هل فتحت تركيا بابا للتطبيع مع إسرائيل؟
عبد الستار قاسم
كاتب وأكاديمي فلسطيني
الحقيقة الموضوعية
مآزق الأطراف
رفع الحصار
وضع حركة حماس
تتعرض تركيالانتقادات واسعة من قبل المعارضين للتطبيع مع الصهاينة بسبب توقيعها الاتفاق الأخير مع الكيان الصهيوني. يقول المنتقدون إن تركيا تفتح بابا جديدا للتطبيع مع الكيان، وهي تشجع الدول العربية والإسلامية على التطبيع أو الاستمرار به بالنسبة للدول المطبعة.
وعلى هذا يخلصون إلى نتيجة مفادها أن تركيا التي قالت إنها مع الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني تؤدي بهذا الاتفاق خدمة للصهاينة على حساب الشعب الفلسطيني.
أرى أن في هذا الانتقاد أمرين قد تم إغفالهما وهما:
1- تركيا لم تكن يوما ضد التطبيع مع الصهاينة، ومن المعروف أنها كانت ثاني دولة إسلامية تعترف بالكيان الصهيوني عام 1949 بعد إيران الشاهنشاهية، وبقيت تركيا ثابتة عند هذا الاعتراف وعملت على تطوير علاقاتها الاقتصادية والسياسية والسياحية مع الكيان، وطورت تعاونا في المجالين العسكري والأمني. ولم تتأثر العلاقات إلا منذ ست سنوات بسبب الهجوم الصهيوني على سفينة مرمرة التركية.
2- الفلسطينيون على المستويين الشعبي والرسمي هم أكثرهم تطبيعا مع العدو الصهيوني. وقد لحقت أغلب البلدان العربية بالفلسطينيين وبدأت تقيم علاقات تطبيعية مع هذا العدو. المستوى الرسمي الفلسطيني لا يخجل من إقامة علاقات أمنية مع الصهاينة، ولديه الاستعداد دائما لاعتقال فلسطينيين والتنكيل بهم دفاعا عن الأمن الصهيوني، وإذا كان لمعارضي التطبيع الذين أعتبر نفسي منهم أن يوجهوا سهاما ضد المطبعين فإنه يجب توجيهها نحو السلطة الفلسطينية أولا ونحو البلدان العربية ثانيا.
الحقيقة الموضوعية
ربط العلاقات الجدلية بعضها ببعض يشكل الأساس الأقوى للتوصل إلى النتائج الصحيحة، والكاتب أو السياسي الذي لا يعرف في العلاقات الجدلية أو طريقة ربطها لا يستطيع أن يصل إلى الاستنتاج الصحيح. حقيقة ساطعة أن تركيا عضو في حلف الأطلسي، والحلف مرتبط بطريقة أو بأخرى أمنيا وعسكريا بالكيان الصهيوني، وشئنا أم أبينا ترتبط تركيا بصورة مباشرة وغير مباشرة أمنيا وعسكريا بإسرائيل. الارتباط الأمني والعسكري أقوى بكثير من الارتباط الاقتصادي والسياحي، وليس من السهل فضه. وإذا كان لتركيا أن تفض التزامها الأمني تجاه الصهاينة فإن عليها الخروج من حلف الأطلسي، وما دامت تركيا تحافظ على عضويتها في الأطلسي فهي تحافظ على التزامها الأمني تجاه الصهاينة، وعلينا نحن ألا نفاجأ بتطبيع علاقات بعد ذلك
مآزق الأطراف
رفع الحصار
وضع حركة حماس
تتعرض تركيالانتقادات واسعة من قبل المعارضين للتطبيع مع الصهاينة بسبب توقيعها الاتفاق الأخير مع الكيان الصهيوني. يقول المنتقدون إن تركيا تفتح بابا جديدا للتطبيع مع الكيان، وهي تشجع الدول العربية والإسلامية على التطبيع أو الاستمرار به بالنسبة للدول المطبعة.
وعلى هذا يخلصون إلى نتيجة مفادها أن تركيا التي قالت إنها مع الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني تؤدي بهذا الاتفاق خدمة للصهاينة على حساب الشعب الفلسطيني.
أرى أن في هذا الانتقاد أمرين قد تم إغفالهما وهما:
1- تركيا لم تكن يوما ضد التطبيع مع الصهاينة، ومن المعروف أنها كانت ثاني دولة إسلامية تعترف بالكيان الصهيوني عام 1949 بعد إيران الشاهنشاهية، وبقيت تركيا ثابتة عند هذا الاعتراف وعملت على تطوير علاقاتها الاقتصادية والسياسية والسياحية مع الكيان، وطورت تعاونا في المجالين العسكري والأمني. ولم تتأثر العلاقات إلا منذ ست سنوات بسبب الهجوم الصهيوني على سفينة مرمرة التركية.
2- الفلسطينيون على المستويين الشعبي والرسمي هم أكثرهم تطبيعا مع العدو الصهيوني. وقد لحقت أغلب البلدان العربية بالفلسطينيين وبدأت تقيم علاقات تطبيعية مع هذا العدو. المستوى الرسمي الفلسطيني لا يخجل من إقامة علاقات أمنية مع الصهاينة، ولديه الاستعداد دائما لاعتقال فلسطينيين والتنكيل بهم دفاعا عن الأمن الصهيوني، وإذا كان لمعارضي التطبيع الذين أعتبر نفسي منهم أن يوجهوا سهاما ضد المطبعين فإنه يجب توجيهها نحو السلطة الفلسطينية أولا ونحو البلدان العربية ثانيا.
الحقيقة الموضوعية
ربط العلاقات الجدلية بعضها ببعض يشكل الأساس الأقوى للتوصل إلى النتائج الصحيحة، والكاتب أو السياسي الذي لا يعرف في العلاقات الجدلية أو طريقة ربطها لا يستطيع أن يصل إلى الاستنتاج الصحيح. حقيقة ساطعة أن تركيا عضو في حلف الأطلسي، والحلف مرتبط بطريقة أو بأخرى أمنيا وعسكريا بالكيان الصهيوني، وشئنا أم أبينا ترتبط تركيا بصورة مباشرة وغير مباشرة أمنيا وعسكريا بإسرائيل. الارتباط الأمني والعسكري أقوى بكثير من الارتباط الاقتصادي والسياحي، وليس من السهل فضه. وإذا كان لتركيا أن تفض التزامها الأمني تجاه الصهاينة فإن عليها الخروج من حلف الأطلسي، وما دامت تركيا تحافظ على عضويتها في الأطلسي فهي تحافظ على التزامها الأمني تجاه الصهاينة، وعلينا نحن ألا نفاجأ بتطبيع علاقات بعد ذلك
والحقيقة الثانية أن تركيا لم تغلق الباب أمام علاقاتها مع الكيان؛ هي أبقت الباب على مدى السنوات السابقة مواربا لكي تبقى فرصة الحوار مع الكيان قائمة. أي أنها لم تدر وجهها بعيدا عن الكيان بل أبقت ناظريها مسلطتين على إمكانية رأب الصدع الذي طرأ. تركيا لم تخرج الكيان من حساباتها، ووضعت شروطا لإعادة العلاقات إلى مجاريها. أي أن الاستعداد لعودة الأمور إلى نصابها بقي قائما.
والحقيقة الأخرى أن علينا ألا نتوقع أن يكون الأتراك أكثر فلسطينية من الفلسطينيين. من يطلب من الآخرين التضحية عليه أن يكون في مقدمة المضحين.
مآزق الأطراف
الأطراف المعنية مباشرة بما جرى بين تركيا والكيان هي غزة وتركيا والكيان، وواضح أن كل طرف يعاني من مآزق خاصة ويأمل أو كان يأمل في أن يتغلب الاتفاق على هذه المآزق:
غزة تعاني من مأزق خطير جدا ألا وهو الحصار الذي يطال مختلف تفاصيل الحياة اليومية والمدنية للشعب الفلسطيني في غزة. غزة في ضائقة شديدة جدا لأنها تفتقر إلى المياه الصالحة للشرب واللازمة للأعمال اليومية والبيتية، وتفتقر إلى الكهرباء التي لا غنى عنها لكل بيت في العالم.
الموسم صيف والحرارة شديدة في غزة، والناس لا يتمكنون حتى من استعمال المراوح. والضائقة المالية أيضا شديدة بسبب منع انتقال الأموال إلى القطاع، والعالم كله يراقب المصارف ويمنعها من تحويل الأموال. هذا فضلا عن النقص في الوقود ومستلزمات الحياة بصورة عامة. ولهذا كانت تنتظر غزة رفع الحصار الصهيوني لكي يتمكن الناس من التنفس. غزة مخنوقة صهيونيا وعربيا وعلى الأرجح من قبل فلسطينيين يحرضون باستمرار على إبقاء الحصار وتشديده.
أما تركيا فقد حشرت نفسها في زاوية عندما تخلت عن سياسة تصفير المشاكل. تركيا لا تتمتع بعلاقات طيبة مع جيرانها واستمرت هذه العلاقات بالتدهور منذ بداية الحراك العربي بخاصة في سوريا. هي تعاني من علاقات متوترة مع سوريا والعراقوإيران وروسيا وأرمينيا واليونان، وفقدت الكثير من تجارتها مع العديد من الدول، وفقدت أعدادا هائلة من السياح خاصة من روسيا ومن الكيان الصهيوني نفسه.
ومن الواضح أن الرئيس التركي أدرك أخيرا تبعات العلاقات المتوترة مع الآخرين، وأدرك أن عليه فتح النوافذ على الآخرين فكان الكيان أولها. وقد تردد أن أردوغان قد اعتذر للرئيس الروسي عن إسقاط الطائرة الروسية فوق سوريا.. استمرار التوتر بالتأكيد يضر بالاقتصاد التركي وسيؤثر على شعبية ومكانة حزب العدالة والتنمية، وعلى نتائج أي انتخابات قادمة.
أما الكيان الصهيوني فرأى أن تراكم الضغط على غزة قد يؤدي إلى انفجار قد يدفع الكيان إلى حرب جديدة. سبق لقطاع غزة أن انفجر بوجه مصر عام 2008 بسبب تشديد الحصار. انفجر الناس ضد الحدود الاستعمارية القائمة بين فلسطين ومصر ودخلوا سيناء عنوة واشتروا ما أرادوا من احتياجات. الكيان لا يستبعد قيام فصائل المقاومة الفلسطينية بإطلاق صواريخ أو التسلل عبر أنفاق إلى تجمعات سكانيةصهيونية مما قد يثير الكيان فيبدأ حربا جديدة ضد غزة.
الكيان الصهيوني لا يريد حربا جديدة ضد غزة الآن بسبب عدم جهوزية جبهته الداخلية
غرد النص عبر تويتر، وبسبب الموقف الدولي من الوضع في القطاع. الجبهة الداخلية الصهيونية مهلهلة ويبدو أن الجيش الصهيوني يعاني من الاسترخاء إثر فشله في حروبه المتواصلة على لبنان وغزة.
أما الأطراف الدولية فتبحث عن طرق لتخفيف الضغط على غزة حتى لا تنفجر الأمور إلى حرب تنعكس نتائجها السلبية على المنطقة ككل وعلى المصالح الغربية. المعنى أن كل الأطراف بحاجة إلى حل للحصار على غزة، أو تخفيفه لكي يتم تجنب ما هو أسوأ.
رفع الحصار
هناك من تفاءل برفع الحصار عن قطاع غزة، وإنهاء هذه الكارثة الإنسانية، لكن التفاؤل لم يكن في محله. لقد اضطر مراسل صحافي أن يخوض معي جدلا طويلا حول رفع الحصار. كان المراسل متفائلا، وأنا حاولت أن أقنعه أن تركيا لا تستطيع رفع الحصار عن غزة لأنها لا تشكل ثقلا عسكريا واقتصاديا حاسما في التأثير على القرار الصهيوني، والكيان الصهيوني لا يمكن أن يرفع الحصار لأسباب أمنية.
الكيان مقتنع أن الفلسطينيين سيعملون على تهريب السلاح والمال إذا رفع الحصار وأن المقاومة في غزة ستبني ترسانة هائلة من الصواريخ إذا فتحت الأبواب. وتركيا لا تعمل ضمن التعريف السياسي القائل بأن السياسة هي الإصرار على ما هو ممكن وإنما وفق التعريف أن السياسة هي فن الممكن. وهذا التعريف الثاني ينسجم مع الاستعداد للتنازلات والانحراف والتهاون والتفريط.
وأخيرا ظهر الاتفاق دون أن يشمل رفع الحصار. وإذا كان للصهاينة أن يرفعوا الحصار، فهل ستعمل مصر على رفع الحصار أيضا؟ مشكلة غزة ليس مع الصهاينة فقط وإنما مع الصهاينة العرب أيضا.
تنازلت تركيا عن شرطها المتعلق برفع الحصار عن غزة، لكنها حققت إنجازات أيضا. فمثلا حصلت على موافقة الصهاينة على تعويض أهالي شهداء سفينة مرمرة، وحصلت على امتياز تقديم خدمات إنسانية لغزة وعلى رأسها تطوير الوضعين المائي والكهربائي، وتزويد غزة بالاحتياجات الإنسانية. وتأكيدا على عدم رفع الحصار اشترط الكيان تفتيش البضائع التركية في ميناء أسدود ووافقت تركيا على ذلك.
وضع حركة حماس
الصهاينة يطلبون دائما طرد المقاومة الفلسطينية من أراضي الدولة التي تعقد معهم اتفاقيات، حتى أن هذا الطلب يشمل السلطة الفلسطينية. على السلطة أن تلاحق أفراد حماس وتصادر أسلحتهم وتعتقلهم إذا شاءت أن تبقى على الخريطة السياسية في الأرض المحتلة عام 1967، وذات الطلب لا بد أن تم توجيهه للأتراك على الرغم من أنه لم يعلن عن شيء من هذا القبيل.
وتقديري أن الأمر خضع للجدل والنقاش بين الجانبين، وعلى الأغلب أن تركيا وافقت على منع أي نشاط أمني أو عسكري لحماس على الأرض التركية، ووافق الكيان على بقاء مكاتب إدارية لحماس في تركيا. المكاتب الإدارية خالية من الأسلحة ومن نشاطات التنظيم وإعداد دورات التدريب. أي أن هذه المكاتب قد تقتصر على بعض النشاطات الثقافية والاجتماعية، ويشمل ذلك أيضا منحا دراسية لا تؤثر في مجملها على الصراع الدائر. وحماس لا تملك من الأمر شيئا، ويبدو أن الأتراك قد أحاطوا السيد خالد مشعل علما بما تم الاتفاق عليه.
المفروض أن يهدأ الفلسطينيون كلما سمعوا قائدا يصرح لصالحهم؛ الفلسطينيون ينفعلون بسرعة إزاء تصريحات سياسية تؤيد مطالبهم، ويهرعون إلى المصرحين متوسمين بهم تحرير فلسطين. المفروض ألا يتخذ الفلسطينيون قراراتهم بناء على ظروف آنية أو لحظية، وإنما يجب أن يبنوا علاقاتهم وفقا لتقديرات إستراتيجية. جيد أن يدعم أردوغان الحقوق الفلسطينية، لكن هل يستطيع مواصلة المشوار حتى النهاية؟
الهم الثاني الذي يشغل بال حماس هو تبادل الأسرى والدور الذي يمكن أن تلعبه تركيا في هذا المجال. بناء على التجارب، من الأفضل أن تقوم دولة غير عربية بدور لإتمام التبادل.
لقد جرب الفلسطينيون مصر، لكن مصر لم تكن تحترم دورها؛ والدليل على ذلك أن الكيان الصهيوني قام باعتقال العديد من محرري صفقة وفاء الأحرار ورفض الإفراج عن الدفعة الرابعة. مصر الوسيط لم تصنع شيئا ولم تضغط باتجاه إلزام الكيان بما تم الاتفاق عليه. ربما تحترم تركيا دورها، وتبقى متيقظة في رصد الانتهاكات الصهيونية وغياب الالتزام.
المفروض أن يهدأ الفلسطينيون كلما سمعوا قائدا يصرح لصالحهم؛ الفلسطينيون ينفعلون بسرعة إزاء تصريحات سياسية تؤيد مطالبهم، ويهرعون إلى المصرحين متوسمين بهم تحرير فلسطين. المفروض ألا يتخذ الفلسطينيون قراراتهم بناء على ظروف آنية أو لحظية، وإنما يجب أن يبنوا علاقاتهم وفقا لتقديرات إستراتيجية. جيد أن يدعم أردوغان الحقوق الفلسطينية، لكن هل يستطيع مواصلة المشوار حتى النهاية؟
الهم الثاني الذي يشغل بال حماس هو تبادل الأسرى والدور الذي يمكن أن تلعبه تركيا في هذا المجال. بناء على التجارب، من الأفضل أن تقوم دولة غير عربية بدور لإتمام التبادل.
لقد جرب الفلسطينيون مصر، لكن مصر لم تكن تحترم دورها؛ والدليل على ذلك أن الكيان الصهيوني قام باعتقال العديد من محرري صفقة وفاء الأحرار ورفض الإفراج عن الدفعة الرابعة. مصر الوسيط لم تصنع شيئا ولم تضغط باتجاه إلزام الكيان بما تم الاتفاق عليه. ربما تحترم تركيا دورها، وتبقى متيقظة في رصد الانتهاكات الصهيونية وغياب الالتزام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق