الغزالي وفن السخرية والفكاهة(1)
عصام تليمة
لعل خير من عرفت عنهم النكتة وفن السخرية والفكاهة، هم علماء الأزهر، فقد ارتبطت صورة الشيخ الأزهري في أذهان الناس بالفكاهة والمرح، وأنهم ليسوا معقدين، وأنهم كما لقبهم أحد الكتاب بـ (ظرفاء مصر) أو كما يلقبهم عوام الناس في مصر بـ (ملوك النكتة)، فالأزهري بطبعه يميل إلى الدعابة، ولا يميل إلى التكشيرة، وعلى رأس هؤلاء: الشيخ محمد الغزالي رحمه الله، فقد امتلك ناصية البيان رحمه الله، ففي الصفحة الواحدة من كتبه، أو المقال الواحد من مقالاته، يستطيع أن ينقلك من شدة التأثير والتأثر، من بكاء شديد، وتغلبك دمعتك، إلى ابتسامة ربما تصل لضحك بصوت مرتفع، فقد طوع اللغة والرصيد الأزهري الذي يمتلكه في امتلاك قلوب القراء والمستمعين له، ومواقفه في ذلك كثيرة، ومنها:
فقد سئل الشيخ الغزالي هل يقرأ الكاريكاتير في الصحف والمجلات؟ فأجاب مبتسما: نعم أنا أحرص على قراءة كل الصور والرسوم الساخرة في صحفنا، فنحن المصريين نميل إلى النكتة الساخرة، ويصل بنا الأمر إلى أننا نسخر ونضحك أحيانا من أنفسنا عندما تصدمنا مشكلة أو ننهزم.
وأنا أحب النكتة جدا وأضحك لها من قلبي.
هناك نكتة أعجبتني جدا عن إخواننا المتدينين المتشددين، تقول: رؤي أحد المتدينين المتشددين وفي يده قفاز ملاكمة، فقيل له: ما هذا؟ فقال: أسوي به الصفوف!!
ويقول: جاءني رجل ورأى مجموعة من العصي المعلقة داخل بهو بيتي، وأنا أحب الضحك من إخواننا المتشددين في الدين، فقال هذا الرجل: ما هذه العصي؟ فقلت له: هذه هي (وسائل الإيضاح) أخذتها من بعض إخواننا وهم يعلمون بها الناس الإسلام.
يشير بذلك إلى غلظة بعض المتدينين في تعليم الناس الإسلام، واستخدامهم أسلوبا حادا.
ومن هذا قوله رحمه الله: (قلت لأحد الناس: تعرف فلانا؟ فإن لي صديقا يحب الاتصال به، ولعله يريد أن يصاهره، أو يشاركه في تجارة كبيرة!
قال: أعرفه معرفة حسنة، إنه متوسط العمر، قصير القامة أسمر الملامح!
قلت: ثم ماذا؟
قال: له رباط عنق جميل! وحذاؤه لامع! وعندما يتحرك ...
فأسرعت أنا بإكمال الوصف، فقلت في سخرية:
عندما يتحرك يكون مرح الأعطاف حلو اللفتات!
قال: ما تعني بهذا الهزء؟
قلت: السخرية منك! أهذا وصف لإنسان؟ إنك تشبه بعض المتحدثين عن الإسلام في هذا العصر الأنكد! إنهم يعرفون الناس به فلا يزيدونهم إلا جهلا، وربما صدوهم عنه.. يجعلونه كائنا، محلوق الشارب، مكشر الأنياب، مكحول العينين، كميش الثياب.. الخ).
ولقيه شاب يقول له: يا شيخ غزالي لقد ركبني عفريت، فماذا أفعل؟ فنظر إليه الشيخ الغزالي، وكان السائل طويلا، فقال له الشيخ الغزالي بلهجة عامية ساخرة: أليس عارا أن تكون شحطا طويلا ويركبك عفريت، ولماذا لم تركبه أنت؟ ولماذا لا تستضعف العفاريت والشياطين من الجن غير المسلمين، إننا نرى غير المسلمين أكثر معصية لله، وأبعد عن طاعته، ومع ذلك لا تركبهم العفاريت!
كان الغزالي رحمه الله يبغض المتدين سيء المنظر، وبخاصة لو نسب عدم نظافته وتجمله للدين، فقد دخل عليه أحد الطلبة ـ وكان يدرس في إحدى الدول العربية ـ وقد أمسك بيده مسواكا، وقد وقف يغسل به أسنانه، ثم عصر المسواك أمام الشيخ الغزالي، فتقزز الغزالي من هذا الصنيع، فقال للشاب: ما هذا؟
فقال الشاب يريد بذلك إسكات الغزالي: إنه سنة!
فقال الغزالي: والاستنجاء كذلك سنة، هل معنى ذلك أن تتبول لي في المدرج!
وكان يحاضر في محاضرة فاستشهد برأي للإمام محمد عبده، فقال له أحد الطلبة معترضا: محمد عبده ليس إماما، ولا ينبغي أن نطلق عليه لفظ إمام،
فقال الشيخ الغزالي: محمد عبده مش إمام يبقى مأموم إذن!
ثم قال له: يا بني في الوقت الذي كان أجدادك يتبركون بالشجر والحجر، كان الإمام محمد عبده يكتب (رسالة التوحيد).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق