الأربعاء، 18 مايو 2016

لا أحد يأخذ فيها غيرك


لا أحد يأخذ فيها غيرك


 وائل قنديل

يريد عبد الفتاح السيسي "سلاماً أكثر دفئاً" مع إسرائيل، يطرح نفسه في الأسواق، عبوة أقل كلفة وأرخص سعراً من أنور السادات، معلناً رغبته في أن يكون سمساراً لتوسيع "عملية السلام" وتسخينها، بحيث تشمل الجميع.

"لا نسعى إلى أي دور ريادي"، هكذا يلخص السيسي الموضوع كله، هو فقط وسيط للعملية، لننتقل من "سلام الشجعان"، بتعبير ياسر عرفات، إلى "سلام الغلمان" بمنطق السيسي.

قبل أيام، كان الجنرال يخطب ‏"البلد دي بلدنا كلنا، وكلنا لازم ناخد فيها بما يرضي الله وبالقانون...". والآن، يذهب بالمعادلة إلى ما هو أبعد وأوسع، ولسان حاله يقول "العملية، عملية السلام، لنا كلنا، وكلنا لازم ناخد فيها بما يرضي الله وبالقانون".

الدوافع هي نفسها التي وضعت أنور السادات في طائرة إلى "الكنيست ذاته"، وضع داخلي مأزوم، واحتقان متصاعد للغضب، وغليان في الصدور، كل ذلك جعله يبحث عن طوق نجاةٍ خارج الحدود، مرتمياً في الحضن الإسرائيلي الدافئ.

الخطورة، هذه المرة، أن من يحكم في القاهرة الآن ليس خصماً لدولة الاحتلال الصهيوني، بل يسلك، في أحيان كثيرة، وكأنه أكثر تحمساً للمصالح الإسرائيلية، على نحو يُحرج الإسرائيليين أنفسهم، حتى أن الباحث الفلسطيني، صالح النعامي، نقل، أمس، تصريحاً مترجماً لمعلق صهيوني، يدعى بن كسبت، يكشف فيه أن السيسي "استمتع عندما كانت إسرائيل تدمر بيت كل قائد في حماس في أثناء الحرب الأخيرة، وهذا ما جعله يرفض التوسط لوقف الحرب".

قبل أكثر من عامين، كتبت، في هذا المكان، أن نظاماً أقيمت الأفراح في تل أبيب ابتهاجاً بوصوله إلى السلطة انقلاباً لا يستقيم، منطقاً ولا تاريخاً، أن يكون طرفاً في إنجاز مصالحة فلسطينية، هي مصلحة قومية ضرورية بالأساس.

من هنا، يجدر بنا أن نضع أيدينا على قلوبنا، حين يعرض عبد الفتاح السيسي خدماته للعب دور الوسيط، وليس الرائد، في لعبة المصالحة الفصائلية الفلسطينية، فالثابت أن فصائل المقاومة تدرك أن هذا آخر شخص يمكن أن يهتم بمصلحةٍ فلسطينية، أو عربية، فضلاً عن أنه لا يجتهد، ولا يأتي بشيءٍ من عندياته، بل يردّد ما يُملى عليه، مع ملاحظة أن هذا النشاط المفاجئ في تدفئة "العملية" يأتي بعد الإعلان عن حضور وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، إلى القاهرة الأربعاء.

لا يخاطب السيسي شعباً فلسطينياً، أو عربياً، هو لا يعترف بكيان اسمه "الشعب" مثل أي مستبد، بل وجهته وقبلته، دائماً، شعب الاحتلال الإسرائيلي.
ولذلك، يطلب من الحكومة الإسرائيلية أن تذيع كلامه للإسرائيليين، مرة واثنتين وثلاثاً، تماماً كما كان أنور السادات يفعل ويقول، باحثاً عن النجومية الزائفة لدى جمهور الاحتلال، غير أن الكارثي، هنا، أن سلام السيسي أخطر من سلام السادات، فالجنرال الصغير لا يمانع في اللهو بالخرائط، والعبث في الحدود التاريخية، بحيث لا يصبح مستبعداً أن تدخل أراضي سيناء لعبة "البوكر" الجديدة التي يريد أن يكون "الديلر" الوحيد لها، ولا يمكن إهمال موضوع جزيرتي تيران وصنافير، في هذا الصدد، إذ تؤسس هذه الخطوة المجنونة إلى عقيدةٍ جديدةٍ حيال مفهوم الأرض، بما ينزع عنها القدسية، ويحولها إلى سلعةٍ قابلة للتداول، والتبادل.

الخطورة الحقيقية في موضوع "تيران" و"صنافير" أنه محاولة لهتك هذا السياج الأخلاقي والقيمي بشأن "الأرض"، لتتحول من معنى ومفهوم خاص بالسيادة والكرامة والشرف الوطني إلى مجرد وجهة نظر، أو فرصة للاستثمار، بحيث إذا مرّت مسألة الجزيرتين يكون هذا تدريباً، نفسياً وذهنياً، على منطق المقايضة على الأرض، في محطاتٍ ومواقف أخرى، الأمر الذي لا نستبعد معه أن نصحو على كوابيس مزعجة، مثل التسريبات والتلميحات التي تفوح منها روائح "سايكس بيكو" جديدة كلياً، تتبدّل فيها الخرائط والمصائر، من سيناء إلى النقب إلى غزة.

يقول السيسي، فاتحاً المزاد، إن "هناك فرصة كبيرة للسلام اليوم لو اغتنمناها سنرى العجب"، وأظن أنه من العار أن تباع المصائر والثوابت والمقدسات في هذا المزاد المشين. وعار على العرب أن يأخذوا في عملية السلام على الطريقة السيسية، فلا أحد سيأخذ فيها غيره.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق