الحقيقة السياسية التي لا مناص من مواجهتها في قراءة الوضع العربي تتمثل في أن مصر هي الداء والدواء، فحين تنهض أو تتماسك؛ يتماسك الوضع العربي، وحين تتراجع تأخذ معها عموم الوضع إلى مستويات بائسة.
ما بين نهاية التسعينات وحتى ثورة يناير، أي ما نسميه العشرية الأخيرة لمبارك، تراجعت مصر إلى حد كبير بسبب قرار التوريث الذي كان ينبغي دفع ثمنه تراجعاً أمام الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، لكن ما كان يُعرف بمحور المقاومة والممانعة، ما لبث أن عوّض الدور، وتمكن من تشكيل رافعة جيدة، عمادها القوى الشعبية التي واجهت التطبيع، ورفعت شعار المقاومة، وليس فقط إيران وسوريا كما يحب البعض أن يروج.
في الوضع الراهن، انتهى المحور المذكور، وبالطبع بعد أن أسفرت إيران عن وجهها الطائفي وخاضت في الدم العربي؛ من العراق إلى سوريا وصولاً إلى اليمن، ولم تعد الجماهير الشعبية، ولا القوى الإسلامية التي شكلت رافعة محور المقاومة والممانعة تؤمن بها ولا بطرحها؛ طبعاً باستثناء حزب الله المحسوب على المحور الإيراني (التابع بتعبير أدق).
اليوم، وفي هذا الوضع الراهن، يمكن القول: إن وضع مصر يُمثل عنواناً لتراجع الوضع العربي أكثر من أي وقت مضى، فحين نجح الانقلاب قلنا: إن سياسة النظام الجديد ستحاكي عشرية مبارك الأخيرة، والقاسم المشترك هو الدفع من جيب القضايا الكبرى للأمة مقابل تشريع الانقلاب (تشريع التوريث في حالة مبارك)، لكن الوضع ما لبث أن أسفر عما هو أسوأ من ذلك بكثير.
داخلياً تعيش مصر وضعاً اقتصادياً صعباً رغم الدعم الهائل الذي حصل عليه النظام، وفوق ذلك تتكرس دولة بوليس رهيبة تقمع المجتمع برمته، وبالطبع لأن قمع أكبر قوة سياسية في المجتمع لا يمكن إلا أن يفضي إلى ذلك، ومن جانب قضية الأمن القومي، يعيش البلد أزمة كبرى تتعلق باستحقاقات سد النهضة الإثيوبي الذي يهدد الأمن القومي من خلال النيل، ولا تسأل عن الاختراق الصهيوني المذهل للقارة الإفريقية التي ينبغي أن يكون حضور مصر فيها هو الأقوى.
على الصعيد الخارجي؛ ولأن نتنياهو عمل مقاول علاقات عامة للانقلاب؛ ذهب النظام نحو مجاملته بالدفع من جيب القضية الفلسطينية، ويتجلى ذلك في حصار غزة، والأهم في تسويق مبادرة سياسية عنوانها التطبيع مع عملية سياسية لا تفضي إلى حلّ عملي.
أما في مواجهة العدوان على إيران، فلا يكتفي النظام بعدم تقديم شيء على هذا الصعيد، بل يقف إلى جانب العدوان في ركنه الأهم ممثلاً في سوريا أيضا، عبر تأييد بشار الأسد وإجرامه، فيما لا يقدم شيئاً عملياً في الصراع في اليمن، ويجامل الحكومة العراقية رغم مواقفها الطائفية، وتبعيتها لإيران.
في ضوء ذلك كله يتبدى بؤس الوضع العربي، ما يعني أن النزيف قد يطول أكثر فأكثر، دون انتصار لأي طرف فيه، وهو ما سيكون مكلفاً لكل شعوب المنطقة (الكيان الصهيوني هو الرابح الأكبر)، بما فيها الشعب الإيراني، من دون أن يكون ذلك في صالح مصر وشعبها بأي حال
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق