السيسي حين يعصر ليموناً إسرائيلياً
وائل قنديل
انشغل المصريون، وربما قطاع من العرب، بالحرب ضد مذيعة بائسة، اسمها ريهام سعيد، وانطلقت دعوات الجهاد الإلكتروني، للقضاء عليها، ووضع الساخرون والمغردون والقوميون والإنسانيون في حال استنفار قصوى، لحسم المعركة.
وقبل أن تضع "حرب ريهام" أوزارها، كانت دبلوماسية عبد الفتاح السيسي تخوض حرباً أخرى، في الأمم المتحدة، من أجل إسرائيل، غير أن هدير معركة المذيعة طغى على فحيح الدبلوماسية المصرية، وهي تتحدى الجميع، وتصوّت لصالح العدو الصهيوني، تاركة ناميبيا وحدها، تخوض نضال العرب ضد الاحتلال.
من أشعل فتيل "حرب ريهام" في هذا الوقت لم يكن يلهو أو يمضغ الوقت، ولا شك أنك سألت نفسك عن دلالة التوقيت، والمستهدف من هذا النوع من المعارك، مضمونة المتابعة والمشاهدة، والربح أيضا..
أظن أنك تمتلك إجابة الآن، بعد الإعلان رسمياً أن القاهرة صوتت لصالح الكيان الصهيوني في الأمم المتحدة، فيما امتنع باقي العرب عن التصويت، وقالت نامبيبا: لا.
هم بارعون في لعبة تحويل مسارات الاهتمام والغضب، ولعلك تذكر أنه، فيما كان الناصريون العرب يحيون بذكرى رحيل جمال عبد الناصر 28 سبتمبر، كان السيسي، زعيمهم الملهم الجديد، يعلن من نيويورك أنه جاء الوقت لدمج إسرائيل في المحيط العربي، وتذويب العرب في محبة إسرائيل، حين قال إن معاهدة السلام يجب أن تتسع لتشمل جميع الدول العربية.
كان لافتاً وقتها أن إطلاق السيسي دعوة "الاصطفاف العربي مع إسرائيل" يأتي مع ارتفاع أصوات داخل مصر تطالب بمزيد من إجراءات اجتثاث "الإخوان المسلمين" من المعادلة السياسية المصرية.
وبالطبع، ابتلعت أصوات إقصاء "الإخوان" أي صوت، ولو خفيضاً، يهمس بمعارضة ضم إسرائيل. كتبت وقتها أن "معادلة السيسي بوضوح هي: كلما أردت الاقتراب من إسرائيل، عليك الابتعاد عن الإخوان.
وبالتالي، فإن إقصاء الإخوان يساوي إدماج إسرائيل، هذا هو مضمون الرسالة التي يوجهها الجنرال، من نيويورك، ومفهوم "الإخوان" هنا يتعدى الدائرة المصرية الضيقة، ويمتد ليشمل كل أشكال العداء للاحتلال الإسرائيلي".
نعود إلى قصة تصويت قاهرة السيسي، لا قاهرة المصريين والعرب، لمصلحة شقيقتها الكبرى، تل أبيب، لتجد العجب العجاب، إذ تعلن المصادر الدبلوماسية المصرية كذباً أنها منحت صوتها لإسرائيل في الاقتراع على منحها عضوية لجنة الاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي، من أجل عيون قطر!
وفي التفاصيل، كما ورد على لسان الدبلوماسي "المجهول" أن التصويت كان إجباريا على خمسة مرشحين مجتمعين، هم إسرائيل والإمارات وعُمان وقطر، ودولة أخرى، وبالتالي، كان الامتناع يعني حرمان قطر والدول العربية من الصوت المصري، فاضطرت القاهرة الحنون الطيبة أن تعصر على نفسها ليمونة وتختار إسرائيل، حباً في قطر وخوفا عليها.
رواية عبيطة وتافهة وساذجة، ينسفها أن قطر امتنعت عن التصويت، أصلاً كي لا يذهب صوتها للكيان الصهيوني، فضلاً عن أن القاهرة لا تخفي كراهيتها الدوحة في كل محفل عالمي. وبالتالي، لا ينطلي على عقل طفل الكلام عن حنان مفاجئ دبّ في أوصال مصر، من دون مقدمات، فجعلها تتجرع السم الإسرائيلي، كي تمنح قطر وعُمان وأبو ظبي الحياة.
تحاول "قاهرة السيسي" أن تصوّر المسألة على طريقة دراما "من أجل أبنائي"، تبريراً لوقوعها في "الحرام الإسرائيلي"، وهي محاولة مضحكة للغاية، ذلك أن الثابت قطعاً، بالدليل العملي والبرهان اللفطي، أن مصر السيسية وإسرائيل شريكان وحليفان استراتيجيان، تربطهما علاقة التابع بالمتبوع، فمنذ البداية كان واضحاً أن الانقلاب الذي نفذه عبد الفتاح السيسي، إن لم يكن صناعة إسرائيلية خالصة، فإنه كان مصلحة لها، نالت رعايتها ودعمها منذ اليوم الأول.
هنا، ليست مصادفة أن الإعلان عن طائرة استطلاع صهيونية تمسح وسط سيناء، بعد كارثة طائرة الركاب الروسية، يأتي من تل أبيب.. ليس بين الأحبة حساب ولا عتاب.
ومن هنا ، العادي والمنطقي والطبيعي أن يكون صوت حكومة السيسي لإسرائيل، وكان سيصبح غريباً وصادماً ومفاجئاً، لو أن القاهرة صوّتت ضد تل أبيب، أو امتنعت عن التصويت لها، فالقصة ليست فواتير على السيسي، لإسرائيل فقط، وإنما تتجاوز ذلك إلى حالة من الالتقاء الوجداني والعاطفي بين الطرفين، إذ يتبادلان أنخاب الكراهية لمشروع المقاومة، الفلسطيني الإخواني، ويتقاسمان فطيرةً معجونةً بدماء المنخرطين فيه، ويطلقان صيحة الحرب المقدسة، حتى جلاء آخر إخواني عن مصر، وآخر مقاوم عن أرض فلسطين، كما قلتها سابقاً، وأعود إليها لاحقاً، مدخلاً للحديث عن انفجار "أنبوب الاصطفاف" مجدداً.