تركيا في سنة 1923 .
فقد قررت أوربا أن تقيم حفلًا لانتصارها على الإسلام وسقوط الخلافة الإسلامية ، حيث عقدت مسابقة لاختيار ملكة جمال أوروبا في العاصمة أنقرة ، وكان من ضمن المتسابقات فتاة تركية تدعي “كريمان خالص” كممثلة لتركيا العلمانية، وقد استعرضت مفاتنها بلباس البحر على خشبة المسرح..!
وعندها قال رئيس لجنة التحكيم في المسابقة معلقًا : “أيها السادة أعضاء اللجنة : إن أوروبا كلها تحتفل اليوم بانتصار النصرانية ! ، لقد انتهى الإسلام الذي ظل يسيطر على العالم منذ 1400 سنة ، إنّ (كريمان خالص) ملكة جمال تركيا تمثل أمامنا المرأة المسلمة ، ها هي حفيدة المرأة المسلمة المحافظة تخرج الآن أمامنا (بالمايوه) ! ، ولابد لنا من الاعتراف أن هذه الفتاة هي تاج انتصارنا ، لم تنس أوروبا عندما انزعج السلطان العثماني “سليمان القانوني” من فن الرقص الذي ظهر في فرنسا فتدخل لإيقافه خشية أن يسري في بلاده ، ها هي حفيدة السلطان تقف بيننا ولا ترتدي غير (المايوه) ، وتطلب منا أن نُعجب بها ، ونحن نعلن لها بالتالي : أننا أُعجبنا بها ، مع كل تمنياتنا بأن يكون مستقبل الفتيات المسلمات يسير حسب ما نريد ، فلتُرفع الأقداح تكريمًا لانتصار أوربا”.
فهذه الحادثة وحادثة جنازة السلام تعد جزءًا من الأساليب الاستعمارية الخبيثة التي تهدف إلى تغيير هوية الشعوب من خلال تحطيم ثقافتها وتقاليدها، وهي إحدى الطرق التي اعتمدتها القوى الاستعمارية عبر التاريخ .
فالاستعمار الآن لا يقتصر على الاحتلال العسكري فقط ، بل يشمل مجالات عِدَّة ، منها الاستعمار الثقافي الذي يسعى من خلاله لتدمير الهوية الوطنية والدينية للشعوب من خلال فرض ثقافة وسلوكيات جديدة تتناقض مع ثقافتهم الأصلية.
ولا شك أنّ ما شهدته الجزائر خلال الحقبة الاستعمارية من خطط وأساليب فيما عرف ب”الفرنسة” لتحويل الشعب الجزائري إلى شعب منزوع الهوية يمكن التحكم فيه!
كما استخدم الاستعمار الفرنسي العديد من الأساليب الخبيثة والمتنوعة لطمس هوية الشعب الجزائري للسيطرة عليه، وتدمير الروح الوطنية وتعزيز الهيمنة الفرنسية.
لقد مارس الاستعمار الفرنسي أبشع أنواع التنكيل والقتل في حق الشعب الجزائري المسلم ، كانت حصيلتها أكثر من مليون شهيد طيلة قرن وربع .
وتحتفظ فرنسا بـ 18 ألف جمجمة في متحف “الإنسان”، منها 500 فقط تم التعرف على هويات أصحابها، وفق وسائل إعلام فرنسية ، ومن هذه الأساليب :
1- فرض النظام التعليمي الفرنسي بهدف محو التعليم العربي والإسلامي واستبداله بنظام تعليمي يروج للثقافة واللغة الفرنسية.
كما تمّ فرض التعليم باللغة الفرنسية في المدارس، مما جعل من الصعب على الأجيال الجديدة الاحتفاظ بلغتهم وثقافتهم.
كما قامت السلطات الاستعمارية الفرنسية بإغلاق المدارس الدينية الإسلامية ومنعت تعليم الدين الإسلامي واللغة العربية، وفرضت التعليم بالفرنسية الذي يركز على القيم الغربية.
2. محاربة الدين الإسلامي
من خلال التضييق على المساجد ومراقبتها وتقييد نشاطاتها، وفرض رقابة على الأئمة والخطباء ومنعهم من الخطب التي تحث على الوحدة الوطنية أو مقاومة المستعمر ، فضلاً عن محاربة الفقهاء والعلماء والقيام بسجن العديد منهم أو نفيهم خارج البلاد.
كما حرصت فرنسا الاستعمارية فور احتلالها الجزائر في 5 يوليو 1830 على نشر الجهل وسط الشعب الجزائري الذي كان معظمه متعلماً، فعملت على نشر الأمية بمحاربة المساجد والكتاتيب واغتيال المشايخ ومعلمي القرآن أو تهجيرهم، باعتبار أن المؤسسات الدينية كانت هي أساس النظام التعليمي بالجزائر التي كانت العربية لغتها الرسمية والعامية.
3. التدمير الاقتصادي والاجتماعي
فقد حرص الاستعمار على نهب الموارد الطبيعية ومنع الشعب من الاستفادة من هذه الموارد ووضع قيود على التجارة واحتكار الإنتاج الزراعي من قبل المستوطنين الفرنسيين.
كما خلقوا نظامًا طبقيًا يهدف إلى تهميش الجزائريين في كل جوانب الحياة الاجتماعية.
4. التلاعب بالهوية الثقافية
من خلال تحريف التاريخ وإعادة كتابة التاريخ الجزائري لقلب الحقائق واعتبار أن الاستعمار الفرنسي هو “المنقذ” الذي جلب “المدنية” للجزائر !! ، مع إجبار الجزائريين على استخدام اللغة الفرنسية في الحياة اليومية والعمل والتعليم.
كما أعلنت فرنسا أن الجزائر جزءًا لا يتجزأ من فرنسا واعتبارها مقاطعة فرنسية.
5- استعمال العنف والقسوة لإخضاع الجزائريين :
فقد ارتكبت فرنسا عددًا من المجازر بحق الشعب الجزائري ، وكانت أكبر وأبشع مجزرة ترتكبها فرنسا في يوم واحد هي ما حدثت في 8 مايو 1945 ، حيث خرج مئات الآلاف من الجزائريين للاحتفال بنهاية الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945)، ولمطالبة فرنسا بالوفاء بوعدها بمنحهم الاستقلال ، لكن قوات الاستعمار استخدمت الرصاص الحي فقتلت 45 ألفا من المتظاهرين العزل ، في جريمة تصنف كإبادة جماعية وجريمة ضد الإنسانية !! .
وهناك كذلك جريمة نهر السين في 17 أكتوبر 1957 ، حيث خرج حوالي 60 ألف جزائري في فرنسا للتظاهر ضد استعمار بلدهم ، فواجهت السلطات الفرنسية المحتجين بالرصاص الحي وألقت الكثير منهم في نهر السين ، وبلغت الحصيلة 1500 قتيل ، و 800 مفقود، إضافة إلى آلاف المعتقلين.
كما أجرت فرنسا أكثر من 17 تجربة نووية تحت وفوق الصحراء الجزائرية بين العامين 1960 و1966 !! .
وقد تسببت التجارب النووية بمقتل 42 ألف جزائري وإحداث عاهات مستديمة بسبب الإشعاعات النووية.
وما زالت الجزائر تطالب فرنسا بتسليمها خرائط دفن النفايات النووية الخاصة بهذه التجارب لكن فرنسا لازالت تماطل ولم تستجب لطلب الجزائر .
ولكن الشعب الجزائري المسلم الحرّ الأبي لم يرضخ ولم يستسلم ، بل قام وانتفض ضد الاستعمار الفرنسي البغيض، وظل يقاوم حتى انتزع استقلاله وأنهى الحقبة الاستعمارية البغيضة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق