الخميس، 21 يوليو 2016

حرب المساجد

حرب المساجد

آيات عـرابي

صورة سيلفي، يبدو فيها ضابطان يرتديان زي الجيش المصري، ويقفان مبتسمين، خلفهما يبدو المسجد المحترق فاغرا فاه يوشك أن يلتهمهما.

بيت الله المحترق في رابعة، الذي سودت المليشيات وجهه بقنابل الغاز وطلقات الرصاص، بدا حزينا غاضبا ينظر بذهول لآثار المذبحة التي ارتكبت أمامه منذ لحظات. 

دخلت الغربان السوداء محملة بالبنادق، تسير خلفهم الجرافات التي انتصرت على جثامين الشهداء المكفنة. 

علامات السرور الشيطاني ارتسمت على وجوه الغربان المتشحين بالسواد، بدت على وجوه بعضهم لذة إبليسية، فهم استخدموا بنادقهم بعد عقود من الصدأ

الحربُ اشتعلت طوال النهار، وأعمدة النيران اخترقت لحم العدو، أخيرا حاربوا وانتصروا. 

حرب من طرف واحد على عدو أعزل لم يملك سوى زخات من الحجارة يلقيها على غربان سوداء مسلحة بكل شيء. 

القوات تقتحم المسجد، المعركة تشتد، جثامين الجرحى تخترقها المزيد من أعمدة النيران. 
بعض الضباط تأخذه الحماسة، فيحرق غرفة بمن فيها. يتصور وجه خطيبته عندما يحكي لها لحظات حرق المستشفى الميداني وعلامات الانبهار التي لا بد أنها سترتسم على وجهها. 

تذكر مشهدا من أحد أفلام رامبو وهو يطلق رصاصاته داخل العيادة، هناك أجساد راقدة تنزف، الآن سيرسلهم إلى الآخرة. ليت خطيبته تراه وهو يحرق الغرفة بما فيها من أجساد.

رائحة الدماء الطازجة تختلط برائحة اللحم المشوي، انطلق يركض حيث واجهة المسجد. 

معركة سيسجلها التاريخ، هكذا قال لنفسه. 

مروحيتان تراقبان المعركة من السماء. 

ألسنة اللهب المستعرة تتعالى من أرض المعركة حاملة روائح الشواء. 

يتناول الطيار قطعة من البسكويت الجاف، ويمسك بجهاز اللاسلكي ليلقي تقريره. 

صوت جنرال يرتدي الزي العسكري في غرفة العمليات يهتف: قواتنا حققت كل أهدافها، واستطاعت تدمير العدو، وأحرقت المسجد. 

حالة من السرور سيطرت على الجميع في غرفة العمليات. 

أحد الجنرالات يتحدث بجدية وبصوت خشن: في المرة القادمة لا بد من استخدام القوة الجوية بشكل فعال. 

بعد يومين ستمطر المروحيات متظاهري رمسيس بالرصاص. 

حالة من النشوة تسيطر على الطيار، يرى رصاصاته تخترق الأجساد الطرية وتُسقط الكثيرين، يضحك كثيرا من مشاهد الفوضى التي أحدثتها رصاصاته في صفوف العدو المحتشد بجانب المسجد. 

الجميع يركضون في كل اتجاه، يرتفع هو بطائرته، وسرعان ما تختفي تلك المشاهد، لتحتل رأسه مشاهد المطعم الذي سيسهر فيه الليلة مع أسرته. 

يتذكر أن يلقي تقريره لقيادته. 

يرفع جهاز اللاسلكي إلى فمه، يتحدث إلى قيادته: تم تدمير العدو، وقوات الجيش والشرطة تقتحم المسجد الآن. 

في غرفة العمليات، الجميع يراقب عملية اقتحام المسجد، قطعان الجيش والشرطة تسد المداخل، البلطجية يتسللون إلى مداخل المسجد تحت حمايتهم. 

في غرفة العمليات أحد الجنرالات يقول لشاويش الانقلاب: لم نقتحم المسجد، تركنا البلطجية يقتحمونه، الأسلوب ناجح ومجرب في صابرا وشاتيلا، قوات شارون وقتها تركت قوات الكتائب المارونية تقتحم المخيم. 

يبتسم الشاويش في رضا قائلا: أهم شيء أن تسكتوا أصوات المساجد. 

جنرال آخر في غرفة العمليات يشرد قليلا، ويتذكر تلك اللحظات السعيدة التي أشرف فيها على معركة اقتحام مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية. 

بعد ثلاث سنوات، ستعثر سلطات التحقيق التركية على مراسلات بين الجنرالات الانقلابيين في محاولة الانقلاب الفاشل جاء فيها: "لابد من إسكات أصوات المساجد". 

الشاويش يمسك بنظارة الميدان، يشاهد الضباط وهم يمسكون بأسلحتهم ويصوبونها إلى ماكيت المسجد. 

يشعر بالفخر، جنرال آخر في الصف الثاني ينظر إلى مشهد الضباط وهم يطلقون النار على ماكيت المسجد، هذا هو الجيل الجديد الذي سيستلم الراية، يبتسم لنفسه في راحة، لقد علمناهم جيدا من هو عدوهم. 

شاويش الانقلاب يشاهد عملية إطلاق النار في استمتاع وهو يتذكر تفاصيل معركة رابعة، وصور حرق المسجد بعد حرق جثامين الشهداء، يشعر بالاستمتاع. 

يتذكر الانقلاب الفاشل في تركيا، وكيف أطلقت عناصر مدنية النار على ضباط الجيش، يتذكر مشاهد الجنرالات المكبلين منكسي الرؤوس، فيسود وجهه، ويدرك أن المعركة ما تزال دائرة. يشرد ويتصور المصريين وهم يقلدون الأتراك، يرى نفسه مكبلا بالأغلال مضروبا، ويده مربوطة خلف ظهره، ويد غليظة ما تدوس على رأسه فتنكسه. 

يتصور الثوار في مصر وقد سيطروا على المساجد وأحبطوا خطط السيطرة والخطبة الموحدة، فيرتعش جسده رعبا، ويقول لنفسه لا بد من إسكات أصوات المساجد. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق