الثلاثاء، 6 مايو 2025

العرب أمام الكابينيت: احتراف العجز

 العرب أمام الكابينيت: احتراف العجز

وائل قنديل

يعلن رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، أنّه قرّر احتلال قطاع غزّة كما لو كان يعلن القيام برحلة صيد أو نزهة في حديقة مجاورة، من دون أن يكون وارداً في حساباته احتمال صدور ردّات فعل عربية، فردية أو جماعية، وكأنّه استقرّ في اليقين الصهيوني أنّ العالم العربي لا يغادر مقاعد المتفرّجين على ما يدور في المنطقة بين الاحتلال ومحور المقاومة الذي يختزله في إيران.

بعد الإعلان عن احتلال القطاع مباشرة، سئل المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، على هامش زيارة ملك الأردن عبد الله الثاني، الجارية إلى واشنطن، عن موقف أميركا من هذه الخطوة، وهل سبق هذا الإعلان تنسيق بينهما، فقال إنّ إسرائيل دولة ذات سيادة وتتّخذ قراراتها بنفسها والرئيس ترامب يدعمها.

الفعل الإسرائيلي وردّة الفعل الأميركية يمثلان صفعة لنظام عربي كامل يدّعي أولاً أنه عربي، وثانياً أنه مأخوذ في حسابات اللاعبين بالمنطقة، إذ لا معنى أن يعلن الصهيوني قراره بهذه الجرأة وهذا الشعور بالاطمئنان سوى أنه واثقُ من أن أحداً لن يتصدّى له، وأنّ أقصى ما يمكن أن يفعله العرب طرح كمّيات إضافية من معلّبات الإدانة والتنديد لمستهلكٍ لم يعد راغباً في مضغ البيانات والتصريحات من الأصل.

السؤال هنا: ماذا لو خرج رئيس دولة عربية ذات صباح، وأعلن أنه قرّر احتلال مدينة أو محافظة في دولة عربية أخرى؟. ... 

حدث ذلك مرّة قبل 35 عاماً، حين قرّر الرئيس العراقي، صدّام حسين، احتلال الكويت وإعلانها محافظة عراقية، وقتها لم تنم الحكومات العربية وتداعت إلى اجتماعات ثنائية وجماعية انتهت إلى قرار بالتدخل العسكري لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه، ودخلت في تحالفٍ وضع نفسه تحت إمرة الولايات المتحدة، معلنين الجهاد لتحرير دولة عربية. لم يتوقف أحد منهم عند احتمالات الخسائر في الأرواح، وبسرعة جيّشت الجيوش وأُرسلت القوات على اعتبار أنّ المهمة أجلّ من التردّد والتلعثم، حتى لو كان العربي سيُحارب عربيّاً مثله.

اليوم وبعد 35 عاماً، يعلن رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني أنّ "الكابينيت" قرّر احتلال كامل قطاع غزّة والبقاء فيه، ثم قرّر الطيران بمقاتلاته، مارّاً بأجواء ثلاث دول عربية على الأقل، قاطعاً نحو ألفي كيلو متر ليقصف العاصمة اليمنية صنعاء، بالسهولة التي يتوغّل بها في الأراضي السورية ويوسّع احتلاله فيها، فكيف جاءت ردّات فعل العرب الذين لم يناموا حين قرّر صدّام حسين احتلال الكويت؟

 في العدوان الإسرائيلي على اليمن، لم تصدر عن الحكومات العربية كلمة واحدة ترفض أو تندّد أو تدين، على الأقل بعد مرور خمس ساعات كاملة على الغارات الإجرامية. أما في ما خصّ الجريمة الإسرائيلية المستمرّة في غزّة، فإنّ تصريحاً لوزير الخارجية المصرية، بدر عبد العاطي، جاء فيه أنّ مصر تجري اتصالات مكثّفة مع كلّ الأطراف لممارسة أقصى درجات الضغط على إسرائيل (صحيفة الشروق). 

هذا التصريح يستحق أن يُدرّس بوصفه نموذجاً صارخاً لما يمكن تسميتها "دبلوماسية قلة الحيلة"، إذ يشتمل على اعترافٍ ضمني بأنّ مصر أو أيّاً من الدول العربية لا يمكنها أن تضغط على إسرائيل، وكلّ ما تستطيع فعله استجداء ضغوط من أطرافٍ تقدر على الضغط وتمتلك أوراقه.

تمكن قراءة هذا النوع من التصريحات كذلك على أنّه تجسيدٌ لمهارات تسويق حالة الضعف واحتراف العجز عن فعل أيّ شيء، وهي الحالة التي يحرص النظام العربي، بلا استثناء، على إظهارها، ليتسنّى له إدّعاء إنه لا قبل لأحد بمواجهة الكيان الصهيوني بالأدوات والأساليب التي يستخدمها، وأنه ليس لدى العرب أوراق ضغط يمكن استخدامها لردعه أو دفع داعميه لإعادة التفكير في انحيازهم المُطلق له.

مرّة أخرى، لا تصدّق أنّ الأنظمة العربية عدمت القدرة على مواجهة العدوان، فالصحيحُ أنها تدّعي العجز لكي تتسوّل به رضا دوليّاً لن يأتي، وتوهم شعوبها بأنّ معاداة العدو انتحار، وأنّ رفض التطبيع معه والرضوخ له جنونٌ وتهوّر، ثم تخترع لهم عدواً بديلاً، في الداخل، تكرّس لمحاربته كلّ الطاقات، فتنقسم الأوطان طولاً وعرضاً، وتنشطر المجتمعات وتتشظّى، لكي يكون المناخ مناسباً حتى يخرج بنيامين نتنياهو من الكابينيت معلناً بمنتهى الثقة والوقاحة: "قرّرنا احتلال قطاع غزّة بالكامل". 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق