الثلاثاء، 9 أبريل 2013

«العميقة» تستيقظ.. والسلطة تتثاءب


«العميقة» تستيقظ.. والسلطة تتثاءب

وائل قنديل

حصر ما جرى فى قرية الخصوص وأمام الكاتدرائية بالعباسية فى نطاق الأزمة الطائفية بين المسيحيين والمسلمين هو نوع من ادعاء العمى واختصار مخل ومخجل للموضوع.

القصة ليست مسألة طائفية بقدر ما هى فصل أخير وخطير فى المعركة السياسية التى تشهدها مصر، والصراع المشتعل بين دولتين وثورتين، دولة جديدة تحاول أن تبنى نفسها وتستكمل مقومات وجودها بعد ثورة حقيقية، ودولة قديمة وعميقة تدافع عن بقايا ثغورها وجحورها وأوكار أفاعيها عبر ثورة مضادة.

وبعد أن خابت مساعى أبناء «القديمة» فى فرض النموذج الجزائرى على البلاد، هاهى تلجأ للورقة الأخيرة وتستعمل السلاح القذر فى مسعى لإنتاج النموذج اللبنانى داخل مصر، وكما فشلت «الجزأرة» سيكون مصير «اللبننة» هو الفشل عينه لاعتبارات تاريخية وثقافية ومجتمعية عديدة، تجعل الحالة المصرية شديدة الاختلاف مع الحالة اللبنانية، من حيث المقدمات والنتائج.

وفى ظل هذه الأجواء الغامضة يبدو غير مفهوم على الإطلاق محاولة استثمار حادث الخصوص فى إحياء حلم العسكرة من جديد، بالدعوة إلى توجه جنازة الضحايا من الكاتدرائية إلى مقر وزارة الدفاع طلبا لنزول الجيش لكى يتصدى للسلطة الحاكمة حماية للمسيحيين.

ومثل هذه الدعوات ترفع عن أصحابها قناع الحزن المزيف على الضحايا، وتظهرهم فى حالة استثمار رخيص للدماء فى سوق السياسة.

ولا يختلف عن ذلك انتهاز البعض للمناسبة فى محاولة عقد مقارنات بين فاجعة كنيسة القديسين بالاسكندرية فى الشهر الأخير من حكم مبارك، وبين مأساة الخصوص، والخروج بنتيجة متهافتة مؤداها أنه كما أسقطت «القديسين» مبارك، سوف تسقط الكاتدرائية مرسى.

غير أن ذلك كله لا ينفى أننا بصدد حالة بلادة ورسوب وظيفى تام لأجهزة الدولة، ذلك أنها تركت الناس كالعادة نهبا للشائعات والتخمينات وكأنها لم تصل بعد إلى اختراع اسمه تحقيقات لتحرير واقعة الخصوص مما يكتنفها من حواديت وروايات لا تنتهى.

إن العقل لا يقبل أن يسلم بأن مصريا استيقظ من نومه فجأة فقرر أن يرسم صليبا على جدار معهد أزهرى، فى منطقة تغوص بمستنقعات التوتر والاحتقان، ولذلك فالمطلوب من جهات التحقيق والتحليل فى مصر أن تتوصل لبواعث هذا الحريق ومسبباته الأصلية، كما لا يمكن غض البصر عن حالة كسل وبلادة سياسية جعلت الأجهزة الرسمية تكتفى بمشاهدة كرة اللهب وهى تكبر وتتدحرج، مثلها مثل أى متفرج قليل الحيلة، دون أن تقدم على اقتحام سريع وجرئ للأزمة قبل أن تستفحل.

ولا تكتمل قراءة الصورة بمعزل عن سلسلة من الحرائق نشبت كلها فى تزامن عجيب فى ثياب مصر، من حرق محكمة باب الخلق إلى حرق خدمة السكة الحديد إلى «تجريدة» قضائية مباغتة ضد النائب العام الجديد، ومع الجنرال الهارب جعلته ينطق بما يسهم كثيرا فى فهم تفاصيل المشهد حين قال لقناة «سكاى نيوز» لحظة حريق الكاتدرائية بثقة
«نحن فى طريقنا لإزالة هذا النظام، وما يدور حاليا فى مصر هو ثورة كاملة المعانى والأركان وستحقق أهدافها»
شارحا بأن «الثورة ليس بالضرورة أن تكون تجمعا فى ميدان التحرير أو أى ميدان آخر، يمكن أن تكون غليانا يحرك الشعب طول الوقت وفى كل الأماكن فيظهر للعلن فى عدة مدن وبطريقة غير متزامنة»، ومشددا على أن «هذه المظاهر ستستمر إلى أن يزول النظام الحالى».

ثم أرغى قائلا «قدر لقضاء مصر أن يقود المسيرة وأن يكون القاطرة التى تأخذ جمهور مصر نحو تحقيق أهدافه والديمقراطية التى يتطلع إليها».

وعلى وضوح تحركات معسكر «القديمة» وثورتها المضادة يبدو شديد الغموض هذا الصمت والتثاؤب من قبل سلطة حاكمة يبدو أنها تستعذب الظهور فى هيئة الضحية المكسور المغلوب على أمره.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق