الثلاثاء، 6 مايو 2025

كيس طحين يا مصر!

 كيس طحين يا مصر!

يوسف الدموكي

صحفي، وطالب بقسم التلفزيون والسينما في كلية الإعلام بجامعة مرمرة


لا ينادي الغزيون العالم، ولا العرب، ولا المسلمين، ينادون مصر؛ فما يجاوز مسامع المصريين أحرى أن لا يصل إلى من خلفهم، وذلك ليس لقصور في صوت غزّة ولا نداء أهلها، وإنما لعورة في المسامع، وعار في الهمم، وعور في الأبصار والبصائر، وليس المنادَى بعاجز عن التلبية، ولا دافعا لضريبة باهظة مقابلها، وإنما هو النظام والسلطة، لو تلبَّس بلباس الرئيس الأسبق حسني مبارك وقرّر فتح المعبر على مصراعيه ليغيث الناس ويدخل الأطعمة والمياه ويستخدم في ذلك ورقة الشارع لاستطاع، ولو أراد أن يتلبَّس نفسه في حروب سابقة فيجد أنّ المعبر مسألة بديهية وهو مالكها، وبإمكانه إيصال ما يريد من مساعدات من خلاله، لفعل، وبالتأكيد، لن أذكر التلبّس بموقف الرئيس الأسبق محمد مرسي، لأن الهوّة في مجرّد التصوّر هائلة، أكبر من أن يتحمّلها مقال، وأبعد من أن يقرأها عاقل.

الفعل ليس مكلفًا، الفعل بدهي، الفعل مسألة سيادية بحتة بلا تدخّل، الفعل لا يحتاج أيّ شيء بالفعل، سوى أن ترسل الطعام من البداية، ولو متأخّرًا بخمسمئة يوم، وآه لو دخل منذ اليوم الأوّل! تخيّل كم كان سيدخر أهل غزّة، وكم كانوا سيقون أنفسهم شرور المجاعة، التي دارت عليهم فصولها، فأصيبوا بثلاث نوبات مجاعة وجفاف خلال الحرب، والجار يتفرّج، والشعبان المتجاوران يبكيان دمًا، واحد لأنه يمدّ يده ولا يحصل على شيء، وواحد لأنه يمدّ بالعون يده ولا يصل منها شيء، أما المسافة بينهما فهي مثلث برمودا على الحدود المصرية الفلسطينية، حيث القرار السيادي المنتهك، والإرادة السياسية المُغتصبة، والحديث المائع بلا لون ولا طعم ولا رائحة، وقد تعفّنت الشاحنات مئة مرّة بما تحمل، وقد تبدّل محتواها ألف مرّة بلا جدوى، ورمت "إسرائيل" كرة اختبار بفرصة خيالية حين ادَّعت أمام المحكمة الدولية أنّ مصر المسؤولة عن إدخال الطعام، فما كان من النظام إلا أن ردّ بتصريح مجهَّل عبر هيئة الاستعلامات، كأنه يرد على شكوى أحد المواطنين من تأخّر قطار السكة الحديد.

نحو 600 يوم وغزّة تنادي من دون ملل، وبالتأكيد هي تُصاب بما هو أفظع من الملل بكثير؛ تُصاب بالموت، والهلاك، والإغماء...

كيس طحين يا مصر، لا أكثر، كيس طحين لكلّ غزي، يأكل منه 3 أشهر من دون فاقة، لا يحتاج إلى أكثر من 2500 شاحنة، على مدار 5 أيام، بحسب اتفاق كان يسمح بمرور 600 شاحنة يوميًا، سنجعل 500 منها للطحين فقط، وحرفيًا سيوزّع كيس طحين بوزن 50 كيلوغرامًا على مليوني إنسان في غزّة! بهذه البساطة؟ للأسف، وأبسط من ذلك بكثير، لكنها مسألة الكرامة، تتوفّر فيك فقط، ثم لن تعدم الوسيلة في إرسال ما يتوجّب إرساله، بدلًا من العدم الذي يجده منك الجار الجائع وبطنك متخم بالذل.

نحو 600 يوم وغزّة تنادي دون ملل، بالتأكيد هي تُصاب بما هو أفظع من الملل بكثير، تُصاب بالموت، والهلاك، والإغماء كلّ ثلاث دقائق، والنظام الذي يحرس البوابة، من قبل احتلال فيلادلفيا بشهور، وهو يتذرّع بألف حجة، ثم حين احتلّ فيلادلفيا، بات الاحتلال هو الحجّة، غاضًا الطرف عن أنّ احتلال ذلك المحور يخل باتفاقية "السلام" اللعينة أصلا! لكن ذلك ليس المهم، المهم أنه لن يكسر حصار أهل غزّة، بشقّ موقف، ولن يكسر جوعهم، بشقّ تمرة، ولن يكسر عاره وخذله وخزيه، في شقّ يوم، بشقّ كرامة!

لا شيء سوى العار ينتظر، ولا شيء سينبئه بما جهل سوى الأيام، وإن غدًا لناظره قريب، قريب، قريب!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق