الذين يصلون مع «على» ويأكلون مع «معاوية»
وائل قنديل
لا يمكن أن تقطع مصر خطوة على طريق تحقيق أهداف ثورتها مادامت مشغولة بابن مرسى وابنة حمدين أكثر من انشغالها بقمحها وصناعتها.
متى يمكن أن تتقدم مصر؟ كان هذا السؤال الشغل الشاغل لمجموعة من الكتاب العرب ونحن نتعرف عن كثب على التجربة التركية التى نجحت فى غضون عشر سنوات أن تضع الاقتصاد التركى فى المركز السابع أوروبيا، والرابع عشر على المستوى العالمى.
تركيا لم تقم بثورة شعبية على طريقة الربيع العربى، لكنها أنجزت المعنى الكامل للثورة الصامتة بأن جعلتها ثورة مدعومة شعبيا ونجحت فى الانتصار على «الدولة العميقة» التى كانت أكثر عنفا وشراسة من نظيرتها فى مصر، ويكفى أن تعلم أن قائد نهضة تركيا الحديثة رجب طيب أردوغان تعرض خلال أقل من عقد واحد من الزمن لست محاولات اغتيال وانقلاب.
إذن يبقى سر عبقرية التجربة التركية أن أردوغان استطاع إيجاد شعور قومى عام يتطلع إلى التطور والتقدم واللحاق بركب الأمم المحترمة، فانشغل الجميع واشتغل فيما يمكن وصفه بـ«ورشة وطنية جامعة» لتصنيع نموذج حضارى يتقدم سياسيا وصناعيا وزراعيا وثقافيا، وهذا لم يتأت بالطبع إلا من خلال إشراك كل أطياف الشعب فى مشروع وطنى حقيقى.
فى تركيا شكلوا لجنة حكماء، لكنها ليست مثل تلك العبوات سريعة التجهيز التى راجت فى مصر أثناء وبعد الثورة وضمت داخلها وطنيين حقيقيين مخلصين للثورة، وآخرين قرروا الاختباء داخل الثورة، فلجنة الحكماء التركية تشكلت ككيان جاد وحقيقى يمثل مكونات المجتمع سياسيا وجغرافيا واجتماعيا، بحيث تكون جسرا صلبا بين المواطن والدولة والعكس كآلية مدنية لحل معضلة الإرهاب والاستقطاب الحاد بين مكونات المجتمع.
وتتشكل اللجنة من ٦٣ عضوا يمثلون مناطق تركيا التسع بالتساوى، وتتنوع لتشمل رؤساء منظمات المجتمع المدنى ورئيس اتحاد الغرف ورؤساء الغرف النقابات الكبيرة بالإضافة إلى فنانين وكتاب وصحفيين وأعضاء هيئات تدريس وسياسيين قدماء، وكل هؤلاء يتشاركون فى صياغة برامج ومشاريع وإعداد تقارير بشأن أداء أجهزة الدولة بالتنسيق مع رئيس الوزراء من خلال اجتماعات دورية لا تتوقف.
إن الأساس الأخلاقى والقيمى الذى انطلقت منه التجربة التركية يقوم على أن الإنسان هو القيمة الأهم فى الديمقراطية وفى الدين أيضا، وحسب نائب رئيس الوزراء التركى بولند أرنج «لو اعتبرنا الإنسان هدفا سنلتقى محافظين وليبراليين» والإنسان بالطبع هو المواطن العادى وليس هذا الحالم بالزعامة على جثث البشر أو ذاك.
وأحسب أن هذه هى القضية المحورية التى لا ينبغى أن يكون الانحياز لها واضحا وقاطعا، إذا أردنا تقدما لمصر ونجاحا لثورتها.
وأمام طوفان الاستقطاب الحاد والعراك الخائب بين نخب عاطلة سياسيا لا مجال للمداهنة والمراوغة، على طريقة أولئك الذين يعتنقون مبدأ ساد فى زمن الفتنة الكبرى ويرفعون شعار (الصلاة مع «على» إثم والطعام مع «معاوية» أطعم والجلوس فى قمة التل أسلم)على حد تعبير صديقى فى الرحلة توفيق بوعشرين رئيس تحرير صحيفة «أخبار اليوم» المغربية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق