الجمعة، 22 يوليو 2016

تركيا – شروط حسم المعركة النهائي –


تركيا – شروط حسم المعركة النهائي – 

أبو يعرب المرزوقي






لا ينبغي أن يظن بي تصور قيادات تركيا بحاجة لمن ينصحهم.
فنجاحاتهم تغني عن إثبات قدرتهم على معرفة خطط الأعداء والتصدي لها بما يمكنهم من النصر.

لكني مع ذلك أريد أن أدرس مسألة يقتضيها الظرف وخاصة نية الأعداء الاستفراد بتركيا لأنها هي العائق الوحيد لتكرار خطة الحرب العالمية الأولى

لذلك فلا بد من الجواب عن سؤالين:
السؤال الأول: ما الذي يمكن أن يقوم به منظمو الانقلاب بعد فشله؟ ومنظموه غير القائمين به بل هم من فضحهم الفرح السريع به.
والسؤال الثاني: ما أفضل الطرق للنصر الحاسم ضد هذا العمل المتوقع والذي هو أخطر بكثير من عملية الانقلاب التي ولله الحمد والمنة فشلت فشلا ذريعا؟

وينبغي أن أنطلق من المبدأ التالي الذي لسوء الحظ يتجاهله المستهدفون من وراء استهداف تركيا:
فالمستهدفون هم جائزة الغرب الكبرى لإيران وإسرائيل.
وهي ليست جديدة:

إنها ما حصل لما تم اقتسام الأرض العربية التي كانت تحت سلطان تركيا عندما كانت رجل العصر المريض الذي يريدون إمراضه من جديد.

وإذا لم تدرك قيادات العرب ذلك فسيصبح ما أعلنت عنه إيران من أن النظام السعودي سيسقط قبل عيد الإضحى القادم.
وذلك ما كان سيحصل لو نجح الانقلاب.
وهذا يعني أن إيران كانت على علم بالانقلاب وأنها هي التي جندت مع عملاء إسرائيل وأمريكا والدولة الموازية كل من يعادي استئناف الإسلام دوره والقصد سنة الإقليم.
ولست مطالبا بإثبات ما أقول لأنه لا علاقة له بتهمة القول بنظرية المؤامرة:
فهذا معلن ومصرح به ثم إن دورالصفوية والصهيونية في الإقليم يثبته.


ولأعد إلى سؤالي الأساسيين:

1-ماذا يمكن أن يعمل الأعداء بعد فشل العملية؟
2-وماذا ينبغي القيام به بدارا لاستباق هذا العمل المعلوم بدقة؟


سأسمح لنفسي بالقول إني سأتكلم عن خبرة لم يسبق أن نسبتها لنفسي ولا أحتاج لذلك فصدق توقعاتي السابقة يغنيني عن ذلك:
أكاد أرى الخطة بتفاصيلها.


وقبل الكلام عليها فلأنبه إلى خطأين لا بد من تجنبهما:
الأول استسهال النصر في معركة بعيدة الغور بمراحل خالفها أعسر من سالفها للإجرام الدولي
والثاني المسارعة في التنظيف العشوائي الذي يبدو حسما مع أعداء الداخل فيتحول في الحقيقة إلى توحيدهم وتقوية صفهم بدل تحقيق الغاية المقصودة.

الجواب عن السؤال الأول:

ما الذي يمكن أن يتلو فشل الإنقلاب؟
كالعادة ما ينتج هو ما يفعله العدو عندما يفشل في تحقيق الهدف السريع بالضربة القاضية (نجاح الانقلاب).
وهذه القاعدة ليست جديدة:
فكل أعمال القوى الاستعمارية تلجأ إليها.
لما تعجز عن اسقاط نظام يعارض مصالحهم بالضربة القاضية يستعملون حرب المطاولة.
وحرب المطاولة ذات فرعين:
الحرب اللطيفة بالشائعات والبروباغندا التشنيعية لتفكيك الجبهة الداخلية.
والحرب العنيفة أي المحاصرة الدبلوماسية والاقتصادية خاصة.

فشل التدخل الروسي والضربات الإرهابية وخطة الانقلاب ولم يبق إلا هذان النوعان من المطاولة لإضعاف تركيا مع جبن قيادات العرب وخيانة بعضهم.

وأول موضوعات البروباغندا التشويهية ستكون تصرفات النظام التركي مع الانقلابيين بحجة حقوق الإنسان ودولة القانون وهلم جرا من أسلحة التشويه.
والهدف من هذا الموضوع ليس التشويه فحسب بل أمران آخران:
مدد للخونة
ومنع التطهير الذي يمكن أن يتلو النصر على الانقلاب
ما يجعل القضية معقدة.


ولعلمي بهذا الخط الهجومي للأعداء دعوت كل حركات الإسلام الديموقراطي أن تختار استراتيجية هجومية بدل الانتظار الحالي ليتسع الخرق على الراقع.
ينبغي ألا تبقى تركيا معزولة في المعركة:
هي معركة كل سنة الإقليم أو على الأقل المخلصين منهم لاستئناف دور الإسلام في نظام العالم الجديد.


ولو كنت واثقا من أن حركات الإسلام الديموقراطي ستعمل الواجب ومن أن العرب المستهدفين سيفيقون لأوجزت الكلام لثقتي في أن الأتراك ليسوا غافلين.
ما تكلمت إلا لعلمي أن الفرضية الوحيدة الثابتة هي أن تركيا ستقاوم بمفردها.
فحركات الإسلام يغلب عليها الخوف.
والثورة المضادة العربية ما تزال في غيها.


كلامي إذن يعمل بالحد الأدنى وهو ولله الحمد ليس بالقليل:
فتركيا بحاضرها وبمجد تاريخ الخلافة تمثل قوة مهابة ويمكن بالحذر أن تنتصر في الغاية.

ورقتي هدفها بيان شروط ذلك بمنطق لعل الذكر ينفع المؤمنين لأني لا أتصور أن قيادات تركيا غير متفطنة لخطة الأعداء أو أنها ستتهور في معاملة الانقلابيين.
ما كنت لأصف أردوغان بمعاوية الثاني لو لم أكن واثقا من أن له دهاءه وحنكته وإيمانه بمجد الإسلام واستئناف تاريخه الكوني بالحذر والدهاء السياسيين.


وإذن فالمرحلة الأولى من الخطة الهادفة إلى ضرب تركيا بعد فشل الانقلاب هي التبرؤ الدبلوماسي من الانقلاب والانقلابيين مع الدفاع الحقوقي عنهم.
ولنسم هذه الخطوة بمنطق النفاق الدبلوماسي الغربي المعروف.
فالكلبية (سينيسيزم) تعتمد دائما على النفاق الدبلوماسي والحقوقي والغدر المخابراتي والإعلامي.

تليها مرحلة التشويه لعملية التطهير التي تتلو كل انقلاب لأن النظام الذي وقع الانقلاب ضده مضطر حتما للتطهير الذي يشوهونه مهما كان لطيفا ونظيفا.

تليها في مرحلة ثالثة مرحلة المجتمع المدني الدولي والتقارير بدعوى توثيق التعدي الحقوقي على الانقلابيين بعكس التغطية على جرائم السيسي وبشار.

تليها المرحلة الرابعة :اللجوء للمحاكم الأوروبية والدولية ضد النظام التركي وقياداته

والمرحلة الخامسة والأخيرة الشروع في مهازل التشريع الدولي للعقوبات.

تلك هي مراحل حرب المطاولة الاستعمارية التي هي جوهر الأسلوب الكلبي والمنافق لما يسمونه بالقانون الدولي أي ما يغطي على جرائم الاستعمار الغربي.
كل هذا يغلب عليه الحرب اللطيفة الدبلوماسية.

لكن هذه الحرب اللطيفة تصحبها الحرب العنيفة التي تصيب كل مصارد ثروة تركيا وقطاعات اقتصادها.

وسيكون للثورة المضادة العربية الدورالأول:
حرب أحباب إيران وإسرائيل على تمويل الاستثمار وعلى مصادر الطاقة وعلى أسواق المنتج التركي في الخليج.
والمعلوم أن هذه الحرب قد تقدمت حتى على الانقلاب لكن زخمها سيزداد من الآن فصاعدا.
وفي هذه الحرب سيكون التهديد بأمرين حساسيين بالنسبة للأتراك
لا استبعد أن يهددوا النظام بإيقاف المفاوضات الخاصة بالدخول لاروبا بدعوى حقوقية
ولااستبعد حتى التهديد بإخراجها من الحلف الأطلسي لوجود بديل.

والبديل عن الحاجة إلى تركيا مضاعف:
أولا روسيا لم تعد بقوة السوفيات
وثانيا إيران عادت لدور مساعد الشرطي الإسرائيلي
والعرب على “مراد الله”.

“على مراد الله” ينبغي فهمها بالتونسي وليس بمعناها الحقيقي أي أتقياء.
فهي تعني “لا حول لهم ولا قوة” بسبب خيانات الكثير من الحكام والنخب.

وبذلك نصل إلى خطة التصدي لهذه الحرب اللطيفة والعنيفة في آن.
ولها جهان أهمهما يتعلق بالمطاولة الفعالة داخليا وخارجيا ضد مطاولة الأعداء.


وأبدأ بمبدأ البدار:
كل خطة تقتصر على رد الفعل تنتهي إلى الفشل حتما.
لا بد من خطة تعمل بدارا استنادا إلى توقع خطوات العدو واستباقها بالعلاج الناجع.

ألخص مراحل خطة العدو:
م1- النفاق الدبلوماسي مع الشرعية
م2- الحقوقية في المحاكماة
م3- الحقوقية التوثيقية
م4- المحاكم الدولية
م5- العقوبات الدولية

ويصحب هذه المراحل التضييق على مصادر الثروة بالاعتماد على خنق قطاعات الاقتصاد التركي مثل تمويل الاستثمار والطاقة والسياحة والأسواق إلخ.

فكيف يكون العلاج المبادر والسباق لئلا تقع تركيا في رد الفعل؟
الجواب يعتمد على خطتين:

الأولى من لا يخيف العدو لا يمكن أن يهابه العدو.
والثانية من لا ينجح في صيانة الجبهة الداخلية لا يمكن أن يصمد أمام الحرب اللطيفة وعلى آثار ما يصبحها من حرب عنيفة وهي ليست بالضرورة عسكرية

فيكون الحل المبادر في الداخل بالجواب عن شروط المناعة الداخلية التي من منطلقها يمكن أن يصبح النظام مخيفا للأعداء لأن قوة الشعوب لا تقهر.
أما في الخارج فينبغي البحث عن حلفاء من مصلحتهم عدم القبول بالغايات التي يستهدفها العدو الأساسي أي الذي يحرك الأعداء التوابع في الإقليم.

وهذا يعني أن الحلفاء لن يكونوا من الإقليم لأن المعين الوحيد لهم هو الحركات الإسلامية والأنظمة العربية وكلاهما كما أسلفت لا يعول عليهما بحق.

فمن يمكن أن يكون حليفا؟
إنه من يخشى مثل تركيا أن تخنقه سيطرة أمريكا وشرطيها (إسرائيل) ومساعده (إيران) على ما يراد به خنق تركيا لإضعافها.
وللمفارقة فإنه لا يوجد إلا أربعة إمكانات بعضها اكثر نضوجا واضطرارا لمحالفة تركيا:
أولها روسيا
والثاني الصين
والثالث الهند
والأخير أوروبا.


وهؤلاء الحلفاء يحدد موقفهم أمران:

خطر سيطرة أمريكا وشرطييها على الإقليم وهنا اعتقد أن روسيا هي الأولى لخوفها على سر قوتها الطاقة والدفاع.
وبحسب هذا المعيار يتوالى بقية القوى الخمسة التي ذكرت.
فالصين والهند هما أيضا مهددان بسيطرة أمريكا على الإقليم أي مركز العالم الإسلامي وقلبه.
وأوروبا رغم خوفها من تركيا فهي من إيران وإسرائيل أشد خوفا لأنها تعلم منطق شيلوك:
فتعامل الإقليم معها لن يبقى كما كان تحت محميات عربية.

وبالاضافة إلى العامل الموضوعي الذي وصفت يوجد العامل الذاتي:
مدى استعمال القيادة التركية لهذه الأوراق بحنكة ودراية ودهاء.
وهو ليس بعيد المنال.

لكن الامتحان الأعسر هو الحرب اللطيفة:
فالتطهير في تركيا ينبغي أن يكون شفافا إلى أبعد الحدود
وأن تماطل القيادة في المحاكمة سنوات لربح الوقت.
وينبغي أن يكون التطهير مناسبة لتمزيق صف الأعداء:
أي أن يقتصر على القيادات الحقيقية
وأن يتعامل بتسامح كبير مع من هو دونهم حتى يؤلبوه ضدهم.
وأخيرا ينبغي أن يكون الشعار غير حزبي وغير طائفي وحتى غير ديني:
لا بد من جعل المعركة متعلقة بالوطن وبالأنفة التركية التي هي الوتر الحساس.

أعتقد أن الكثير من القراء قد يتصور أن أسلوب تحليلي فيه الكثير من الجزم الواثق بصحته دون دليل موثق.
ومعهم الحق.
فليثبتوا العكس وساتبعهم.


كل ما في الأمر أني أطبق حرفيا الآية 60 من الأنفال في مفهوم الردع او البدار الاستراتيجي.
وأتوقى خمسة أنواع من الأعداء التي ذكرت منهم الآية ثلاثة صراحة.


وهي قد ذكرت الاستعداد الرادع بمجاليه:
القوة عامة
والقوة العسكرية خاصة (رمزها رباط الخيل).
والأولى هي الأهم وهي علمية وتقنية واستراتيجيا سياسية واقتصادية.

أما الأعداء الثلاثة فهم:

عدوكم
وعدو الله
وآخرون لا تعلمونهم الله يعلمهم.
والعدوان الآخران هما:
الرابع: المؤلف من الأولين
والخامس: المؤلف من علم الله وعلم الإنسان.

فالمؤلف من العدوين هو الجامع بين عدائه لنا وعدائه لله:
وهم الأخطر وهنا هما إيران وإسرائيل.
والمؤلف من العلمين هو العدو الذي نتوقعه حذرا.
توقعنا الحذر يجعلنا لا نعتبره عدوا ثابتا ولكن عدوا ممكنا.
ومعنى ذلك أن نسبية علمنا تجعلنا حذرين فقد نظنه عدوا وهو صديق والعكس بالعكس.

ولذلك فلا فضل لي في ما عرضت:

اكتفيبت بتطبيق حرفي للحكمة الإلهية على حد ما فهمت منها
وما هو إلا اجتهاد أثق مطمئنا أني مأجور حتى لو لم أصب
لكني منفتح على أي تحليل آخر إذا أصاب لأنه سيكون مأجورا مرتين.
أما أنا فيكفيني الأجر الواحد الذي هو مكافأة الإسلام لجرأة الاجتهاد الصادق.


لماذا قلت الحركات الإسلامية والأنظمة العربية لا يعول عليهم؟
هل في ذلك تحقيير من العرب عامة ومن سنتهم خاصة؟

لا
بل هو وصف لحال القيادات فيهما.
فالحكام يخافون على الكراسي أكثر من الأوطان.
والحركات تطمع في الكراسي أكثر من المجد.
وما ظلوا بهذا الخلق فهم دون تحديات المعركة بكثير.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق