مطرب الأغنية اليتيمة
وائل قنديل
مثل مطرب مناسبات بائس، يردد عبد الفتاح السيسي أغنية وحيدة، يتيمة، في ما يدعو إليه، أو يحضره، من مؤتمرات، بلا تغيير في الكلمات والألحان والتوزيع: الحكومة المصرية تحارب الإرهاب والعالم يعاني من الإرهاب.. إذن، كافئوا الحكومة المصرية وامنحوني القناطير المقنطرة من الأرز والأباتشي والصور الرسمية وأنا أمشي على البساط الأحمر.
يهتف السيسي طوال الوقت: أنا رئيس، أرتدي ملابس الرئيس، وأركب طائرة الرئيس، وأعلّق عليها ملصقي المفضّل "تحيا مصر"، ولو استطعت لعلّقت في مقدمتها سلّة من الفاكهة الاصطناعية، وعبارات تمنع الحسد، كما يفعل سائقو سيارات الأجرة، حين يمتلكونها بعد معاناة.
يقرر السيسي السفر، فتنشر صحفه: تجهيز صالة كبار الزوار بالمطار استعداداً لسفر الرئيس عبد الفتاح، وكأنها تذيع خبراً صحافياً من الطراز الأول، وتكشف ما لم يعلمه أو يتوقعه أحد.
باختصار: الرئيس راح، الرئيس عاد، صافح واستقبل وخطب، وركب الطائرة، إذن، هو الرئيس، بموجب شرعية البروتوكولات الرسمية والأمر الواقع، يمعنون في التعبير عن ذلك، وكأنه، وكأنهم، مسكونون بهواجس الإحساس بافتقار الشرعية، والجدارة. ومن هنا يكذبون، بلا حد أقصى، ويضخّمون في مستصغر التفاصيل، إلى درجة السفه، تعويضاً عن شعور بالعدم، عدم التحقّق وعدم الوجود، على الرغم من الحضور الشكلي الطاغي في كل المحافل.
بهذا الخطاب الركيك المفلس، يتنقل السيسي من مسرح إلى آخر، يتحدث عن العدل والتعايش، وهو قادم للتو من جولات البطش والقمع وإزهاق الأرواح، بأحكام قضائه، وبنادق قواته الأمنية.
لم يعد لدى نظامه متسع من الوقت لكي يجهّز اتهامات للمعارضين، ويقبض عليهم ويحقق معهم، ويحاكمهم ويسجنهم أو يقتلهم، يوفر على نفسه ذلك كله، ويقتلهم في أثناء القبض عليهم، تخفيفاً عن المحاكم المثقلة بالعمل.
يغني للديمقراطية وعليها، وهو يهرب من الانتخابات، ويغلق كل مؤسسات الحكم بالسلاسل والجنازير، هو التشريع وهو القضاء والحكومة والدين والدنيا، هو الحاكم بأمره في كل شيء، بيده كل السلطات، يجعل من نفسه المرجعية الدينية، رئيس الأزهر ورئيس الكنيسة، حتى المعارضة يصنعها على عينه، فإذا كان حديث عن استعداد لانتخابات، فهو يريد من الأحزاب أن تنتظم في قائمة، يضع مواصفاتها هو.
تجاوزت الأوضاع الإنسانية والحقوقية في مصر الحضيض بمسافات، وصار العالم يتندّر على الغياب الكامل لمنظومة العدالة في مصر، فيكون الرد السهل السريع: كل من ينتقد هو من "الإخوان"، بدءاً من منظمة العفو الدولية، وحتى البرلمان الألماني، "البوندستاج"، مروراً بكل شخصية تبدي ملاحظات على حالة الجنون المجتمعي التي صنعتها وترعاها وتؤجهها السلطة في مصر. ومع الوقت، بدأ هذا النظام وتوابعه الإعلامية والفنية والثقافية، ينفصلون عن الواقع بشكل فادح، حتى يصل بهم الأمر إلى الحديث عن مصر السيسي، تجربة نموذجية ورائدة، في الصناعة والتجارة والسياسة، ولمَ لا، وقد أغلقوا على أنفسهم هذا الجحيم السعيد الذي صنعه قائدهم، واستفادوا منه، وأدمنوه، فقرروا أن يكتبوا على أبوابه "ابتسم أنت في الجنة".
وفي أوضاع كهذه، تنمحي الفواصل، وتتآكل الفروق، بين أكاديمي وقور ومهرّج فوق شاشة، وبين واعظ ديني، ومونولوجيست محترف، ويصبح الكل صوراً باهتة لشخص واحد، هو الزعيم، فيكون ما يقول ويكتب محمد حسنين هيكل مساوياً تماماً لما يسكبه أي مذيع يمتلك ميكرفوناً وشاشة، وينخفض غناء محمد منير وعلي الحجار إلى ما دون مستوى مطربي زمن السيسي.
باختصار شديد، ما تراه الآن هو مصر التي هندسوها وراثياً، وحقنوها بكميات هائلة من الهرمونات المسرطنة، فصارت مثل ثمرة منتفخة، بلا طعم أو رائحة.
يغني للديمقراطية وعليها، وهو يهرب من الانتخابات، ويغلق كل مؤسسات الحكم بالسلاسل والجنازير، هو التشريع وهو القضاء والحكومة والدين والدنيا، هو الحاكم بأمره في كل شيء، بيده كل السلطات، يجعل من نفسه المرجعية الدينية، رئيس الأزهر ورئيس الكنيسة، حتى المعارضة يصنعها على عينه، فإذا كان حديث عن استعداد لانتخابات، فهو يريد من الأحزاب أن تنتظم في قائمة، يضع مواصفاتها هو.
تجاوزت الأوضاع الإنسانية والحقوقية في مصر الحضيض بمسافات، وصار العالم يتندّر على الغياب الكامل لمنظومة العدالة في مصر، فيكون الرد السهل السريع: كل من ينتقد هو من "الإخوان"، بدءاً من منظمة العفو الدولية، وحتى البرلمان الألماني، "البوندستاج"، مروراً بكل شخصية تبدي ملاحظات على حالة الجنون المجتمعي التي صنعتها وترعاها وتؤجهها السلطة في مصر. ومع الوقت، بدأ هذا النظام وتوابعه الإعلامية والفنية والثقافية، ينفصلون عن الواقع بشكل فادح، حتى يصل بهم الأمر إلى الحديث عن مصر السيسي، تجربة نموذجية ورائدة، في الصناعة والتجارة والسياسة، ولمَ لا، وقد أغلقوا على أنفسهم هذا الجحيم السعيد الذي صنعه قائدهم، واستفادوا منه، وأدمنوه، فقرروا أن يكتبوا على أبوابه "ابتسم أنت في الجنة".
وفي أوضاع كهذه، تنمحي الفواصل، وتتآكل الفروق، بين أكاديمي وقور ومهرّج فوق شاشة، وبين واعظ ديني، ومونولوجيست محترف، ويصبح الكل صوراً باهتة لشخص واحد، هو الزعيم، فيكون ما يقول ويكتب محمد حسنين هيكل مساوياً تماماً لما يسكبه أي مذيع يمتلك ميكرفوناً وشاشة، وينخفض غناء محمد منير وعلي الحجار إلى ما دون مستوى مطربي زمن السيسي.
باختصار شديد، ما تراه الآن هو مصر التي هندسوها وراثياً، وحقنوها بكميات هائلة من الهرمونات المسرطنة، فصارت مثل ثمرة منتفخة، بلا طعم أو رائحة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق