الأحد، 17 يوليو 2016

مزحة اتهام الرئيس مرسي بالتخابر

براءة د مرسي من تهمة التخابر

بادرت اثر نشر اتهام د مرسي رئيس الجمهورية بالتخابر المقال التالي


السفير ابراهيم يسري

مزحة اتهام الرئيس مرسي بالتخابر

السفير ابراهيم يسري

في حدث مؤسف في تاريخ مصر و قضائها ، صدر اليوم 16 يونيو 2015 الحكم في الدعوي بتهمة التخابر،وقد اثارتني المقدمة السياسية المنحازة التي قراها رئيس المحكمة، و التي تضع تصورا غير مقبول للوقائع ن و التي اعتبرت احداث 30 يونيو ثورة قام بها الشعب هي التي عزلت الرئيس محمد مرسي و خرج من ذلك بان المحكمة لها الولاية في نظر الدعوي لزوال صفة الرئيس عنه، و سامسك عن التطرق الي التفاصيل لوضوح الصبغة المسيسة .

يدفعني الي ذلك ما رصدته من جوانب البطلان و الخلط الواضح في تفسير و تطبيق القانون ، و انتهاك الاعتبارات الدستورية و قواعد القانون الدولي المعاصر ، لما جد من تطورات هامة علي الساحة الدولية .

و نبدأ بملاحظة هامة
أن قانون العقوبات الذي يستند اليه هنا الي قانون العقوبات الصادر سنة 1940 كان غائبا عن البعد الدولي ، حيث لم تكن الحرب محرمة و نص ميثاق الامم المتحدة علي عدم جواز استخدام الدول للقوة لحل خلافاتها و اعطي لمجلس الامن هذا الحق وفقا لاحكام الفصل السابع منه .

و من ذلك ان قانون العقوبات نص علي أنه يعاقب بالاعدام كل مصري التحق باي وجه بالقوات النسلحة لدولة في حالة حرب مع مصر ، قبل ان يحرم الميثاق حالة الحرب و الحرب ذاتها.

كما ينص علي انه يعاقب بالاعدام كل من سعي لدي دولة اجنبية معادية او تخابر معها او مع احد ممن يعملون لمصلحتها لمعاونتها في عملياتها الحربية او للاضرار بالعمليات الحربية ضد الدولة المصرية و علي ان يعاقب بالسجن اذا ارتكبت الجريمة في زمن السلم و بالاشغال الشاقة المؤقتة اذا ارتكبت الجريمة في زمن الحرب وهي مفاهيم قديمة جبتها قواعد القانون الدولي المعاصر.

وطبقا لقانون العقوبات فاذا وقعت الجريمة بقصد الاضرار بمركز البلاد الحربي او السياسي او الدبلوماسي او الاقتصادي او بقصد الاضرار بمصلحة قومية كانت العقوبة الاشغال الشاقة المؤقتة في زمن السلم و الاشغال الشاقة المؤبدة فيزمن الحربوهما تعبيران فقدا معناهما في ظل ميثاق الأمم المتحدة

وفي هذا السياق قللت محكمة النقض مفهوم الاسرار فقضت أننهإذا أثبت الحكم على المتهمين أنهما كان يضطلعان بنقل معلومات و بيانات هى بطبيعتها و فى الظروف التى أبلغت فيها من أسرار الدفاع الحقيقية لا الحكمية فإن الإستناد إلى قرار مجلس الوزراء الصادر فى 12 يوليه سنة 1951 الذى بين طائفة من الأسرار الحكمية المشار إليها فى المادة 85 من قانون العقوبات لا يكون له محل .

الأسرار و العدو

و الأمر الخطير الذي يجب تحديده و البحث عنه هو معني كلمتي الاسرار و العدو الواردتين في هذا القانون .

الأسرار

في عصر العولمة و ثورة الاتصالات تضاءل محتواها و حجمها و تعتبر وكالة المخابرات الأمريكية أن السرية لا تتعدي نسبتها 5% و تتعلق بالخطط المستقبلية و بخطط الاطاحة ببعض الآنظمة و تصفية بعض الأشخاص.

و علي سبيل المثال اصبح من المتاح الحصول علي تسليح اي دولة و خطتها من الدول من معاهد متخصصة في امريكا و بريطانيا ، واصبح في متناول الميديا كشف صفقات الأسلحة التي تعقد بين الدول ، بل اصبحت بعض شركات انتاج الجيل الأكثر تقدما تسمح بكشف القدر الأكثر من الأسرار حتي قبل انتاج الأسلحة بكل انواعها .

و من ذلك ما نشر في الأعوام القليلة الماضية عن مكانة و تسليح الجيش المصري من مصادر غير مصرية فقد تناولت الميديا هذ الموضوع :

يحتل جيش المصري المرتبة الـ 13 عالميا في تصنيف أقوي جيوش العالم. و يمتلك الجيش المصري عدد 890 مدفع ثقيل ويحتل المركز الثامن بين جيوش العالم فى امتلاك هذا النوع من الأسلحة ، وعدد 4768 دبابة ويعتبر سادس جيش في العالم من حيث عدد الدبابات .وعدد 18990 مدرعة ويعتبر الجيش المصري و 1100 طائرة حربية ويحتل المركز الثامن في امتلاك الطائرات الحربية , وعدد 359 مقاتلة جوية و 345 مقاتلة اعتراضية ويحتل المركز الخامس عالميا في امتلاك المقاتلات .وعدد 237 قطعة بحرية مقاتلة .

وايا كانت مدي مصداقية هذه البيانات ، فيمكن للباحث المتابع للامور العسكرية و الاقتصادية الحصول علي احدث المعلومات عنها من المعاهد المتخصصة ومن نشراتها دون صعوبات مانعة.

وترتيبا علي ذلك توارت اوصاف و معاني أصبح الحديث عن الأسرار ينحصر في قدر ضئيل يتعلق في غالب الأمر ببعض الخطط المستقبلية وهو امر يتضاءل يوما بعد يوم .

أنه لا يتصور ان تكون لدي مصر أسرارعسكرية يصعب كشفها ، و لا ننسي ان كل تسليحنامعروف و ومكشوف و يأتي من دولة واحدة هي أمريكا فضلا عن التجسس بالآقمار الصناعية و التنصت علي كل المكالمات بلا استثناء.

ان هناك تكاشفا و تعاوننا في كافة الانشطة السرية بين أجهزة المخابرات العسكرية و العامة فضلا عن وزارات و اجهزة الدولة .وان القاهرة تستضيف مكاتب كبيرة لكل من الCIA و ال FBI يديرها أعدد كبيرة من الأمريكان .و يمتد هذا التعاون لبعض دول الإتحاد الآوروبي.

من هوالعدو:

لا يخفي علي احد ان هذا التعبير يزداد غموضا في المجتمع الدولي ، و اصبح مدلول كلمة العدو أمر اجتماعي او ثقافي أو طائفي أو شخصي ، ففي مصر لا يبدو ان لها أعداء بالمعني المعروف دوليا، كما انه بعد توقيع اتفاقية السلام لا يتسني اعتبار اسرائيل عدوا.

معني التخابر في العلاقات الدولية

أن قواعد القانون الدولي العرفي و التي جري تقنينها في منتصف الفرن الماضي ، والمعروف أن قضاء محكمة النقض قد استقر علي اعمال قواعد القانون الدولي الآمرة jus cognes وقد اوردت كتب الفقه المصري علي سبيل المثال انها قضت بالالتزم بتنفيذ قاعدة عرفية من احكام القانون الدولي وهي منح الحصانة للبعثات الدبلوماسية قبل ان تقنن ذلك اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية .

ان هناك مفاهيم جديدة ينبغي ان تؤخذ في الاعتبار و تتمثل فيما يعرف بالمعاهدات الشارعة law making treaties أو traits-lois وهي تلزم جميع الدول المنضمة و غير المنضمة وتسمو علي تشريعاتها الداخلية ، مثل اتفاقيات فيينا لقانون المعاهدات و للعلاقات الدبلوماسية و البعثات القنصلية و اتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار و اتفاقية جنيف الرابعة و بروتوكولاتها ، و الجرائم ضد الانسانية التي عرفتها المحاكم الدولية من نورنبرج الي طوكيو الي رواندا الي نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية .

وقديما كان رئيس الدولة يمارس هذه الاختصاصات بنفسه دون غيره من المسئولين في دولته ثم لجأ مع زيادة نشاط العلاقات الدولية الي الإستعانة بالمبعوث الخاص و السفراء ووزارات الخارجية .

يتضح مما سبق ان الرئيس هو الممثل الوحيد للدولة ولا تسري المعاهدات الدولية الا بعد تصديقه عليها بعد استيفاء الإجراءات الدستورية في بلاده ، غير أن التزام الدولة بما يوقع عليه رئيسها يبقي قائما حتي لو تجاوز اختصاصاته الدستورية في بلاده و لا يقبل الاحتجاج بعدم نفاذ الاتفاقية لانه وقعها دون الإلتزام بقواعد الدستور الداخلية .

و عليه فان المتخابر الأول وفقا للدستور و المتصل الأكثر هو رئيس الدولة ووصل الأمرفي التخابر و الاتصال الي ان تجري تفاهمات و مواءمات بين رئيسين بمفدهما دون اي عضو من أعضاء حكومتهما بما فيهم السفراء.

وعليه فن اتهام رئيس الدولة أمر خارج عن التصور و لا يمكن افتراضه ولا دافع للرئيس ان يسلكه لأنه ضد مصلحته الشخصية و مصداقيته .كما أن مسئولية الرئيس عن مثل هذه الأفعال هي مسئولية دستورية سياسية في المقام الأول و ليست مسئولية جنائية خاضعة لقانون العقوبات ، و قد حدد الدستور اليات توجيه الاتهام للرئيس و شروطه و تشكيل المحكمة التي تنظر الاتهام .

و من هنا يصبح اتهام رئيس الدولة بالتخابر مزحة سخيفة تدور في مجالات تسوية حسابات سياسية و شرعنة خلع رئيس منتخب.

و يكون الحكم منعدما و باطلا بطلانا كاملا ولا يرقي للاحكام القضائية و انما يختفي وراء الاعتبارات السياسية في ايامنا هذه يتم تنحية القانون جانبا ويتم

تناول الأمر تناولا سياسيا بعيدا عن مجال القانون .


السفير ابراهيم يسري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق