السبت، 28 مايو 2016

محمد الغزالي وفن السخرية والفكاهة (2)

 محمد الغزالي وفن السخرية والفكاهة (2)

عصام تليمة
أقرأ أيضاً

الغزالي وفن السخرية والفكاهة(1)


كان
 الشيخ الغزالي كثيرا ما يستخدم أسلوبه الساخر في الرد على خصومه، ومن مواقفه في ذلك: أن شابا وقف يناقش الغزالي قائلا: إن أبو النبي صلى الله عليه وسلم في النار، واستشهد الشاب بالحديث الذي رواه مسلم في صحيحه: "إن أبي وأباك في النار".

 وظل الشيخ الغزالي يقنع الشاب برأيه فلم يقتنع، فقال له الغزالي: ولكني قرأت حديثا آخر يعارض هذا الحديث. 
فقال الشاب: ما هو؟
قال الغزالي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا"!
 فقال الشاب: إنها آية وليست حديثا؟
فقال الغزالي: ولكني جعلتها حديثا لأنكم لا تهتمون إلا بالأحاديث!

ومن الأشياء التي تجعله يضطر إلى الجواب عنها بسخرية: ما يراه من ضعف علمي، أو غباء لدى بعض طلبة العلم الشرعي، أو خريجي الأزهر، والمعاهد الشرعية، فهذا أمر يضيق به الشيخ الغزالي بشدة، وقد حدث أن أعلنت وزارة الأوقاف المصرية عن طلبها لأئمة لمساجدها، وأعلنت عن مسابقة يجري فيها امتحان للمتقدمين لشغل هذه الوظائف، وكان من بين المتقدمين شاب تخرج من الأزهر، ويبدو أنه كان ممن نجحوا ولا يستحقون النجاح في شهادته، فقد كان ضعيفا في مستواه العلمي بصورة فاضحة وفجة، فسأله الشيخ الغزالي رحمه الله: هل تحفظ القرآن الكريم؟ قال: نعم، ولكني نسيته.

قال له الغزالي: ألا تذكر منه شيئا؟!
قال: لا.

قال الغزالي: فهل تحفظ شيئا من السنة النبوية؟ قال: نعم.

 فقال الغزالي: قل لي حديثا مما تحفظ؟
فقال الشاب: يقول صلى الله عليه وسلم: "اصبروا تَنُولوا".

فنظر إليه الغزالي نظرة كلها سخرية، وظاهره الثناء على الشاب، ثم قال له: الحديث ناقص يا أحمق، وليس بهذه الرواية، ونصه الصحيح: "اصبروا تنولوا، واهتفوا وقولوا: مصر للسودان، والسودان لمصر"!! قم أيها الأحمق اخرج.

وقد حضر في مرة من المرات في مجلس إداري في إحدى الجامعات العربية، ليؤسسوا قسما للبنات، فجلس مجلس إدارة الجامعة يناقش شروط الأستاذ الذي سيدرس البنات، وكان من بين الحاضرين الشيخ الغزالي، وكان معظم الحاضرين ممن يميلون إلى التحوط والتشدد في قضية لقاء المرأة بالرجل، حتى وإن كان معلما للطالبات، فجلسوا يطرح كل منهم الوسيلة الفعالة لتجنب أن يواجه المعلم البنات الدارسات، فاقترح أحدهم: أن يكون المعلم في غرفة والطالبات في غرفة أخرى.
فرد عليه: بأنه من الممكن أن تخرج البنات من الغرفة المخصصة لهن، ولا يدري أحد بذلك، ويكون المعلم يتكلم ولا يوجد أحد.
فاقترح آخر: بأن نضع ستارة سميكة أمام المعلم بحيث لا يراهم ولا يرونه، ولكنه يشعر بحركتهن.
فرد عليه: بأن هذا الأمر ـ تربويا وعلميا ـ لا يناسب الجو العلمي المنشود.
فاقترح ثالث: أن يصحب المعلم عند ذهابه للمحاضرة زوجه معه للحضور، ويواجه بذلك البنات.
فرُدَّ عليه: بأنه ربما كان المعلم مسنا وزوجه قد ماتت، أو يكون متزوجا ولكنه زوجه في بلده التي قدم منها، أو مريضة.
وجلس الشيخ الغزالي يستمع لكل هذه الاقتراحات وهو يتميز من الغيظ، ثم أشار بيده، وقال: عندي اقتراح يمنع هذه الفتنة تماما، ويريح رؤوسكم، ويقضي على كل شبهة لديكم، وهو حل ناجع لا مثيل له.
فقالوا: ولماذا أنت ساكت يا شيخ غزالي، قل اقتراحك هذا.
فقال: أرى أن نأتي بالمعلم الذي سيدرس للبنات، ثم نقوم له بعملية (إخصاء)، حتى تموت الشهوة والفتنة التي سيطرت على أفكاركم وعقولكم، وبذلك نستريح وتستريحون جميعا من هذا المرض!!

وبالطبع لم يكن يقصد بذلك الشيخ الغزالي إلا السخرية من هذا التشدد في عملية أبعد ما يكون فيها الفتنة والشهوة، فالمعلم الذي سيشرح لمائة طالبة الإسلام والشريعة، كيف يفكر في المادة العلمية التي يتناولها، ولو سرح ببصره للحظة عابرة نحو أي فتاة جالسة، لضاع الموضوع من رأسه كاملا، ولانكشف أمره، ثم هو رجل بين عدة نساء.

وربما يطلق الغزالي النكتة أو السخرية لشدة غيظه مما يلقى عليه من سؤال يدل على تفاهة السائل، أو عدم مراعاة أولوية الوقت، ففي مدينة كبيرة من قُطْر إسلامي رأى شبابا مسلمين يمشون حفاة إلى المسجد! فلما سألهم أحد المراقبين عما يفعلون قال قائلهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يمشون إلى المسجد منتعلين أحيانا، وحفاة أحيانا، فأحببنا أن نحيي سنتهم ونقتدي بهم!

وبلغ الخبر الغزالي مع طلب الفتوى! يقول الشيخ الغزالي: فقلت للسائل: ربما استطعت الإجابة عن أشياء يفكر الناس فيها بأدمغتهم! أما ما يفكرون فيه بأرجلهم فلا أستطيع إجابة عنه!

وكانت تعليقاته الساخرة تضفي لونا من الفكاهة التي تعلم القارئ، فإن من أهداف الفكاهة ولا شك: تعليم الإنسان في لون فكاهي ومن ذلك: أنه كان يسخر من المتشددين في قضية المرأة وصوت المرأة، وأنه عورة وينبغي ألا يظهر لا في خير ولا شر، وكان الغزالي يتبنى القول بعدم عورية صوت المرأة، بضوابطه الشرعية المعروفة، وقد كان يناقش بعض من يتشدد في هذه القضية، فاستشهد الشيخ الغزالي بامتحان المؤمنات المهاجرات الوارد في سورة الممتحنة في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن) الممتحنة: 10، ثم يقول الشيخ الغزالي: أظن سيقول لي المتشددون: إن الامتحان هنا امتحان تحريري وليس شفهيا!!

رحم الله الغزالي الضاحك الضحوك، ونسأل الله عز وجل أن يحشره ضاحكا مستبشرا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق