ثورة وانتماء قومي على منصة الإعدام
ياسر الزعاترة
لفرط الجنون، لم يجشّم قادة الانقلاب في مصر أنفسهم عناء التدقيق في الأسماء التي حكموا عليها بالإعدام يوم السبت قبل الماضي.
حدث ذلك رغم أن وجود الأسماء في القضية قديم، وسبق أن كُشفت حقيقة أن بعضهم ليسوا على قيد الحياة، أو في سجون الاحتلال الصهيوني، لكن القوم لم يعودوا يأبهون، ويبدوا أنهم لا يستمعون إلا لمهرجي فضائياتهم الذين يرحّبون بأي سلوك يقومون به، ولو كان ضربا من الجنون.
خمسة شهداء فلسطينيين كانوا من بين الذين حُكم عليهم القضاء المصري بالإعدام يوم السبت إلى جانب أسير (حسن سلامة) يقبع في الأسر منذ عام 96، ومحكوم عليه بـ48 مؤبدا (معهم عشرات بعضهم لم يدخلوا مصر في حياتهم) فهل بعد هذا الجنون من جنون؟!
والحال أن هذه المفارقة في أحكام الإعدام ليست سوى دليل على أن ما يجري قد تجاوز الجنون إلى الهستيريا، وإلا فأي نظام في العالم ذلك الذي يسمح مثل هذه الوجبات الضخمة من أحكام الإعدام التي تطال المئات بشكل جماعي؟!
ليس الشهداء وحسب هم المتهمون والمدانون، والمحكوم عليهم بالإعدام، فهناك إلى جانبهم شابة مصرية كانت تعمل في الإعلام، ولا صلة لها؛ لا بالتخابر مع جهات أجنبية، ولا بالفرار من السجون.
دعك هنا من شيخ ثمانيني يعيش خارج مصر، ولم يتخابر ولم يهرب من السجن، ولم يساعد أحدا على الهرب، أعني العلامة الشيخ يوسف القرضاوي، ثم لا تسأل بعد ذلك عن إعدام ستة شباب بمحاكمة عاجلة بجريمة كان أحدهم معتقلا حين وقعت (قضية عرب شركس).
أما أول رئيس منتخب بشكل حقيقي في تاريخ مصر، فقصة أخرى، ومعه العشرات من القادة الذين يمثلون تيارا سياسيا كان ولا يزال الأقوى في مصر، وهو التيار الذي حاز ثقة 40 في المئة من الشعب، وفاز في خمس جولات انتخابية، قبل أن يُطاح به في انقلاب مفضوح. والنتيجة أن تلك الأبواق حين تجرّمه، إنما تسيء لذات النسبة من الشعب، مع أن من تبقى منه ليسوا جميعا ضده بالضرورة.
ليس مهما هنا الحديث عما إذا كانوا سيُعدمون فعلا أم لا، فذلك شأن سياسي بامتياز، وهو في كل الأحوال نوع من الضغط طلبا للاستسلام والقبول بالواقع الراهن، حتى من دون أي حديث عن مراجعة للمسار السياسي.
منذ اللحظة الأولى للانقلاب، قلنا إن ما يبشر به القوم مصر المحروسة يتمثل في دولة بوليسية بامتياز، فما من نظام سياسي يمكنه أن يأخذ قرارا بسحق أكبر قوة سياسية من دون أن يعسكر البلد بأكمله، وهذا ما يحدث على الأرض، إذا لا يُسمح لأي صوت خارج السياق الرسمي بالظهور. والنتيجة أن الثورة التي زعم أولئك أنهم جاؤوا يستكملونها هي المستهدف الأول بما فعلوا، وهي التي تنصب لها المشانق. وحين يؤتى بألد أعدائها (أحمد الزند) وزيرا للعدل، فماذا ذلك سوى تأكيد جديد على هذا المسار. أما الجانب الآخر الذي يبشر به الانقلاب كما قلنا أيضا، فيتمثل في حاجته لتقديم استحقاقات للخارج من جيب قضايا الوطن والأمة، وبالطبع لكي يسكت على تلك الممارسات البوليسية، وهو ما يحدث عمليا، ولا تغير في حقيقته تلك الانتقادات الغربية الخجولة لأحكام الإعدام، لأن أميركا ودول الغرب عموما لم تعد معنية بمسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان ما دام النظام يدفع ما عليه من استحقاقات، فكيف وهو يحصل على رضا الدولة المدللة في الشرق الأوسط، أعني الكيان الصهيوني؟!
والنتيجة أن الانتماء القومي لمصر قد بات معلقا على منصة الإعدام، فهذه الحميمية في العلاقة مع نتنياهو، ردا لجميله بترويج الانقلاب ما زالت تدعش الصهاينة أنفسهم.
مأساة ستستهلك البلد لزمن طويل، وقد تدفع بعض الشبان إلى تبني نهج العنف، وهو متاح في زمن العنف الرخيص، فيما يبدو أن النظام لا يرى بأسا في ذلك معتمدا على قوة نظامه الأمني، وربما حاجته إلى ذلك للتغطية على فشله على كل صعيد، وهو ما يجعلنا نحذر دائما من هذا المسار الذي لن يؤدي إلا إلى مزيد من القمع بلا جدوى، والأفضل هو ترك الجماهير تكتشف بشاعة هذا النظام البوليسي، وتتجمع من جديد على هدف التخلص منه، حتى لو استغرق ذلك زمنا قد يطول.
تبقى الإشارة إلى القادة الذين حُكموا بالإعدام، والذين أثاروا أعصاب القتلة حين استقبلوا تلك الأحكام بابتسامات السخرية.
حدث ذلك لأنهم في الأصل مجاهدون وليسوا تجارا، وهو أكبر من أن تهزهم هكذا أحكام، سواء نُفذت أم لم تنفذ.
•  @yzaatreh
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق