دحلان كرافض للتفريط ومع ثورة سوريا!!
ياسر الزعاترة
وفُرض من قبل الأمريكان والإسرائيليين كمفوض للأمن على ياسر عرفات رحمه الله، تماما كما فُرض سلام فياض وزيرا للمالية، ومحمود عباس رئيسا للوزراء.
كان دحلان للعلم والتذكير فقط أحد عرابي مشروع دايتون في قطاع غزة، وبعد الحسم العسكري منتصف حزيران 2007، تحول إلى رعاية المشروع في الضفة الغربية، وتابع من موقعه المتقدم في السلطة وحركة فتح مسار المفاوضات مع أولمرت وليفني، تلك التي قُدمت خلالها تنازلات رهيبة، من بينها التنازل عن حق العودة وأجزاء من القدس الشرقية، فضلا عن عرض تبادل الأراضي (يعتبره تفريطا الآن)!!
كل ذلك، قبل أن ينقلب عليه الرئيس بعد أن تعرض لنجليه (بسوء) كما قيل، أو تحضيره لانقلاب في رواية أخرى، وربما لأنه البعض كان يلوّح به كبديل جاهز كلما تلكأ عباس في تقديم المطلوب، مع أنه لم يقصِّر عمليا، إذ يمضي في برنامج السلام الاقتصادي (الحل الانتقالي بعيد المدى أو الدولة المؤقتة) بشكل جيد جدا.
الآن، يقيم دحلان في دولة عربية خليجية، ويحظى برعاية خاصة، ومن هناك كتب بطبيعة الحال الدرر التي سنتوقف عندها الآن في سياق من الإشادة بالمواقف الوطنية والقومية الجديدة.
قال دحلان: “الغارات الإسرائيلية المتكررة على سوريا، والتي احتدمت بعد الدعوة التي وجهها الشيخ يوسف القرضاوي، من أعلى منبره في قطر، لأميركا والغرب للتدخل عسكرياً ضد النظام السوري، هي لتدمير سوريا كدولة وتدمير مقدراتها الإستراتيجية بغض النظر عمن يحكم سوريا”. هكذا إذن كان نتنياهو ينتظر الإشارة من الشيخ القرضاوي لكي يشن عدوانه على سوريا (هل للهجمة عليه صلة بزيارته لقطاع غزة؟)!!
الأكثر إثارة هو تذكير دحلان للقرضاوي “ومن يدعمه ومن يهلل له، بأن إسرائيل عدو شرس يعمل من أجل إسرائيل فقط، وإستراتيجيتها مبنية على إذلال الإنسان العربي وإغراقه في مستنقعات الذل والهوان حتى تُبقي على مشروعها الاحتلالي الاستيطاني والتهويدي في فلسطين”.
الله أكبر، أية استنتاجات مذهلة كان الشيخ، وأبناء الأمة غافلين عنها، بدليل أنهم هم (وليس دحلان) من كانوا يمارسون التنسيق الأمني معها، وهم الذي انقلبوا على ياسر عرفات وصولا إلى تهيئة الأجواء لاغتياله؟!
دخل دحلان في التحليل، ليقول إنه “ليس من الصعب رؤية ملامح اتفاق سري يبلور الآن من وراء ظهر الشعبين السوري والفلسطيني يهدف إلى الإفراط العربي والفلسطيني الرسمي في التنازلات عن الثوابت الوطنية الفلسطينية (الثوابت الأصلية عنده هي فقط 22% من فلسطين) مقابل حشد القوة العسكرية الإسرائيلية للتدخل في ثورة الشعب السوري وتحطيم القدرات العسكرية السورية لأجيال قادمة وتأمين إخراج سوريا من الصراع العربي الإسرائيلي إلى الأبد”. وأضاف “ليس من الصعب ملاحظة ارتباط الضربة العسكرية الإسرائيلية بتصريحات رئيس الوزراء القطري في واشنطن، واستناد كلا الحدثين على فتاوى دينية مشبوهة دأبت الأصوات المأجورة على إطلاقها بانتظام”.
هنا نقول إن التدخل الدولي المزعوم، قد تبدى من خلال لقاء كيري_لافروف، حيث سيكون التدخل لإجهاض ثورة الشعب، وليس العكس. أما التنازلات التي نددنا بها دون تردد ممثلة في حديث وفد المبادرة العربية عن القبول بتبادل طفيف للأراضي، فقد كان دحلان موافقا عليها، وجزءا من ترتيبها حين كان في السلطة، فيما كان مستضيفوه أيضا جزءا من وفد المبادرة التي أمَّنت على التنازل المشار إليه.
بعد الانحياز القومي والوطني، سجّل دحلان انحيازا أخلاقيا أيضا، حين قال: “لا أستطيع إلا أن أكون مع الشعب السوري الشقيق ومطالبته بالحرية وسعيه للانعتاق من النظام الأسدي واستبداده وقهره، ففلسطين لن تحرر أبدا من قبل أنظمة استبدادية قمعية على شاكلة نظام بشار الأسد، ولن تستطيع الشعوب المقهورة والمقموعة مناصرة الشعب الفلسطيني ما دامت تتعرض للإبادة والتشريد”.
لكنه حذر من سماهم “المناضلين الحقيقيين في المعارضة السورية” من أن “النمل لا يلد النسور وبيضة الأفعى إنما يُخبّئ قشرها ثعبانا”. وأن “هناك من يتاجر بدم الشعب السوري ويجير معاناته لمصالحه الخاصة”.
داعيا إياهم أن يدركوا بأن “الحفاظ على ما تبقى من سوريا ووقف شلال الدم هو مطلب سياسي وأخلاقي كبير، فالحل السياسي ما زال راهنا بجلوس الجميع على طاولة المفاوضات وفق الآليات الدولية المقترحة وبضمانة عربية لأن سوريا هي أمن قومي عربي، ولا يجوز العبث به تحت أي مبرر أو مسوغ”. وأضاف أن “الحل العربي ممكن، وخصوصا إن أتى من تلك الدول العربية الحريصة على سوريا وطنا لكافة أبنائه (من هي؟!)، ولم تتاجر بمعاناة السوريين ولا بدماء شهدائهم النازفة، ولا بمعاناة لاجئيهم المشردين”.
هكذا ينتصر دحلان للحل السياسي (العربي)، ويعرّض بقطر بشكل مباشر، من دون أن يقول لنا أين هو ذلك الحل، أم أنه يعني الحل الذي يرتب له الروس والأمريكان بروحية الحرب على الإسلاميين الذين يشكلون عقدة نفسية لأصدقائه؟!
إذا اعتقد دحلان أن ذاكرة الناس مثقوبة إلى هذا الحد، فهو واهم، وإذا اعتقد أن سيل الإعلام المدفوع (أسس فضائية بتمويل أصحابه في لندن) يمكن أن يشوّه الوعي الجمعي للناس فهو مخطئ، لأن جماهير الأمة بوعيها النظيف تستطيع التفريق بين الصادق والدَّعي، حتى لو تأثر بعض أبنائها بحملات الإعلام بهذا القدر أو ذاك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق