حكاية السلطان أردوغان وطائر الوقواق
أحمد عمر
في الليلة الكبيرة، يا عمي، والعالم نايمة في السبانخ، في ليلة محاولة قلب إسطنبول وإعادتها إلى عصمة بيزنطة، والطائرات مالئة شوارع السماء، والدبابات تبحث عمّن تحنو عليه، وتقطع البوسفور إلى شرق وغرب وبينهما كامخ، وقع القول ونفخ النافخون في الصُّورِ الأصغر.
وبعد نصف دزينة من الساعات الأوميغا، انقلبت فضائيات الكيان الموازي الأميركي والعربي والإسرائيلي على أعقابها، فظهرت وكأنها ضاربة حجرين بانجو، فالكيان الموازي العربي والأوروبي والأميركي والإسرائيلي، شبه المنحرف، متساوي الأضلاع، كان للشعب "بالمرصادِ"، وعلى بوط رجل واحد، هو: فتح الله السيسي الجذّاب.
ثم كان أن اضطرت فضائيات "السماء نيوز" المضادّة لربيع الشعوب، وما أكثر الفضائيات التي تدّعي النسب إلى السماء، أو ترفع شعار" الحقيقة" و"الواقع كما هو".. فحذفت تغريدتها الفاسقة: هروب السلطان إلى ألمانيا.
وكذا فعل السفير الأميركي في أنقرة الذي وصف الانقلاب "بالانتفاضة"، وذاك بعد أن مُلِئَتْ السماء حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا. وفاضت الفضائيات بزلّات اللسان على صابون الرغبات السياسية، فهذه المذيعة تأسف على فشل الانقلاب، وتلك تبكي وتلطم على اعتقال دراويش الانقلاب المولويين الذين كانوا ذاهبين لأداء رقصة مولوية فوق جسر البوسفور، وأن الانقلاب كان "كاميرا خفية". يا عين خالتك.
لنأخذ علمًا بأنّ أردوغان سلطان، ويحبُّ فن الإخراج السينمائي، ويريد تهميش البرلمان الذي قصفه الدراويش، ويستهدف القضاة الشرفاء، الشامخين منهم.. ثم بعد أن وقع القول على أكثرهم، وانتصر الدم على السيف، تناقلت فضائيات السماء نيوز أخبار "مجزرةٍ" قضائية وجامعية، يقوم بها السلطان، ناسين مئتين من الضحايا، سالت دماؤهم، وأبدت خوفها على الأتراك الذين يريد السلطان المنتخب أن يستبدّ بهم،
"فالدكتاتورية الديمقراطية" أخطر من الانقلاب، كما قال أحد "فكهاء" الكيان الموازي العربي! وربُّ الكعبة وواشنطن هذا ما قاله.
لم نسمع، حتى الآن، أنّ دولة حليفة أو صديقةً للبيئةِ والديمقراطية، عزَّت أهالي الضحايا الأبرياء، أو زارت الحليف التركي مواساةً له، ولم نرَ فضائيةً عالميةً أو عربيةً موازيةً، أو شبه منحرفة، تنقل بطولات الشعب التركي، إلا من رحم ربي. بطولات الشعب العربي في مصر وسورية كانت أكبر، وهم يعلمون، لكن الجيش غير الجيش، والأمير غير الأمير، فنعمَ الجيش جيش القسطنطينية، ونعم الأمير أميرها.
وتبيّن لنا أنّ ثمة كياناً موازياً عربياً وارتوازياً، شبه منحرف، منهمك في كيد الأسئلة الموازية الارتوازية، فالانقلاب الناجح ثورة، والفاشل مؤامرة، وزغردي يا انشراح، وعيّطي يا عطيات، وكل المتوازيين الارتوازيين ينشدون نشيداً واحداً لجورج وسوّف، وهو أنّ أردوغان سلطان، ويريدُ أن يستبدّ ويذبح أشجار حديقة غيزي ذبحاً حلالاً، وقد حانت الفرصة، بعد كشف فيلم كاميرا الانقلاب الخفية المازح.
أفرج السلطان عن مئات الجنود المغرّر بهم، حتى إنّ المفصولين سينالون التقاعد، ولم نسمع عن موت ضباطٍ في عربة ترحيلات، ولا موت تحت التعذيب.
هناك خطأ مطبعي واحد، هو أنّ القطة سرقت أذن قائد الانقلاب أكين أوزتورك. العالم المتحضر يطالب بمحاكمةٍ عادلةٍ، نجومها خمس، وبضمانات حريرية للداعية "الأيدول" المحبوب في الغرب والشرق. الإقامة في أميركا خيانة عادة في عقيدة العسكر. لكن، لكل قاعدة استثناء.
يريد العالم "الحر" سلطاناً كامل الأوصاف، وفيلسوفاً للأطباء، يفهم في النسبية والذرة، واللوغاريتمات، ويفوز 99% بالمائة كما في بلاد الدومينو. أما نسبة خمسين بالمائة زائد واحد فغير مسموحٍ بها إلا في الغرب.
الشرق شرق والغرب غرب، وهما متوازيان ولا يلتقيان. ولهذا قطع الانقلاب جسر البوسفور. تركيا استثناء، وإسرائيل كذلك. والغرب يريد الاستثناء الإسرائيلي، "واحد فقط بجانب السائق" الغربي الأناني، "السيلفي".
تعبت من أخبار السماء نيوز، ولجأت إلى الجزيرة الوثائقية التي كانت تعرض فيلماً بعنوان"مدغشقر"، وفيه مشهدٌ عن طائر الوقواق المدغشقري، ورأيت العالم "الكر" يزقُّ الطعام في منقار طائر الوقواق الانقلابي، وجوقته الفضائية والصحافية تغني: دخلك يا طير الوقواق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق