الجمعة، 15 يوليو 2016

جمهورية الضباط الصهاينة

جمهورية الضباط الصهاينة


آيات عـرابي


وقف بن جوريون في الكنيست في الثامن عشر من أغسطس 1952 يوجه التهنئة لضباط انقلاب يوليو 52، وهو ما أثار ردود أفعال واسعة حيث عبَّر الكثيرون عن غضبهم من تلك التصريحات، واتهم بعضهم صراحة، ضباط الانقلاب بالعمالة للكيان الصهيوني، فيما خرجت مظاهرة منددة بالعسكر وانطلقت نحو ميدان عابدين حيث رفع المتظاهرون لافتات طالبوا فيها بمحاكمة الضباط، وتساءل مجدي أبو المكارم الصحفي في جريدة الأخبار عن حجم التعاون الفعلي بين ضباط الانقلاب وعصابات الاحتلال الصهيوني؟

ونقل الأستاذ مجدي أبو المكارم رواية الأميرالاي سيد طه عن لقاء جمال عبد الناصر بضابط المخابرات الصهيوني يروحام كوهين سنة 1949 وعناقهما الحار والأسبوع الذي قضاه عبد الناصر بصحبته في الأرض المحتلة واختتم مقاله بأنه يعتقد أن ذلك الضابط يلعب دورا أخطر مما يبدو في الحقيقة وطالب قيادة مجلس الثورة بتوضيح فوري خصوصا وأن من نقل الرواية كان قائداً لعبد الناصر أثناء الحرب الأخيرة.

وزاد المقالُ النار اشتعالا فامتدت المظاهرات إلى جامعة فؤاد الأول التي انطلقت منها مظاهرة حاشدة إلى ميدان عابدين حيث أعلن الطلبة اعتصامهم أمام قصر عابدين مطالبين بمحاكمة ضباط الانقلاب.
ألقى أحد طلبة الإخوان المسلمين كلمة نارية أججت مشاعر المعتصمين، فرفعوا المشانق منددين بضباط الانقلاب.

واكتسبت الأزمة أبعاداً جديدة بعد قرار جريدة أخبار اليوم بفصل الصحفي مجدي أبو المكارم وهو القرار الذي أعقبته مظاهرة عفوية انطلقت لتحاصر مبنى الجريدة، فيما اندلعت أعمال عنف إثر قيام البوليس الحربي بإطلاق النيران الحية على المتظاهرين حول مبنى أخبار اليوم في محاولة لتفريقهم مما أسفر عن وفاة اثنين وإصابة سبعة آخرين، واندفعت الجموع إلى داخل مبنى الجريدة بعد أن تغلبت على قوة الحراسة الصغيرة من البوليس الحربي محطمة في طريقها كل شيء.

وعلى إثر ذلك، عقد مجلس قيادة الثورة اجتماعا عاجلا برئاسة اللواء محمد نجيب قرر فيه عزل عبد الناصر من كل مناصبه في مجلس قيادة الثورة وفي الجيش وإحالته للتحقيق فورا، كما أعلن الأحكام العرفية في مصر وهي إجراءات لم تلق ترحيبا على ما يبدو لدى المعتصمين في عابدين ولم تنجح في وقف تدفق المظاهرات التي ما زالت تحاصر قصر عابدين إلى الآن.

كان من الممكن أن يكون ذلك التقرير الصحفي الخيالي جزءاً من الحقيقة لو كان هناك في مصر إعلام حقيقي ينقل للشعب حقيقة ما يجري خلف الستار (يمكنك قراءة نص كلمة بن جوريون على موقع الخارجية الأمريكية ويمكنك العودة لمذكرات الاميرالاي سيد طه الذي تحدث عن عناق عبد الناصر وكوهين وقضاءه معه أسبوعا في الأرض المحتلة). 
تخيل رد فعل المصريين لو كانوا أدركوا احتفاء الكيان الصهيوني بانقلاب 1952، تصور حجم الغضب والشك الذي كانوا سيتعاملون به مع تلك العصابة من العسكر لو كانت أنباء خطاب بن جوريون وصلت إليهم.

كانت حروب الكيان الصهيوني مع جيش العسكر مجرد مشاهد حقيقية حتمتها ضرورات درامية ترتبط في المقام الأول بالكيان الصهيوني, لا بتحرير فلسطين ولا بحماية أمن مصر ولا كل تلك الرطانة السخيفة التي صدع العسكر المصريين بها ستة عقود.

لم يكن قيام الجيش المصرائيلي بقصف المنازل في سيناء وتهجير رفح انحرافاً عن المهمة الرئيسية لعصابات العسكر. هم فقط كانوا يقومون بعملية إحماء استغرقت أقل من ستين عاماً للوصول إلى هذه المرحلة.

ولم تكن زيارة سامح شكري للأرض المحتلة وانحناؤه أمام نتن ياهو وزيارته له في القدس المحتلة عارضاً مفاجئاً، بل هو الخط الرئيس في سياسة العسكر منذ الانقلاب الصهيوني الأول في 1952، فقط الانقلاب الصهيوني الثاني في 2013 كان مرحلة فاصلة كشفت الستار عن بعض ما كان يجري في الكواليس.

تريد أن تتحقق مما أقول، انظر إلى ضحكات أحمد أبو الغيط مع ليفني وحالة الانسجام النفسي لعمر سليمان معها في صورهم، نحن فقط لم نكن نرى.

الكل يعمل من أجل الكيان الصهيوني منذ البداية، عبد الناصر كان يرسل لهم مبعوثيه سرا والسادات كان يتفق ويتآمر معهم سراً والمخلوع كان يتناول عشاءه مع شارون سراً وما الشاويش الحالي إلا التطور الطبيعي لمراحل الخيانة السابقة. نحن فقط لم نرَ ما خلف الكواليس إلا الآن.

لو كانت الكاميرا رافقت المقبور عبد الناصر خلال لقاءاته وأحضانه الدافئة مع صديقه يروحام كوهين لبصقت على الجميع ولحدثتنا بما تشيب له الرؤوس.

لو كنا نستمع لأحاديث العميل السادات مع أسياده الصهاينة لأصيب بعضنا بالجنون حتماً وهو يرى أوهامه تتهاوى من تمثيلية حرب أكتوبر إلى خدعة اختطاف الطائرة في قبرص والتي كانت تمهيداً لعزل مصر عن فلسطين.

لو كانت العدسة تنقل لك ما يجري بين المخلوع وشارون في أمسيات العشاء التي قضوها معاً لأصيب الكثيرون بالذهول.

لو كان هناك إعلام من البداية لسقطت دولة العسكر الصهيونية على رأس المقبور عبد الناصر ولم نكن لنصل لمرحلة الشاويش الحالي وصبيه سامح شكري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق