مرة أخرى.. خريف الزعيم وخرفانه
وائل قنديل
يدرك هؤلاء أن زعيمهم بلا قدرات حقيقية، لكنهم يتعلقون به، ويتحلقون حوله كالخراف (لا تنزعج مؤيد السيسي، أنت مخترع المصطلح ومروجه) باعتباره العشب الوحيد الصالح للاستهلاك بالنسبة لهم، وفي اختفائه الهلاك.
أسباب عديدة تدفعهم للصراخ، كلما لاح لهم أن هناك من يريد التخلص من هذه الحالة المنتمية كلياً إلى عالم الدجل والشعوذة، يعتقلون ويسجنون، ويسحلون وينتهكون المعارضين، ويجهزون قوائم "سبتمبرية"، تذكّر بلوثة نظام السادات في أيامه الأخيرة.
وحسب المتاح من معلومات، فإن دولة السيسي بصدد ارتكاب مذبحة شعارها "فقء عيون المجتمع"، تطال القضاء، مع تعالي صيحات التطهير من الأخونة، وتشمل المنظمات الحقوقية، ولا تترك النشطاء السياسيين من مختلف التيارات السياسية.
هذه الحالة من رعب الإحساس بالضآلة والعجز، تسافر مع السيسي إلى ألمانيا، إذ يخشون عليه من الإحراج والانكشاف، خصوصاً بعد أن أوشكت بضاعته من "الحرب على الإرهاب" على الكساد، فيلجأ إلى تصعيد رتم الانفجارات والفرقعات في سيناء، قبل السفر، ليقف بين يدي أنجيلا ميركل، يقرأ النوتة الموسيقية العقيمة "مصر تخوض حرباً على الإرهاب من أجل سلامة العالم"
قلت في خريف 2014 إن أجواء القاهرة لا تختلف عن أجواء سبتمبر 1981، إذ تتلاحق ضربات نظام يتحرك عشوائياً، كثور هائج في مدينة من الزجاج، يقتل ويسجن ويصادر حياة الجميع، كي يستقر في السلطة، محاطاً بمجموعة من السفاحين، يمارسون أحط أنواع العنصرية تجاه من يعترض على فاشيتهم غير المسبوقة.
وأشرت إلى ما يدور في الإعلام، حيث ترتد مصر إلى زمن "وزارة الإرشاد"، لم يبق إلا أن تتم تسمية محمد حسنين هيكل وزيراً للإرشاد القومي، كما حدث عام 1964.
وفي اجتماع السيسي مع أحزاب الثورة المضادة أمس، طلب أحدهم إنشاء قناة فضائية باسم "تحيا مصر"، تتحدث عن السيسي وله، وتقدس اسمه، في مواجهة الحاسدين والحاقدين، وكأنه لا يمتلك أكثر من 35 شاشة ناطقة باسمه، لكنه الرعب والفزع من انهيار أسطورة "الزعيم المعقم".
وفي أوضاع مثل هذه، لا تزال الدهشة مستمرة من بعض الذين كانوا ضحايا خريف السادات، في سبتمبر/ أيلول 1981، ويمارسون في خريف السيسي دور الجلاد والقاتل والمخبر، في تجسيد نادر لتلك "السادومازوخية" التي تحدث عنها أستاذ الفلسفة، إمام عبد الفتاح إمام، في كتابه المهم "الطاغية".
وأكرر: إن النخبة التي تملقت ثورة يناير هي ذاتها التي تنشب مخالبها وأنيابها فيها الآن، خوفاً من الطاغية، أو طمعا في عطاياه، من دون أن يستشعر أحدهم عاراً، وهو ينقضّ على كل ما بشر به، وزعم النضال من أجله.
وإذا كان "مونتسكيو" فيلسوف الثورة الفرنسية يعرّف الطاغية بأنه "ذلك الذي يقطع الشجرة لكي يقطف ثمرة"، فإن ما يجري، الآن، ليس قطعاً للأشجار طلباً للثمار، بل طلبا للدمار والإبادة والحصول على أخشاب لإبقاء المحرقة مستعرة، تنتظر المعارضين والمعترضين.
وفي الحياة العامة، تتحول مصر إلى "قشلاق"، أو معسكر اعتقال ممتد بطولها وعرضها، وعلى من لا يرضى بالمعتقل أن يختار مكانه في المقابر الجماعية لنظام الإبادة الجماعية، أو يبحث له عن وطن آخر، كما تردد ماكينة إعلام السيسي، منذ أسبوع مضى، وكأنها تكرس معادلة سيتم تفعيلها الآن، مضمونها "لا مكان للمعارضة في هذا المكان"، وأظن أن هذه هي الخطوة الأولى على طريقٍ يحفه الجنون من الجانبين، سيشهد اعتقالات بالجملة ومنعاً من السفر، وربما تصفيات واختفاءات قسرية، كلما اقتربت لحظة مرور عام على الحاكم بقوة الوهم، وسحر الأكاذيب متقنة الصنع، فاخرة التغليف.
هي السنة الكاشفة الفاضحة للعجز وفشل الرهان على تصنيع بطل من ورق الجرائد وخيوط الأثير، ليفيق الجميع على أنهم لم يكونوا أكثر من "خرفان"، كما وصفوا في السابق أنصار الرئيس المنتخب، محمد مرسي، ومجددا أزعم أن عليهم أن يتحسسوا فروتهم الآن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق