فرصة تاريخية لبناء مصر
بقلم: عامر عبد المنعم
فلأول مرة منذ أكثر من مئتي عام، وبالتحديد منذ الحملة الفرنسية وبداية الاحتلال الغربي لمصر، استطاع الشعب المصري في ثورة 25 يناير، أن يستعيد زمام المبادرة، وينهي قدرة الغرب على التحكم في إدارة بلادنا، فالشعب المصري الآن أصبح عصيا على التطويع وأقوى من أن يضلل كما كان في السابق.
استعادة الشعب لزمام المبادرة، يأتي متزامنا مع انكسار الغرب عسكريا في حروب قضت على هيبته، وانهياره اقتصاديا حيث التقشف وشبح الإفلاس الذي يهدد أمريكا وأخواتها.
وعي الشعب بأهمية الاستقلال عن الغرب والتخلص من الهيمنة الأمريكية والأوربية أصبح هو المكسب الكبير الذي لم يلتفت إليه السياسيون الذين يتناحرون الآن وينخرطون في معارك مفتعلة، لاستنزاف الثورة وإبعادها عن صلب القضية، وهي الاستقلال.
الخطيئة الكبرى التي نعيشها الآن على الساحة السياسية هي المعارك "الغلط" التي نصبت للقوى السياسية، والتجبيه على أسس ليست صحيحة، فوصلنا إلى حالة من التقاتل والصراع بين قوى من المفروض أن تتحد، ورأينا جبهات بين قوى هي في الأصل متعارضة ومتناقضة.
وفي ظل هذا الوضع دبت الانقسامات داخل كل التيارات، وفي معظم الأحزاب.
للأسف، لا ينتبه أبناء الطريق الواحد إلى أن خصوم مصر يتربصون بالجميع ولا ينامون الليل لإدخالنا في نزاعات وصدامات لتنفيذ مخطط التفكيك وتقطيع اللحم وإنهاء وجود الدولة المصرية.
مصر الجديدة في ظل التربص الخارجي لا ينبغي أن تنقسم إلى حكم ومعارضة، أو إسلاميين وغير إسلاميين، أو مدنيين وعسكريين.
مصر في هذا الظرف الدقيق تحتاج إلى تماسك وتلاحم بين كل المخلصين من الإسلاميين وغير الإسلاميين، من المسلمين وغير المسلمين.
مصر تحتاج إلى مبادرة جديدة من الحكم لبناء قلب الدولة الصلب الذي يتكون من كل القوى الوطنية المخلصة ولا يستبعد أحدا، لوقف حالة الفوضى السياسية الجارية ولقطع الطريق على كل المخططات التي تهدف لتحويل مصر إلى دولة فاشلة.
وعلى القوى السياسية المخلصة أن تعي، أننا جميعا في قفص واحد وأن القوى الدولية المعادية تعمل على عدم فك قيودنا وخروجنا، وهي التي تحرض بعضنا على بعض، وتثير الفتن كي يستنزف بعضنا بعضا.
نعم هناك أخطاء من الحكم الحالي، والحكومة ليست منزهة وارتكبت أخطاء فادحة، ولم تحترم المواطن المصري، وأخذت ما في يده برفع أسعار الكهرباء والغاز والمياة وغيرها، وفرضت المزيد من الضرائب، وفي المقابل فإن بعضا ممن يعارضونها، لديهم مواقف مقدرة ومن حقهم إعلان رفضهم والتصدي للأخطاء، ولكن بما لا يهدم الدولة على رؤس الجميع.
يجب أن نفرق بين المخالفين الذين يحترمون الإرادة الشعبية ويريدون التغيير عبر الصندوق الانتخابي وبين من يعملون لمصادرة كل ما أنجزناه. فهناك فرق بين التقويم والتصحيح، وبين الهدم والتخريب.
الذين يريدون إسقاط الرئيس مرسي لا يقولون لنا ما هو البديل؟
هل هم يريدون أن يحكموا؟ فليقولوا لنا كيف؟
هل يريدون نزول الجيش؟ فهل يصورون أن ينزل ليمكنهم؟
هل يريدون نزول الجيش ليحكم هو؟ إذن لماذا كانوا هم يهتفون ضد العسكر ووقفوا ضد المجلس العسكري؟
هناك من يتربص بجيش مصر ويريد استدراجه لساحة الصراع السياسي لضربه وتفكيكه، فهو الجيش العربي القوي الوحيد الباقي في الدول المحيطة بالكيان الصهيوني بعد ضرب الجيش العراقي وتفكيك الجيش السوري.
تفكيك الجيش المصري هو هدف الأمريكان والإسرائيليين.
علينا حماية جيشنا الوطني فهو عصب الدولة المصرية وأن لا نزج به في هذه المحرقة التي أحرقت أحزاب وتيارات وزعامات، ونعلم أن قادة جيشنا على وعي ودراية بالمخططات الشيطانية التي تكيد له.
لو تم استبعاد الارادة الشعبية فإننا سندخل في دوامة يملك فيها أعداؤنا الكثير من الأوراق المؤثرة.
إن المسار الانتخابي واحترام الارادة الشعبية هو الطريق الآمن لبناء مصر.
لندع الشعب يصحح أي انحراف من السلطة، يكافيء ويعاقب، وثقوا أن المصريين اليوم أكثر نضجا ولا يقبلوا بمن يصادر رأيهم ويتعامل معهم باستخفاف.
فليكن الشعب هو الحكم، فهو صاحب القرار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق