الاثنين، 18 يوليو 2016

من داخل المشهد التركي

من داخل المشهد التركي

وليد شرابي


كانت ليلة عصيبة مرت بكل من كان على الأراضي التركية، عندما خرجت مجموعة من الخونة بزي عسكري ضد الشعب يحملون أسلحة ذلك الشعب ليوجهوه إلى المواطنين في الشوارع تنفيذا لمخطط إرهابي ضد الإرادة الشعبية التركية، فمرت هذه المحنة بانتصار ساحق للشعب التركي ضد إرهاب العسكر وانتهت الأزمة. وعلمتنا الأحداث الكثير من الدروس لثورتنا في مصر.

أول هذه الدروس: هي أن الشرعية ليست مرحلة تالية لكسر الانقلابات، كما يروج بعض الفلاسفة، والحقيقة أن وعي الأتراك بمختلف توجهاتهم السياسية والفكرية قد أبعدهم عن هذه المرحلة من الإسفاف، فلم نر أحدا من معارضي أردوغان يخرج إلى الإعلام يحدثنا أنه ضد حكم العسكر ومع رحيل أردوغان!!! والحقيقة أن الوعي التركي لا يسمح لهذه الأصوات النشاز بأن ينظّر لهم كيف تكون ثورتهم، ولو أن أحد هؤلاء الفلاسفة قد ادعى أنه مع الاصطفاف، وأن الحديث عن الشرعية نؤجله إلى ما بعد رحيل العسكر فإن هذا كان سيعني للأتراك أن المتحدث يعني الاتفاف على الشرعية وليس مع الاصطفاف.

ثاني هذه الدروس: تمثل في الدائرة المخلصة من مستشاري الرئيس أردوغان ووزراء الحكومة، فلم نر أحدا منهم يقفز مسرعا من المركب، ولم نر مستشارا لأردغان يخرج مسرعا متباكيا على قنوات المعارضة يحمل الرئيس مسؤولية الدماء التي سالت في الانقلاب ويعلن استقالته على الهواء لإضعاف موقف الرئيس في مواجهة الانقلاب، ولم نر وزيرا يعلن استقالة إعلامية تنال من شخص الرئيس وتضعف من إنجازاته أمام شعبه.

ثالث هذه الدروس: هي القوة اللازمة لكسر الانقلاب، فقد كانت كلمة رئيس جهاز المخابرات لضباطه وجنوده بالاشتباك مع الخونة حتى الموت؛ عاملا فارق ومهم في إثارة الحماس في نفوس الضباط والجنود الوطنيين والهدم السريع والمؤثر في معنويات ونفوس الخونة.

رابع هذه الدروس: هي أن المعارضة في تركيا ليست معارضة شكلية، ولكنها معبرة بالفعل عن كتل شعبية تمثلها فبالرغم من اختلافات الإيدلوجية الفكرية بين أطياف هذه المعارضة، إلا أن كل تصريحات هذه النخبة معبرة عن نبض الجماهير التي تمثلها، ومدركة بأن مصلحة هذه الجماهير لن تكون مع الانقلاب بأي حال من الأحوال، لذلك إنحازت هذه المعارضة بشكل مباشر وسريع إلى الشرعية ورفضت الانقلاب.

خامس هذه الدروس: رأيت من بين الشعب التركي من يلتمس الأعذار للخونة ويبرر جرائمهم بأن الرئيس أردوغان كان لديه بعض الأخطاء، وأنه المسؤول عن الأحداث المؤسفة وأن ثوبه طالته الدماء، وأن تركيا تحتاج إلى الدخول في مسار سياسي جديد!!!

الحقيقة أن أمثال هؤلاء لا وزن لهم بين أطياف الشعب التركي ولا يسمع أحد لهم أو يلقي لهم بالا، فهؤلاء تجدهم في الأزقة الضيقة ولا يسمح لأحدهم أن يلقي كلاما عبر وسيلة إعلام للرأي العام، لأن النخبة التركية تحترم الجماهير التي تسمعهم.

سادس هذه الدروس: كان في فكر المقاومة لدى الرئيس أردوغان بطلبه نزول الشعب في كل تركيا، وكلفهم بمهام محددة مثل تحرير المطار ووسائل الإعلام التي سقطت في يد الخونة، وهو ما جعل العسكر قلة محاصرة من عموم الشعب في كل المواقع وألحق بهم الهزائم المادية والمعنوية في عدة مواقع متتالية حتى تحقق الانتصار.

سابع هذه الدروس: إلى من يتشدقون بالحفاظ على مؤسسات الدولة في مصر؛ يجب أن يعلم هؤلاء أن فور كسر الانقلاب في تركيا تم عزل وإلقاء القبض على آلاف القضاة والضباط من الخونة؛ لأن استمرار هؤلاء هو أخطر شئ على مؤسسات الدولة وعلى الشعب التركي.

إن من ينادي بالحفاظ على مؤسسات الدولة من التطهير هو في الحقيقة لا يهدف إلا للحفاظ على الدولة العميقة قوية بكل أركانها، وأن تظل هذه الكتلة محتفظة بمواقعها ومهددة للشعب بالانقلاب والويلات إذا تقدم خطوة نحو استرداد سيادته أو انتزاع حقوقه المسلوبة من الخونة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق