السيسي يحسم خياراته: "مبسوط يا عبد الله"؟!
سليم عزوز
لا أخفي سعادتي باختيار "أحمد الزند" وزيراً للعدل في سلطة الانقلاب؛ ذلك بأن هذا الاختيار معناه أن اللعب صار على المكشوف، قد علم كل أناسٍ مشربهم!.
فهو اختيار صادف أهله، وعندما يصبح "عبد الفتاح السيسي" وهو من إفراز الاختيار الحر المباشر لحسني مبارك، رئيساً للدولة، و"إبراهيم محلب"، عضو لجنة السياسات برئاسة مبارك الابن، رئيساً للحكومة، فإنه يصبح من الطبيعي أن يكون "الزند" وزيراً للعدل، وهو رجل النظام الذي أسقطت ثورة يناير رأسه، فعاد من جديد على يد "السيسي" بالانقلاب العسكري الذي جرى في 3 يوليو، والذي منحه "أولادي المغرر بهم" غطاءً ثورياً، بمشاركتهم في مهرجان 30 يونيو.
"الزند" هو ممثل لدولة مبارك في القضاء، وبعيداً عن تحقيقات، تم حفظها، جرى فيها اتهامه بالفساد المالي، وبعيداً عن أنه كان ضد الحكم المنتخب، وشارك في عملية الانقلاب عليه، فالرجل جاء إلى موقعه رئيساً لنادي القضاة، عندما احتشدت دولة مبارك، في معركة إسقاط تيار الاستقلال في انتخابات النادي، بعد أن قاد هذا التيار انتفاضة القضاة التاريخية، التي طالبت باستقلال القضاء، ورفض الإشراف المنقوص على الانتخابات العامة، على نحو دفع نظام مبارك للعب "على المكشوف" وتعديل الدستور والقانون بما يلغي عملية الإشراف القضائي والعودة إلى زمن "إشراف الموظفين"، لتكون انتخابات مجلس الشعب التي جرت بعد ذلك في سنة 2010 بمثابة المسمار الذي دق في نعش نظام مبارك!.
خاض "الزند" الانتخابات على رئاسة نادي القضاة، وقدم له كل الدعم الحكومي، ليسقط تيار الاستقلال المعادي لنظام مبارك، وتمكن من النجاح، في انتخابات استشعر فيها قضاة الاستقلال أنها حرب تكسير العظام، في مواجهة "مرشح السلطة"!.
وقد قامت ثورة يناير، فلم تتحرش بـ "الزند" الذي تحرش بها، باعتباره يمثل الدولة العميقة، وبدون أن يقترب أحد من رحابه، أعلن أن أحدًا لن يوقف "الزحف المقدس". يقصد بذلك توريث العمل القضائي، وكان في هذا يتحدى ثورة رفعت شعارات "العدالة الاجتماعية"، وقفت ضد توريث الحكم.
وقد استفاد "الزند"، ووالده يعمل في مهنة تندرج في أدنى السلم الاجتماعي هي "الحلاقة"، من شعار "العدالة الاجتماعية" الذي رفعته ثورة يوليو 1952، ليصبح قاضيًا، وبعد أن استقرت هذه الطبقة الدنيا في السلم الاجتماعي الأعلى، جاءت لتنتحل صفة طبقة الإقطاع، التي عمل جمال عبد الناصر كل جهده من أجل القضاء عليها، ومن بين هذا الجهد المبذول هو تمكين البسطاء وأبنائهم من انتحال صفة من يمثلون هذه الطبقة!.
كانت هذه قسمة "الزند" في ما يملك، في دفاعه عن نظام مبارك، بعد تنحي رأسه، وفي وقت كان كل المنتمين لهذا النظام يتقربون للثورة بالنوافل، بمن فيهم "عبد الفتاح السيسي" نفسه، وهو عضو المجلس العسكري، ومدير المخابرات الحربية.
وللتذكرة: فلم يكن السيسي قد شغل هذا الموقع بالأقدمية، أو بالانتخاب، ولكن شغله بالاختيار الحر المباشر للرئيس المخلوع!.
لم يدر نظام الرئيس "محمد مرسي"، الملف القضائي بكفاءة، فبدلاً من أن يعتبر أن الذين قادوا انتفاضة القضاة وشاركوا فيها، هم جزء من الثورة، فيسعى إليهم، دفع بهم دفعاً، لتكوين تحالف مع "الزند" ضده، عندما ظن هذا النظام أن الأزمة مع القضاة يمكنها أن تحل بقانون يلغي ما تحقق في عهد مبارك من مد العمل لسن السبعين.
وكان من يخطط له قاض صغير بمجلس الدولة انتدب للرئاسة للعمل، في زمن كانت قواعد الاختيار فيه لأصحاب القامات المنخفضة، وكان ملف فساد هذا القاضي الصغير قد وصل بصعوبة للرئاسة، وربما حال سدنة العرش دون وصوله للرئيس، إلى أن استقال الفتى بمحض إرادته بعد أن ورط النظام في الكثير من المشكلات من هذا النوع، وخرج ليلعب دور البطل الذي استقال من العمل في الرئاسة، ولم يكن أكثر من فأر انتهازي، وجد المركب تغرق فغادرها!.
كنت في نقابة الصحفيين، بصحبة أحد القضاة الذين شاركوا في الانتفاضة ضد نظام مبارك، عندما أستأذن الحضور لمغادرة المكان لبدء مؤتمر القضاة في ناديهم الملاصق للنقابة، ولم ينس وهو يغادر أن يقول لي في أسى: انظر كيف جمعنا "محمد مرسي" مع "أحمد الزند".
وكان "الزند" قد دعا لمؤتمر للتصدي لمشروع القانون الذي يخفض سن الإحالة للمعاش. وهو المشروع الذي قبر ولم ير النور، فلم يستفد منه أصحابه سوى في حشد الجميع ضدهم!.
ولا يمنع هذا، من أن هناك من كان يتحرك مدفوعاً بالغرض الذي هو مرض، فمثلي لا يفهم كيف لمشارك في ثورة يناير، ويتمتع بالاستقامة الثورية، أن يعترض على القرار الذي صدر من الرئيس مرسي، بعزل نائب عام "مبارك" الذي طالبت الثورة في كل تجلياتها بعزله. وعندما يعزل يصطف مع "الثورة المضادة" التي مثلها "الزند".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق