أحمد عمر
أزعم وأدعي أن تنظيم الدولة الإسلامية تنظيم علماني وأممي، وخود نفس، وهو أكثر علمانية من تنظيم الدولة القرداحية الطائفية العصبوية المتسلطة في سورية وسائر المشرق وخود نفس، وذلك بعد عرضها على تعريفات العلمانية الشاملة والجزئية وتفريعاتها وأصنافها، التي اجتهد عبد الوهاب المسيري في نحتها وصرفها، وهو برأيي أهم المفكرين العرب والمسلمين الذين اشتغلوا على العلمانية، أشهر تعريف للعلمانية هو الفصل بين الدين والدولة، مقلوبه في رياضيات تنظيم الدولة: هو الدمج التام بين الدولة والشريعة، وليس الدين. الفرقة الناجية صارت الدولة الناجية!
تنظيم الدولة يسعى إلى فردوس أرضي، والفردوس الأرضي واحد من أحلام العلمانية الشاملة التي هي دولة التقدم الشيوعية في الاتحاد السوفيتي أو الراسمالية في أمريكا أو النازية التوسعية في ألمانيا...
وجند تنظيم الدولة، الذين قال عنهم المنصف المرزوقي إنهم ثلاثة أصناف، ولعلهم كذلك لكنها أصناف غير متساوية، ففيهم المتدينون والمتشددون المخلصون، الذين يقومون بعمليات انتحارية سعيا للجنة، وفيهم رجال مخابرات ومدسوسون، وفيهم مجرمون غيروا لباسهم، ولباس التقوى خير.
وحسب شهادات من أصدقاء عاشوا مكرهين في ظل الدولة الإسلامية الفردوسي الشمولي، فإن جندها يمحضون لذة ما بين اللحيين، لذة ما فوق الزنار وما تحته جهدهم وجهادهم، المثل الإنكليزي يقول: بوسع الشيطان أن يقتبس من الكتاب المقدس، وبوسعه أيضا أن يوظفه لأهدافه.
-ومن علامات علمانيتها: علامة السرعة القصوى، فهي إحدى علامات الأنظمة العلمانية المعاصرة التي تريد أحلامها الآن وفورا. تنظيم الدولة انبثق فجأة مثل نيزك هبط على الأرض!
-الدولة تعادي الخصوصية. يرى المسيري أن الثقافة الأوروبية والشيوعية شمولية ومعادية للفردية، التي يزعم زاعمون أنها مقدسة في الغرب، لكنها ناعمة في أوروبا ومقنّعة، أما في الشيوعية فكانت مكشوفة وسافرة، فالدواعش يتجسسون على الرعية، النساء خاصة، سعيا وراء إقامة الحدود، منذ أسبوع أقاموا حدودا على نساء يرتدين أزياء البيت في دورهن بعد التجسس عليهن من سيارة مرتفعة! أما حدود الدولة، فهي مثل حدود الدولة الدينية المجاورة إسرائيل، غير محدودة، والتي تمتد بين الفرات والنيل!
- ومن علامات دنيويتها وعلمانيتها أنها تسعى إلى تخفيف عذاب القبر عن رعاياها، الذي كان السلفيون يخوفون به المسلمين في المساجد، بتحقيق العذاب جلدا أو صبرا في الحياة الدنيا، لتسهيل دخولهم الجنة من غير حساب ولا عذاب، السرعة السرعة السرعة، الآن وهنا. نذكر بسورة النصر التي تقول: وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.
-وهم أيضا علمانيون مثل الفرقة الشيعية التي تنتظر المهدي وملت الانتظار، شروط حضور المهدي المنتظر هي دماء كثيرة، إذن لنذبح له البشر قرابين حتى يحضر سريعا ويحقق الأمنيات. فهو مثلها يعمل على برنامج الموجات القصيرة، وتحقيق الفردوس الأرضي. المهدي المنتظر يقابله الخليفة العادل الراشد وكلا الفريقين عندهما نصوص يفسرها حسب هواه وكان أمر كل فريق فرطا.
وهم يختلفون عن السلفيين، وهم طائفة من علمانيي المسلمين وحلوليهم، يعطون ما لقيصر لقيصر وما للسيسي للسيسي وما للأسد للأسد، وما لله لله، ليس هذا محل الحديث عنهم، في أنهم يجمعون الحسنات على عداد آخر غير عداد التسبيح والاستغفار، بل على عداد الرؤوس.
-التعصب حسب المسيري هو في جوهره ظاهرة علمانية (العلمانية السوفيتية، علمانية ألمانيا النازية الشمولية، علمانية جورج بوش وأمريكا بعامة، علمانية الرئيس الفرنسي الذي غزا مالي السيد هولاند)، فالمسلم الذي يتعصب ضد المسيحيين لا يلتزم بتعاليم دينه، بل هو لا يعرفها غالبا، الزي والراية عند داعش تجبّان ذنوبه كلها جبا. المتعصب المسلم لا يرى مهمته الاستجابة لقوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ"، وإنما التمتع بامتيازات خاصة، والمتعصب في النهاية يصبح مرجعه ذاته، واقفا عند نصوص حرفية يفسرها حسب هواه.
ليس لداعش مرجعيات دينية معروفة، داعش ليس لها علماء وفقهاء نعرفهم، ليس لهم مؤلفات ومصنفات، ولا برامج حوار بالحكمة والموعظة السحنة أو حتى غير الحسنة.
الحوار تحت ظلال السيوف، فقط صور دامية وأفلام من إنتاج شركة أمير المؤمنين البغدادي هتشكوك، الذي يلقي الرعب في قلوب المسلمين قبل الكافرين. ذبحوا أطباء لأنهم اطلعوا على عورات النساء، فهرب أطباء مدينة مارع خوفا منهم!
التعريف العلماني للآخر يتم من خلال صفات مادية وبيولوجية كامنة هي: عرق، أو طبقة، أو لون جلد أو عين أو لسان أو شفتان، عند داعش تصير زيا وجدائل وراية سوداء وكنية لأحد الصحابة.
نذكر بأن أسماء الصالحين في الأفلام الأميركية الأولى كانت بيورتانية، أما الأشرار فكانت أسماؤهم أوربية، وأن أسماء اليهود الوافدين إلى أرض الحليب والعسل كلها صارت توراتية..
أسماء كتائب غزاة فيتام الأمريكان كانت مقتبسة من الإنجيل! أما الشاعر الداعشي الحداثي أدونيس فاقتبس له اسما من الأساطير الإغريقة!
-ومن مظاهر علمانية داعش "الأيقنة" الوثنية، نذكر بأيقنة الهولوكوست، وأيقنة مذابح الأرمن، التي لا يني الغرب ينبشها ويهدد بها تركيا، وأيقنة حقوق الأقليات والمرأة والمثليين. وحقوق الأقليات بعامة. علمانية داعش تتمثل في أيقنة فترة الرسالة النبوية، واعتمادها برنامجا ومنهاجا متبعا.
-ومن تلك العلامات التمركز حول الأنثى، لكن بالمقلوب، فإذا كان الغرب يعتمد مقياس المساواة مع الأنثى لقياس التحضر، فإن داعش تقوم بذلك بشكل معاكس.
-ومن تلك العلامات العلمانية: إنكار التاريخ، لاحظ المسيري أن العلمانيات الشمولية كلها تنكر التاريخ ويذكر بمقولة نهاية التاريخ عند فوكوياما، وإنكار التاريخ لدى أمريكا في حذف حضارة الهنود الحمر، وإسرائيل بمحو تاريخ فلسطين. داعش يقوم بتثبيت التاريخ وتجميده وتحنيطه. جوهر كل فكر فاشي هو إنكار الزمان.
-داعش فكرة انقلابية مثل البعث العلماني، الذي يعرف الثورة في أدبياته بأنها عمل انقلابي، يشبه كثيرا النظام المتسلط على سورية.
-هذه أفكار عامة في تشابه تنظيم الدولة مع زميلاتها العلمانيات وهي تتشابه مع أمريكا وإسرائيل في غزوها لمناطق "بكر" غنية وتأسيس دولة مثالية فردوسية، دولة الحليب والعسل و.... الشريعة.
الشريعة واحدة من أسباب العدل في الدين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق