مشانق عسكر تركيا وفراعين مصر
خلود عبدالله الخميس
ولم يجرؤ غير كمال أتاتورك على الأمر برفع الأذان بغير اللغة العربية.
عندما خاض مندريس الانتخابات البرلمانية في تركيا للعام 1950 مرشحاً عن الحزب الديمقراطي كان برنامجه: عودة رفع الأذان في المساجد باللغة العربية. السماح للأتراك بالحج إلى بيت الله. إعادة تدريس الدين في المدارس النظامية وإنشاء أخرى للخطباء والأئمة. إلغاء تدخل الدولة في لباس المرأة.
فاختاره الشعب وفاز حزبه بثلاثمائة وثمانية عشر مقعداً في البرلمان. بمقابل اثنين وثلاثين مقعداً لحزب أتاتورك. فرأس مندريس الحكومة. ورأس الدولة رئيس الحزب جلال بايار.
بدأ بتنفيذ برنامجه الانتخابي في الجلسة الأولى للبرلمان. وكان في غرة شهر رمضان الفضيل. فأُقِر رفع الأذان باللغة العربية. حرية اللباس. حرية تدريس الدين. وبدأ بتعمير المساجد.
وفي انتخابات 1954 ارتفع عدد مقاعد حزب مندريس وانخفض تمثيل حزب أتاتورك إلى أربع وعشرين مقعداً فقط. فشرع بتعليم اللغة العربية. وقراءة القرآن وتدريسه في جميع المدارس الثانوية. وفتح خمسا وعشرين ألف مدرسة لتحفيظ القرآن. وأنشأ اثني وعشرين معهداً لتخريج الخطباء والوعاظ والأئمة وأساتذة الدين. وسمح بإصدار المجلات والكتب التي تدعو للتمسك بالإسلام. ثم أخلى المساجد التي كانت حكومة أتاتورك تستخدمها مخازن للحبوب وأعادها أماكن للعبادة. وبنى عشرة آلاف مسجد.
القشة التي دفعت به إلى المشنقة تقاربه مع العرب ضد إسرائيل. فقد فرض الرقابة على البضائع والأدوية المستوردة والتي تصنع في إسرائيل وطرد سفيرهم في 1956. فقامت قيامة القوى المعادية للإسلام. وفي 1960 انقلب عليه عسكرياً الجنرال جمال جورسل. وشُنق في العام 1961 هو وفطين زورلو وحسين بلكثاني وسُجن الرئيس والحكومة وأعضاء الحزب. وذلك إثر تقربه للعالم الإسلامي.
حكم مندريس كرئيس لوزراء تركيا من (1950 – 1960) عقد كامل اختار الشعب فيه المحافظين. وكذلك منذ (2002- 2014) اختار الشعب التركي الحزب المحافظ الموالي للدين الإسلامي. العدالة والتنمية. ويخوض المنافسة لانتخابات جديدة في يونيو المقبل وكل المؤشرات تؤكد أن الأتراك مسلمون حتى النخاع. والذي يعيش التغيير اليوم في الاقتصاد والمجتمع والسياحة وبلغ مرحلة الرفاه السياسي وذلك نتاج اختياره.
المثال الآخر. صاحب أول اغتيال سياسي في مصر. إبراهيم الورداني. عندما اغتال بطرس غالي كان في الرابع والعشرين من عمره. وقتله لأنه خائن للوطن ويعامل المصريين بتغطرس وتكبر. إضافة لمشاركته في محكمة دنشواي وقانون المطبوعات. كما جاء في إفادته.
وجهت للورداني تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار. وكانت سابقة أشغلت المجتمع المصري في الصباح والمساء وعند النوم. وكثرت التهديدات للحكومة وأعضائها. فاستلم النائب العام آنذاك عبدالخالق باشا ثروت التحقيق في القضية شخصياً وأعلن أمام المحكمة أن الجريمة سياسية يجب ألا تعامل كجناية عادية مطالباً بإعدامه. وكشفت التحقيقات تخفي أكثر من خمس وثمانين جمعية سرية تجهل الحكومة وجودها. غير جمعية التضامن الأخوي التي ينتمي لها.
ثم أُرسلت القضية للمفتي وهو وقتذاك الشيخ «بكري الصدفي» لإبداء الرأي الشرعي. ولكن لم تأخذ المحكمة برأيه. وأُعدم إبراهيم الورداني في 28 يونيو 1910 بعد أربعين يوماً من صدور الحكم عليه. رغم سابقة اعتراض المفتي على حكم محكمة الجنايات برئاسة الإنجليزي «دولبر وجلي». وتنحى الشيخ الصدفي من منصبه. لأن في حكم الإعدام مانعا شرعيا هو عدم جواز قتل المسلم بدم كافر.
اعتزل المفتي كحال كل من يقول كلمة الحق أمام وجه سلاطين الجور. منهم من يسلم على رقبته باعتزال المنصب. ومنهم من يلحق بركب الشهداء الذين قُتلوا حتْف أنوفهم على يد فراعين تتكاثر تملك المال والسلطة على أرواح العباد.
المضحك أنه بعد إعدامه صدر قراراً يُحرِّم على أي مصري الاحتفاظ بصورته. وألغيَ في ثورة يوليو 1952. ولأنها كانت أول اغتيال سياسي في مصر أدت إلى تغيير في تفكير السلطة. فتأسس المكتب السياسي لملاحقة المعارضين ورأسه يوناني مُتمصِّر حُبس بعد خمس سنوات بتهم فساد ورشوة.
هل يختلف الحال في مصر اليوم؟!
بين مثالي مندريس والورداني المختلفين في الظروف والتفاصيل والأسباب والنتائج. يتضح أن سلوك التصفية الجسدية للمخالفين والمعارضين السياسيين ديدن من لا حجة له والذي يمتلك القوة. وأن الإيمان بنتائج صناديق الاقتراع لدى الدكتاتوريين يتوقف عند فوزهم فقط. بينما فوز المعارض يعني أن الشعب بلا وعي وأن العملية الديمقراطية فيها قصور.
وكم مات من أهل الحق خنقاً بيد عسكر أو فراعين السلاطين عُباد الكراسي. فهل توقف النزاع؟!
لا لم ولن يتوقف بموت أحد. إنها سنن الله الإلهية. ثابتة لا تتغير. صراع الحق والباطل حتى تقوم الساعة. وطوبى لمن ثبت على الحق وإن كانت نهايته فوق مشنقة. وسقر لمن آمن بالباطل وظاهَره وإن عاش فوق خمائل القصور عمراً مديدا.
•  @kholoudalkhames
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق