د.بشيرموسي نافع
قبل الحادية عشرة من مساء 15 تموز/ يوليو بقليل، شهدت تركيا بداية تحركات عسكرية، برية وجوية، اتضح لاحقاً أنها ليست سوى محاولة انقلابية. بالنظر إلى عدد الجنرالات والعقداء الذين اعتقلوا بتهمة المشاركة في المحاولة، وانتشارهم في كافة فروع الجيش ومختلف مناطق البلاد العسكرية، فيبدو الأمر وكأن هذا انقلاب لم يكن مقدرا له أن يفشل.
ثمة قادة جيوش، وقادة أولوية كوماندوز متهمون بالمشاركة في الانقلاب، واحد على الأقل من قادة مشاة البحرية، ورئيس أركان جيش بحر إيجه، وألوية من القوات البرية والجندرمة، وقاعدتان جويتان، وعدد من ضباط هيئة الأركان؛ وقوات من الجيش الأول، المتمركز في تركيا الأوروبية، وقوات من شرق وغرب وجنوب البلاد.
سيطر الانقلابيون على مفاصل مدينة إسطنبول، وعلى مطار المدينة، أكبر مطارات البلاد، وعلى مقر بلديتها ومفاصل شوارعها الرئيسية؛ والمقر المركزي لشبكة الإذاعة والتلفزة الحكومية؛ ومقر قيادة الأركان وقيادة قوات الجندرمة، ونجحوا في اعتقال رئيس هيئة الأركان، وكافة ضباط القيادة غير المؤيدين معهم، وقائد قوات الجندرمة، وقائدي القوات البحرية والجوية؛ وهاجموا البرلمان ومقر قيادة الاستخبارات والداخلية بضراوة.
تمتع الانقلابيون بدعم عناصر متقدمة في المؤسسة القضائية؛ وأعدوا قوائم بمئات من الشخصيات التي توقعوا انخراطها في التعاون معهم إن نجحوا في السيطرة على مقاليد الحكم والدولة.
في الساعات الأولى للانقلاب، وقفت محطات التلفزة الغربية، ومعظم العربية، وتلك الناطقة باسم إيران والقوى الشيعية السياسية، موقف المؤيد للانقلاب، وتبنت مقولة نجاح الانقلابيين.
لم يخرج الرئيس الأمريكي، ووزير خارجيته، في تصريحات مؤيدة للشرعية الديمقراطية إلا بعد ظهور بوادر فشل الانقلاب.
تمتع الانقلابيون بدعم عناصر متقدمة في المؤسسة القضائية؛ وأعدوا قوائم بمئات من الشخصيات التي توقعوا انخراطها في التعاون معهم إن نجحوا في السيطرة على مقاليد الحكم والدولة.
في الساعات الأولى للانقلاب، وقفت محطات التلفزة الغربية، ومعظم العربية، وتلك الناطقة باسم إيران والقوى الشيعية السياسية، موقف المؤيد للانقلاب، وتبنت مقولة نجاح الانقلابيين.
لم يخرج الرئيس الأمريكي، ووزير خارجيته، في تصريحات مؤيدة للشرعية الديمقراطية إلا بعد ظهور بوادر فشل الانقلاب.
بمعنى، أن الانقلابيين لم يشكلوا قوة ملموسة وذات انتشار واسع في الجسم العسكري وحسب، بل وتمتعوا بدعم ظهير إقليمي ودولي كذلك، دعم ضمني أو صريح.
ولكن المحاولة فشلت، وبدأت بوادر فشلها بعد ثلاث ساعات فقط من بدايتها.
فشلت المحاولة، أولاً، لشجاعة الرئيس وشجاعة الشعب.
ولكن المحاولة فشلت، وبدأت بوادر فشلها بعد ثلاث ساعات فقط من بدايتها.
فشلت المحاولة، أولاً، لشجاعة الرئيس وشجاعة الشعب.
كان إردوغان، عندما بدأ الانقلابيون تحركهم يقضي إجازته في جنوب غرب البلاد.
وما إن أدرك حقيقة ما يحدث، فإنه لم يحاول الاختفاء أو البحث عن مأمن، بل دعا الشعب إلى الخروج لمواجهة الانقلابيين. وفي ظل أجواء بالغة الخطر، تحرك بطائرته إلى إسطنبول، التي كانت المسرح الرئيسي للتحرك الانقلابي.
لم يخيب الشعب ظن الرئيس، الشعب بكل فئاته وتوجهاته السياسية، خرج بمئات الآلاف لحماية الرئيس عند هبوط طائرته في إسطنبول، وليحاصر مواقع انتشار قوات الانقلاب ويبدأ بإخلاء المدن التركية منها.
كانت إسطنبول هي ساحة المواجهة الأولى بين الشعب والانقلابيين؛ وفي مدن أناضولية متعددة، وضع الأتراك سياراتهم أمام بوابات معسكرات الجيش ليمنعوا خروج أية قوات انقلابية محتملة. لقد خرج الشعب بكل قواه الاجتماعية لمواجهة الانقلابيين، ولكن عبء المواجهة الأكبر حملته الطبقة الوسطى التركية، بكل توجهاتها الثقافية والسياسية.
في 1960، سيطر الانقلابيون بسلاسة نسبية؛ وفي 1980، احتاجوا إلى سفك باهظ للدماء قبل أن يحكموا سيطرتهم. في 2016، هزم الشعب الانقلاب، لأن الكتلة الأكبر من الشعب تدرك حجم المخاطر التي ستتعرض لها البلاد إن سيطرت الأقلية العسكرية على مقاليد الحكم.
وفشلت المحاولة لأن الانقلابيين، بالرغم من قوتهم الملموسة وانتشارهم الواسع، لم يتمتعوا بدعم القيادات العسكرية العليا، وتحركوا بالتالي بدون غطاء من شرعية الجيش الحديث السحرية، المعروفة بسلسلة الأمر والقيادة.
كانت إسطنبول هي ساحة المواجهة الأولى بين الشعب والانقلابيين؛ وفي مدن أناضولية متعددة، وضع الأتراك سياراتهم أمام بوابات معسكرات الجيش ليمنعوا خروج أية قوات انقلابية محتملة. لقد خرج الشعب بكل قواه الاجتماعية لمواجهة الانقلابيين، ولكن عبء المواجهة الأكبر حملته الطبقة الوسطى التركية، بكل توجهاتها الثقافية والسياسية.
في 1960، سيطر الانقلابيون بسلاسة نسبية؛ وفي 1980، احتاجوا إلى سفك باهظ للدماء قبل أن يحكموا سيطرتهم. في 2016، هزم الشعب الانقلاب، لأن الكتلة الأكبر من الشعب تدرك حجم المخاطر التي ستتعرض لها البلاد إن سيطرت الأقلية العسكرية على مقاليد الحكم.
وفشلت المحاولة لأن الانقلابيين، بالرغم من قوتهم الملموسة وانتشارهم الواسع، لم يتمتعوا بدعم القيادات العسكرية العليا، وتحركوا بالتالي بدون غطاء من شرعية الجيش الحديث السحرية، المعروفة بسلسلة الأمر والقيادة.
نجح الانقلابيون في اختطاف رئيس الأركان وقائد القوات البرية، ولكنهم لم يحصلوا على تأييد أي منهما، ولا على تأييد قادة قوات الجندرمة وسلاحي الجو والبحرية.
تغيرت تركيا بصورة كبيرة في العقد ونصف العقد الماضيين، وتغيرت معها ثقافة ورؤية قطاعات واسعة من قيادة الجيش. وبالرغم من أن الثقافة القديمة لم تختف، فإن العقل الكلي للجيش أصبح اكثر إدراكاً لما يمكن أن يقبله الشعب وما يمكن أن يقاتل دونه.
وفشلت المحاولة لأن عدداً من رجال الدولة والحكم أظهروا، في اللحظة الحرجة ذاتها، لحظة أن كانت البلاد في أشد الحاجة لموقف منهم، شجاعة نادرة.
وفشلت المحاولة لأن عدداً من رجال الدولة والحكم أظهروا، في اللحظة الحرجة ذاتها، لحظة أن كانت البلاد في أشد الحاجة لموقف منهم، شجاعة نادرة.
أول هؤلاء كان رئيس الحكومة، بنعلي يلدريم، الذي كان اختياره لخلافة د. أحمد داود أغلو في أيار/ مايو الماضي أثار الكثير من اللغط. فخلال أقل من ساعة على بدء التحرك الانقلابي، خرج يلدريم إلى الشعب بتصريح يتحدى الانقلابيين، مؤكداً على أن ما يحدث هو تمرد غير قانوني، وأن الحكومة المنتخبة مستمرة في عملها، وأنها ستتصدى للمتمردين.
وهناك أيضاً وزير الداخلية، أفغان علاء، الذي اثبت أنه لم ينجح، منذ تسلمه منصبه قبل ثلاث سنوات، في تطهير جهاز الشرطة والأمن من جماعة غولن، وحسب، بل وزرع في أجهزة الوزارة ودوائرها ثقافة احترام القانون والدستور.
أمر علاء قوات الشرطة وأجهزة الأمن الأخرى بالتصدي للانقلابيين واعتقالهم، وبالقيام بواجبها في حماية مؤسسات الدولة وحماية جموع الشعب. الاستجابة السريعة من أغلب عناصر الشرطة والأمن لأوامر الوزير، ساهمت مساهمة كبيرة في تغيير ميزان القوة ضد الانقلابيين.
وثالث هؤلاء كان قائد الجيش الأول، أكبر فيالق الجيش التركي، والذي يتخذ من معسكر السليمية العسكري في إسطنبول مركز قيادة له.
أدرك الجنرال أوميت دوندار سريعاً أن الانقلابيين نجحوا في احتجاز رئيس الأركان والسيطرة على مقر قيادة القوات المسلحة. ولكن هذا لم يفت من عضده، وكان أول الضباط الكبار الذين أعلنوا معارضتهم للانقلاب والتوكيد على أن الانقلابيين لا يمثلون المؤسسة العسكرية، بل مجرد فئة متمردة عليها. وهذا ما دفع رئيس الحكومة، بعد أن أصبح غياب قائد الأركان يمثل معضلة كأداء في طريق إعادة بناء النظام وتسلسل القيادة في الجيش، إلى تعيين دوندار قائماً بأعمال رئيس الأركان.
ولا يقل عن دور هؤلاء، على الأطلاق، إن لم يزد، ما قام به رئيس جهاز الاستخبارات، د. حاقان فيدان، من التحذير المبكر من المحاولة، وقيادة أعضاء جهازه في مقاومة صلبة لهجوم الانقلابيين البربري على مقر جهاز الاستخبارات، ثم، خلال المرحلة التالية، في لعب دور رئيسي في مطاردة قيادات الانقلاب، ومشاركة وحدات الأمن في إلقاء القبض عليها.
وإلى جانب هؤلاء جميعاً، كان الدور الهام الآخر الذي قام به قائد القوات الخاصة لوزارة الداخلية، الجنرال زكاي أكساكيالي، ليس في الإعلان عن معارضة المحاولة الانقلابية وحسب، بل وفي مقاومة الانقلابيين وطردهم من عدد من المواقع الهامة، أيضاً.
في ساعات الغموض الأولى حول الولاء، كانت القوات الخاصة أول قوة ذات وزن تقف في مواجهة الانقلابيين.
أخيراً، وليس آخراً، فشلت المحاولة لأن الانقلابيين لم يجدوا جهة سياسية واحدة تقبل أو تؤيد ما قاموا به.
أخيراً، وليس آخراً، فشلت المحاولة لأن الانقلابيين لم يجدوا جهة سياسية واحدة تقبل أو تؤيد ما قاموا به.
هذا ليس 1960، عندما هاتف جمال غورسيل، قائد الانقلاب، رئيس حزب الشعب ورئيس الجمهورية الأسبق، المخضرم، عصمت إينونو، وقال له "نحن بانتظار أوامرك يا باشا"؛ ولا 1980، عندما أظهرت كافة الأحزاب التقليدية قبولاً ضمنياً بالانقلاب.
بعد أكثر من ستين عاماً من النضال من أجل الديمقراطية، تعلمت الطبقة السياسية التركية الدرس. ومن اللحظة التي أدرك فيها قادة أحزاب المعارضة أن الحكومة قررت التصدي للانقلابيين، أعلن الواحد منهم تلو الآخر معارضته للمحاولة الانقلابية وتأييده لموقف الحكومة ورئيسها.
هكذا، ولهذا كله، أخفق الانقلابيون، في واحدة من أخطر المحاولات لتقويض الحريات والديمقراطية في المشرق برمته. وليس ثمة شك أن ما شهدته تركيا في تلك الليلة الطويلة، يغري بالمقارنة مع ما عاشته مصر في الأيام الثلاثة الأولى من تموز/ يوليو 2013.
بعد أكثر من ستين عاماً من النضال من أجل الديمقراطية، تعلمت الطبقة السياسية التركية الدرس. ومن اللحظة التي أدرك فيها قادة أحزاب المعارضة أن الحكومة قررت التصدي للانقلابيين، أعلن الواحد منهم تلو الآخر معارضته للمحاولة الانقلابية وتأييده لموقف الحكومة ورئيسها.
هكذا، ولهذا كله، أخفق الانقلابيون، في واحدة من أخطر المحاولات لتقويض الحريات والديمقراطية في المشرق برمته. وليس ثمة شك أن ما شهدته تركيا في تلك الليلة الطويلة، يغري بالمقارنة مع ما عاشته مصر في الأيام الثلاثة الأولى من تموز/ يوليو 2013.
ثمة تباين في الظروف والسياقات، بالطبع، ولكن، إن كان للطبقة السياسية التي مهدت الطريق للانقلاب على الديمقراطية الوليدة في مصر، من مثقفين وحزبيين وشخصيات عامة، أن تبحث عن مرآة كبرى لرؤية عارها على حقيقته، فعليها بالتأكيد النظر إلى تركيا ليلة 15/ 16 تموز/ يوليو 2016.
* كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث.
* كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق