على سبيل التقديم
تقرير (راند): (تكوين شبكات إسلامية معتدلة)... من جديد (!)
لا يدخر الغرب جهداً في دراسة وتحليل الواقع الإسلامي والعربي، مع أنه قد استطاع التمكن من الهيمنة الاقتصادية والعسكرية على بلدان العالم الإسلامي، بل استطاع أيضا ممارسة دور كبير في التأثير الفكري والتوجيهي في كثير من المجالات العلمية والفكرية.
وعلى الرغم من أن هذه المقدمة الأولية تؤدِّي في الغالب إلى زوال القلق تجاه العالم الإسلامي، إلا أن هذا لم يحدث على أرض الواقع؛ بل زادت تلك الدراسات التي تتناول المنطقة بالتحليل والدراسة، مما دعا البعض إلى تسمية هذه الظاهرة بـ(حمَّى الشرق الأوسط).
لا يمكن تفسير ذلك التخوُّف الغربي من العالم الإسلامي بأسباب اقتصادية أو سياسية فحسب، ولكنه الخوف من الإسلام الذي جعل مراكز الأبحاث الغربية تدرك أن الحرب مع المسلمين الآن هي حرب فكرية – حسب تعبيرهم – في المقام الأول، بل ويرون أن المسلمين فيها على درجة من القوة تجعلهم يبدءون حربهم على الإسلام بدءا من الأطراف البعيدة، واتجاهًا إلى القلب الذي يمثِّله العالم العربي.
لا يرجع هذا التخوُّف من العالم العربي أو من التيارات السلفيَّة على وجه التحديد – كما يشير تقرير (راند) - إلى ضعف التأثير الفكري للغرب في العالم الإسلامي، ولكن لأن المرحلة المقبلة تسعى إلى ممارسة تأثير فكري أكثر عمقاً، يصل إلى حد التغيير والتبديل الكامل، وصولاً إلى صياغة إسلام متوافق مع القيم الغربية، وتابع لها بغير شرط ولا قيد، بل وقابل للتغيير المستمر وفقاً لما يجد من متطلبات ومطالب.
ما هي مؤسسة (راند):
لقد تخطت الدراسات الغربية مرحلة الفحص والتحليل للواقع الإسلامي، وعملت عدة مراكز بحثية على البحث عن طرق التأثير والتوجيه على المسلمين، ورسم خطط واقعية وعملية لتنفيذ ذلك على أرض الواقع.
أهم هذه التقارير؛ هو التقرير الذي أصدرته مؤسسة (راند) (RAND Corporation) التي اشتق اسمها من اختصار كلمتي "الأبحاث والتطوير"؛ أي (Research and Development) التي يقع مقرها الرئيسي في ولاية كاليفورنيا الأميركية، وتعتبر أحد أهم المؤسسات الفكرية المؤثرة على صناعة القرار في الإدارة الأميركية الحالية، خاصة فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، ولذلك تميل الإدارة الأميركية الحالية إلى تبنِّي مقترحات مؤسسة (راند)، وهو ما يجعل لإصداراتها أهمية خاصة في هذه المرحلة.
وتتبنى هذه المؤسسة وجهة النظر الأكثر تشددًا في مواجهة الإسلام والمسلمين، وبالتالي فهي تدعم التيار المتشدِّد في الحكومة الأمريكية الحالية، وخاصة في أجواء الحملة الأمريكية على الإرهاب.
لماذا تنشر الألوكة هذا التقرير بالذات:
أصدرت مؤسسة (راند) تقريراً عام 2007 يحمل عنوان تكوين (شبكات إسلامية معتدلة)، امتاز هذا التقرير عن التقارير السابقة بأنه موجَّه بطريقة واضحة إلى الحرب العَقَدِيَّة - أو الفكريَّة - حسب التعبير الغربي، وبالتالي فهو لا يحارب الإرهاب المتمثِّل في تنظيم القاعدة أو ما يشابهها، بل يتوجه إلى المسلمين كافة.. هذا من جهة.
من جهة أخرى؛ فإن التقرير لم يقف عند حد التَّنظير، وإنما تعدَّى ذلك إلى وضع خطط واقعية ومدعمة بالأسماء والمنظمات المقترحة للتعاون في تطبيق خطة انتقال العالم الإسلامي من الفهم الأصولي أو الوهابي للإسلام إلى الفهم المعتدل، الذي يجعل منظومة القيم الغربية هي المنظومة الحاكمة لمحاولة فهم الدين، بل ومحاولة تبديله ليتوافق معها!!
لماذا الآن:
صدر هذا التقرير في عام 2007، وأحدث دويًّا في الإعلام العربي، نظراً لجرأته وصراحته وتحديده للأهداف وطرق تطبيقها واقعيًّا، ولكن التعامل مع هذه التقارير يحتاج من أهل العلم والعناية بأحوال هذه الأمة إلى مزيد من التذكير والمتابعة والرصد، وإعادة النظر والاستيعاب، الذي يكافئ ما بُذل فيها من جهد وسنوات من أجل التصدي والتنبيه وإنذار قومهم إذا رجعوا إليهم.
وشبكة الألوكة تقدم لأُولي الأحلام والنُّهى من هذه الأمة تقرير (راند) في صورة أكثر اكتمالاً، قياماً بواجب التذكير، وحتى يمكن للمتابِعين الذين يراقبون تفاصيل المخطَّط من وضع الأحداث التفصيلية في سياقها الأعمّ، والربط بينها بما يزيد من فُرَص الفهم الصحيح لتحرُّكات الأعداء، والبحث والسعي للقيام بالتصدي لهذه المخططات عن وعي وفهم.
تكوين شبكات من المسلمين المعتدلين
Building Moderate Muslim Networks
أنجيل راباسا
تشيريل بينارد
لويل إتش شفارتز
بيتر سيكل
تحت رعاية مؤسسة سميث ريتشاردسون
تشيريل بينارد
لويل إتش شفارتز
بيتر سيكل
تحت رعاية مؤسسة سميث ريتشاردسون
تمهيد
إن الصراع الموجود حالياً في معظم أنحاء العالم الإسلامي عبارة عن حرب للأفكار، وسوف تحدد نتائج هذه الحروب التوجهات المستقبلية للعالم الإسلامي وما إذا كان خطر المجاهدين الإرهابيين سوف يستمر مع عودة بعض المجتمعات الإسلامية إلى أبعد أنماط التعصب والعنف.
وهذه الحرب لها تأثير عميق على أمن الدول الغربية. وعلى الرغم من أن الإسلاميين المتطرفين يعتبرون قلة في كل مكان إلا أنهم يحظون بالتفوق في العديد من المناطق.
ويكمن السبب وراء ذلك بدرجة كبيرة إلى أنهم قاموا بتطوير شبكات شاملة تغطي العالم الإسلامي وتتجاوزه في بعض الأحيان إلى المجتمعات الإسلامية في أمريكا الشمالية وأوروبا، أما المسلمون المعتدلون والليبراليون - رغم أنهم أكثرية في العالم الإسلامي - فإنهم لم يُنشئوا شبكات مماثلة، ويمكن لشبكات ومؤسسات المسلمين المعتدلين أن تعمل على توفير منبر لتقوية رسالة المعتدلين إضافة إلى كونها تشكل قدراً من الحماية ضد العنف والإرهاب.
وعلى الرغم من ذلك نجد أن المعتدلين ليس لديهم الموارد اللازمة لإنشاء تلك الشبكات بأنفسهم؛ حيث أنها قد تتطلب مساعدات خارجية، ومع خبرة الولايات المتحدة الكبيرة التي يعود تاريخها إلى المساعي التي بذلتها أثناء الحرب الباردة لدعم شبكات الأشخاص الملتزمين بالأفكار الحرة والديمقراطية؛ فإن للولايات المتحدة دوراً حاسماً يمكنها أن تلعبه لتهيئة الساحة للمعتدلين.
وما نحتاجه في هذه المرحلة هو استخلاص الدروس من تجربة الحرب الباردة ومدى ملاءمتها لوضع العالم الإسلامي الراهن وتقييم فاعلية برامج التزام الحكومة الأمريكية مع العالم الإسلامي وتوفير خارطة طريق لتشييد شبكات للمسلمين الليبراليين والمعتدلين وهذا ما تهدف إليه هذه الدراسة.
أما البحث فيما وراء هذه الدراسة؛ فإنه يستند إلى الأعمال السابقة لمؤسسة راند الخاصة بالمسلمين المعتدلين، وبصفة خاصة كتاب "العالم الإسلامي بعد أحداث 11 / 9 - The Muslim World After 9/11" من تأليف أنجيل راباسا وآخرين، وكتاب "الإسلام الديمقراطي المدني - Civil Democratic Islam" من تأليف شيريل بينارد، وبتمويل من منحة قدمتها مؤسسة سميث ريتشاردسون - أُجري هذا البحث في مركز السياسة العامة لمنطقة الشرق الأوسط (CMEPP) التابع لمؤسسة راند، والذي يهدف إلى تحسين السياسة العامة من خلال تزويد صانعي القرار والشعوب ببحث هادف ودقيق حول قضايا السياسة المُهمة التي تؤثر في الشرق الأوسط.
ومن خلال معالجة إحدى القضايا الرئيسة المعاصرة - ألا وهي قضية حرب الأفكار في العالم الإسلامي - فإن هذه الدراسة تعد في صميم المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة وحلفاؤها، كما أنها تتصل بشكل مباشر بوجهة النظر الخاصة بمؤسسة سميث ريتشاردسون، التي تُفيد بأن على الولايات المتحدة أن تستمر في مواجهة التحديات التي تعترض تعزيز النظام الدولي وتطوير المصالح والقيم الخاصة بالولايات المتحدة في الخارج، ويجب أن تكون هذه الدراسة قيّمة لأمن المجتمع الوطني والأشخاص المهتمين من عامة الشعب داخل الولايات المتحدة وخارجها، نرحب بتعليقاتكم ونطلب منكم إرسالها إلى المؤلف.
الملخص
اكتسبت التفسيرات المتطرفة والمتشددة للإسلام مكانة بارزة في المجتمعات الإسلامية على مدار السنوات الأخيرة، وبالرغم من وجود أسباب كثيرة وراء ذلك إضافة إلى الدراسات الكبيرة والنامية، التي ما زالت مستمرة لاكتشاف هذه التفسيرات والأيديولوجيات - إلا أنه من الواضح أن العوامل البنيوية تلعب الدور الأكبر في هذا الصدد.
إن شيوع الأنظمة الاستبدادية في العالم الإسلامي وضعف دور مؤسسات المجتمع المدني جعل المسجد هو المتنفس الوحيد لأصحاب هذه الآراء للتعبير عن الغضب الشعبي العارم ضد هذه الأنظمة الفاسدة والأوضاع المتردية في المجال السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وفي العديد من دول العالم الإسلامي - وخاصة المستبدة منه - يظهر المتطرفون من الإسلاميين في صورة البديل الوحيد لهذه الأوضاع المتردية، ويقومون بشن حربهم في وسائل الإعلام والساحة السياسية، سواء بشكل معلن أو بشكل سري، طبقًا لدرجات الاستبداد والقمع الذي يواجههم.
ولقد نجح المتطرفون والمتعصبون في إرهاب المعتدلين من المسلمين وتهميشهم وإسكاتهم، وهؤلاء المعتدلون هم بالفعل من يشتركون معنا في الإيمان بالثقافة الديمقراطية مهما اختلفت طبقاتهم، وفي كثير من الدول الإسلامية مثل مصر وإيران والسودان يتم اغتيال المسلمين الليبراليين من المفكرين أو إجبارهم على الهجرة من بلادهم، وفي دول أكثر ليبرالية مثل إندونيسيا يلجأ المتطرفون للعنف والتهديدات لإرهاب خصومهم، أما هذه الأساليب فتزداد في الغرب مع الشتات الإسلامي هناك.
بعيدا عن هذه الأساليب التي يستخدمها الراديكاليون في إخضاع الجانب الآخر من المسلمين لاعتقاداتهم وآرائهم الدينية إلا أنهم يتمتعون بميزتين لا يتمتع بها الليبراليون الإسلاميون:
وأول هاتين الميزتين: المال؛ لأن السعودية هي أكبر ممول للإسلام الوهابي وخاصة في العقود الثلاث الأخيرة، سواء بقصد أو غير قصد، وهذا له أثر بالغ في انتشار التطرف في العالم الإسلامي.
والميزة الثانية: تلك التي يتمتع بها الراديكاليون ألا وهي القدرة على التنظيم، حيث استطاعت الجماعات الراديكالية خلال السنوات الأخيرة من عمل شبكات كبيرة استطاعت بعضها أن تكون عالمية ولها ثقل في العلاقات الدولية.
وبالتالي؛ فإن هذا البون الشاسع بين الراديكاليين والليبراليين في هذين المقومين أًهًّل الراديكاليون – بالرغم من قلة عددهم في العالم الإسلامي - أن يكون لهم النفوذ الأكبر الذي لا يتناسب مع عددهم، ولهذا نجد أن إنشاء شبكات دعم للمسلمين المعتدلين أصبحت ضرورة لأن الليبراليين والمعتدلين من المسلمين لا يملكون المقومات المالية والتنظيمية، وبالتالي تم إنشاء أرضية يستطيع من خلالها الليبراليون توجيه رسالتهم وأهدافهم، كما أنها ستوفر بعض الحماية من بطش المتطرفين وبطش حكوماتهم التي ترى فيهم بديلاً عن الاستبداد وبديلاً عن الراديكاليين المتطرفين.
وبما أن الليبراليين يفتقرون هذه المقومات التي تؤهلهم لإنشاء شبكات خاصة بهم؛ أصبح من الواجب وجود دعم خارجي لهم، وقد ذهب البعض إلى أن الولايات المتحدة – وهي دولة غالبيتها ليست مسلمة - لا تستطيع أن تقوم بهذا الدور لوحدها.
في حقيقة الأمر لا ينبغي على الإطلاق الاستهانة بالعقبات التي تحول دون إحداث تطورات سياسية اجتماعية في الدول الخارجية، ومن التجارب السابقة لعبت الولايات المتحدة دورا غاية في الأهمية أثناء الحرب الباردة من خلال دعمها للمعتدلين (من السوفييت)، وفي هذا التقرير سنقوم أولا بشرح كيف قامت الولايات المتحدة ببناء ودعم هذه الشبكات في الحرب الباردة، وكيف استطاعت أن تميز وتحدد شركائها وكيف تمكنت من حمايتهم من أي مخاطر.
ثانيا: سنقوم بتحليل المتشابهات والفروق بين الجو السائد في الحرب الباردة وصراع اليوم مع الإسلام المتطرف وما هو دور هذه المتشابهات في الفروق في التأثير على جهود الولايات المتحدة.
وثالثا: سنقوم بتحليل إستراتيجيات وخطط الولايات المتحدة تجاه العالم الإسلامي.
وفي النهاية سنقوم بصياغة "خارطة الطريق" لإنشاء شبكات من المسلمين المعتدلين استنادا على الخبرة المكتسبة من الحرب الباردة وأبحاث مؤسسة راند السابقة في تحليل الاتجاهات الأيديولوجية في العالم الإسلامي.
وهناك ملحوظة لابد من ذكرها – كما استنتج القائمين على هذا البحث - وهي أن الولايات المتحدة وحلفاؤها قد فشلوا في تحديد معيارية لحلفائها من المعتدلين فعلاً، ولكن تبقى النتيجة النهائية هي عدم تشجع المسلمين المعتدلين.
دروس مستفادة من الحرب الباردة
تحمل الجهود التي بذلتها واشنطن وحلفاؤها خلال السنوات الأولى من الحرب الباردة للمساعدة في بناء مؤسسات ومنظمات حرة وديمقراطية في طياتها دروسًا مفيدة للحرب العالمية الجارية ضد الإرهاب.
فعند بداية الحرب الباردة كان بإمكان الاتحاد السوفيتي الاعتماد ليس فقط على ولاء أحزاب شيوعية قوية بغرب أوروبا، وكان بعضهم من أكبر الأحزاب وأكثرها تنظيمًا داخل دولهم، وكانت على وشك الوصول للسلطة بدلاً من الأحزاب الديمقراطية، وإنما أيضًا على مجموعة من المنظمات (مثل الاتحادات العمالية والمنظمات الشبابية والطلابية) التي منحت العناصر المؤيدة للاتحاد السوفيتي سيطرة فاعلة على قطاعات مهمة في المجتمع.
أما خارج أوروبا الغربية فكان من بين حلفاء الاتحاد السوفيتي عدد من "حركات التحرير" التي كانت تناضل للتخلص من الحكم الاستعماري.
وعليه تتطلب عملية نجاح سياسة الاحتواء الأمريكية - إلى جانب الدرع العسكري الذي وفرته القوة الأمريكية النووية والتقليدية - بناء مؤسسات ديمقراطية مناظرة لتحدي الهيمنة الشيوعية على المجتمع المدني، وشكلت العلاقة الوثيقة بين الاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة وجهودها لإنشاء شبكات تروج للفكر الديمقراطي المكون الرئيسي والعامل الأهم في النجاح العالمي الذي أحرزته سياسة الاحتواء الأمريكية.وبذلك فإنها تمثل نموذجًا لصانعي السياسات في الوقت الراهن.
كما أن هناك صفة رئيسية لمبادرات إنشاء الشبكات للولايات المتحدة وحلفائها وهو الصلة بين القطاعين العام والخاص.
والجدير بالذكر أنه داخل الولايات المتحدة وأوروبا كان هناك بالفعل حركات فكرية مناهضة للشيوعية خاصة في الأوساط اليسارية غير الشيوعية، وكانت الحاجة ماسَّة في هذا الوقت لعاملين مهمين؛ ألا وهما المال والتنظيم اللازمين لتحويل الجهود الفردية إلى حملة واسعة النطاق، وبالتالي يتضح أن الولايات المتحدة لم تقم بإنشاء هذه الشبكات من فراغ، ولكن جاءت هذه الشبكات نتيجة لجهود حركات فكرية وسياسية قامت الولايات المتحدة والحكومات الأخرى الموالية لها بتبنيها وإيوائها بهدوء.
وبدت الولايات المتحدة في كل هذه المساعي كالمؤسسة البحثية؛ حيث قامت بتقييم كل المشاريع والأفكار لتحديد ما إذا كانت تخدم مصالح الولايات المتحدة، وقامت بدعمها ماديًّا، ثم اتبعت توجهًا يقوم على عدم التدخل، وتركت هذه المنظمات والهيئات بإدارة نفسها وتحقيق أهداف الولايات المتحدة دون أي تدخل مباشر من الولايات المتحدة، ومثلما الحال مع أي مؤسسة وضعت الحكومة الأمريكية خطوطًا إرشادية بشأن كيفية إنفاق الأموال - إلا أنه بصورة عامة أدرك المسئولون الأمريكيون أنه كلما ابتعدت المسافة بين حكومتهم وبين المؤسسات التي ترعاها؛ كلما زادت احتمالات نجاح أنشطة هذه المنظمات.
أما اليوم؛ فتواجه الولايات المتحدة تحديات جسيمة في إنشاء شبكات ديمقراطية في العالم الإسلامي، مثلها مثل التحديات التي اعترضت صانعوا السياسة عند بداية الحرب الباردة، وعلى رأسها ثلاث تحديات:
الأولى: أنه في أواخر الأربعينيات ومطلع الخمسينيات ثار جدال بين واضعي السياسات الأمريكية حول ما إذا كانت جهودهم لبناء الشبكات ينبغي أن تحمل طابعًا هجوميًّا أم دفاعيًّا، وذلك لأن البعض قد رأى أنه يتحتم على الولايات المتحدة أن تتبنى استراتيجية هجومية للقضاء على الحكم الشيوعي في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي، من خلال دعم الجماعات التي تريد الإطاحة بالحكومات الشيوعية سواء في السرِّ أو في العلن، بينما رأى البعض أن تنتهج الولايات المتحدة إستراتيجية دفاعية ترمي لتدمير الحكم الشيوعي بشرق أوروبا والاتحاد السوفيتي، عن طريق تقديم الدعم - سرًّا أو علنًا - للجماعات القائمة داخل هذه الدول، والساعية بنشاط نحو الإطاحة بالحكومات الشيوعية، بينما آمن البعض الآخر أنه من الضروري اتباع إستراتيجية ذات طابع دفاعي أكبر، تركز على احتواء التهديد السوفيتي، عبر تعزيز القوى الديمقراطية في غرب أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وكانت اليد العليا في الجزء الأكبر للإستراتيجية الدفاعية.
وسعت واشنطن أيضًا لتحويل مسار تدفق الأفكار إلى الطريق المعاكس، فبدلاً من تدفق الأفكار الشيوعية على الغرب عبر الاتحاد السوفيتي ومنظماته، تمكنت الأفكار الديمقراطية من اختراق الستار الحديدي من خلال المنشآت الإعلامية المنشأة حديثًا.
أما التحدي الثاني الذي واجهه صناع السياسة الأمريكية إبان الحرب الباردة تمثل في الـحفاظ على مصداقية الجماعات التي تساندها الولايات المتحدة؛ حيث حاول منظمو الجهود الأمريكية لبناء الشبكات الحد بأقصى درجة ممكنة من كل المخاطر التي قد تتعرض لها الجماعات، عن طريق تحجيم المسافة بين هذه الجماعات وحكومة الولايات المتحدة، واختيار أفراد بارزين يتمتعون بقدر كبير من المصداقية لتولي مناصب قيادية في الشبكات، ويذكر أن الولايات المتحدة قد ساندت أنشطة إنشاء الشبكات التي قامت بها منظمات مستقلة مثل الاتحاد الأمريكي للعمال.
أما التحدي الثالث الذي كان يواجهه صناع السياسة الأمريكية هو تحديد مدى اتساع التحالف المناهض للشيوعية؛ فعلى سبيل المثال: هل ينبغي أن يضم الاشتراكيين الذين انقلبوا ضد الشيوعية ولكن ما زالوا ينتقدون بعض جوانب السياسة الأمريكية؟ ولكن في النهاية قررت الولايات المتحدة أن التحالف من الممكن أن يضم أي شخص، طالما أنه ملتزم بمبادئ محددة أساسية؛ فعلى سبيل المثال: كانت طريقة الحصول على بطاقة عضوية مؤسسة الحرية الثقافية هي الموافقة بالإجماع على معارضة النظم الشمولية.
ويسمح بالاختلاف مع سياسات الولايات المتحدة – وقد تم تشجيع ذلك - لأن ذلك ساعد في ترسيخ مصداقية واستقلالية المنظمات المدعومة.
أوجه الشبه والاختلاف بين مناخ الحرب الباردة والعالم الإسلامي اليوم
بصورة عامة؛ هناك ثلاثة جوانب واسعة للمقارنة بين بيئة الحرب الباردة والبيئة الراهنة:
أولا: واجهت واشنطن في أواخر الأربعينيات كما تواجه اليوم بيئة (جيو/سياسية) جديدة ومحيرة، تنطوي على تهديدات أمنية جديدة؛ ففي بداية الحرب الباردة تمثل التهديد في الحركة الشيوعية العالمية التي قادها الاتحاد السوفيتي المسلح نوويًّا، أما اليوم فيتركز هذا التهديد في حركة جهادية عالمية تشن هجمات إرهابية ضد الغرب، تسقط أعدادًا ضخمة من الضحايا.
ثانيًا: مثلما الحال في الأربعينيات؛ شهدنا إنشاء كيانات بيروقراطية كبيرة وجديدة تابعة للحكومة الأمريكية، بهدف التصدي لهذه التهديدات.
والأخير والأهم في هذا الموضوع: أنه في بدايات الحرب الباردة ساد الإدراك بأن الولايات المتحدة وحلفاؤها يخوضون صراعًا أيديولوجيًّا؛ فمن جانبهم أدرك صانعو السياسات جيدًا أن هذا الصراع سيجري خوضه على مستويات دبلوماسية واقتصادية وعسكرية ونفسية، أما اليوم - وكما اعترفت وزارة الدفاع في تقريرها الربع سنوي أن الولايات المتحدة اليوم تقود حربًا على الصعيدين الحربي والفكري - فهي تقود معركة بالأسلحة ومعركة بالأفكار؛ حيث لن تكون الغَلَبَة على الجانب الآخر إلا بتشويه الأيديولوجيات المتطرفة في أعين معتنقيها ومؤيديها.
ومن المهم عندما نعقد مقارنات تاريخية أن نذكر الفروق والمتشابهات بين الماضي والحاضر، وكدولة قومية؛ فإن الاتحاد السوفيتي كانت له مصالح قومية تتعلق بالدولة يقوم بحمايتها وحدود يقوم بترسيمها وبناء حكومي واضح، وعلى النقيض نجد اليوم أن الولايات المتحدة تقف في مواجهات عناصر غامضة لا تتبع دولة بعينها ولا تسيطر على مناطق محددة، بالرغم من أن بعضهم استطاع إقامة ملتجآت خارج سيطرة الدولة، وهؤلاء الأفراد يرفضون الأعراف التي يقوم عليها النظام الدولي كما لا يخضعون للسبل التقليدية للردع.
برامج الولايات المتحدة المشتركة فيها مع الشرق الأوسط
في أعقاب هجمات 11 سبتمبر عام 2001 تم توجيه قدر كبير من الموارد والاهتمام لحماية الأمن المادي للمواطنين الأمريكيين والأراضي الأمريكية، في الوقت ذاته وبناءً على إدراك أن مكافحة الإرهاب لا تعني تقديم الإرهابيين للعدالة وتقليص قدرتهم على تنفيذ العمليات فحسب، وإنما جرى أيضًا بذل جهود لتناول "الأسباب الجذرية" للإرهاب، وأوضح تقرير الأمن الوطني الصادر في سبتمبر 2002 أن هناك مبدأ أمني خاص يؤكد على نتائج الأوضاع الداخلية لبعض البلدان خاصة البلدان التي تعاني من انعدام الديمقراطية.
إن هذا المبدأ تم التأكيد عليه في السنوات الأخيرة بدءا من تقرير اللجنة حول أحداث 11 سبتمبر إلى خطابات الرئيس بوش وخاصة خطابه الافتتاحي الثاني، وتعد "أجندة الحرية" التي أطلقها الرئيس بوش من "أكبر استراتيجيات" الولايات المتحدة في حربها العالمية ضد الإرهاب، ولكن حتى الآن لم يتحقق إجماع بشأن كيفية تحديد ودعم حلفاء الولايات المتحدة وشركائها في "حرب الأفكار".
وتحديدًا لا يوجد سياسة صريحة من الولايات المتحدة تجاه كيفية بناء شبكات إسلامية معتدلة، بالرغم من أن هذا المشروع ماض بالفعل، ولكن كعامل ثانوي في برامج مساعدة الولايات المتحدة، وهدفنا من هذا التقرير أن نجعل إنشاء شبكات إسلامية معتدلة هو الهدف الرئيسي لبرنامج حكومة الولايات المتحدة الأمريكية.
إن مشروع إنشاء شبكات إسلامية معتدلة يمكن أن يمضي على ثلاثة مستويات:
1- دعم الشبكات الموجودة بالفعل.
2- تحديد الشبكات المحتملة ودعمها ومساعدتها على التطور.
3- الإسهام في تنامي الظروف المواتية للتعددية والتسامح بما يخدم نمو الشبكات، وبرغم توافر عدد من برامج الحكومة الأمريكية التي تخلف تأثيرات على المستويين الأولين، تنتمي غالبية الجهود الأمريكية حتى اليوم إلى المستوى الثالث.
ويعود جزء من السبب وراء ذلك إلى عدم توفر سوى عدد ضئيل من الشبكات المعتدلة القائمة بالفعل داخل أجزاء كثيرة من العالم الإسلامي التي يمكن لواشنطن المشاركة معها.علاوة على ذلك فإنه في إطار سعيها لبناء شبكات معتدلة يتعين على الولايات المتحدة التعامل مع بيئات اجتماعية وسياسية قمعية ومشاعر عداء قوية إزاءها بمعظم أنحاء العالم المسلم.
وتنتمي غالبية الجهود الأمريكية بشكل عام إلى مجالات تعزيز الديمقراطية وتنمية المجتمع المدني والدبلوماسية العامة.
نشر الديمقراطية:
من خلال الدبلوماسية التقليدية تشارك واشنطن عبر الجهود الدبلوماسية التقليدية في حوار على مستوى الدول، وصاغت حوافز مثل "حساب تحدي الألفية"؛ بهدف تشجيع الدول على الانضمام إلى "مجتمع الديمقراطيات".
وتشدد الولايات المتحدة على الصعيدين العام والخاص على فوائد اتباع القيم الديمقراطية الليبرالية؛ مثل المساواة والتسامح والتعددية وحكم القانون واحترام الحقوق المدنية وحقوق الإنسان، بما يسهم في تنمية بيئة سياسية واجتماعية تيسر بناء شبكات معتدلة.
وعلاوة على ذلك، تقوم كل من وزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وكالة التنمية العالمية بالولايات المتحدة بوضع أوامر رسمية معينة لنشر الديمقراطية، ومن أجل الاضطلاع بهذه الواجبات تتعاقد كلتا الجهتين مع المنظمات الأهلية خاصة الهيئة القومية للديمقراطية (NED) و(المعهد الجمهوري الدولي (IRI) والمعهد الدولي للديمقراطية (NDI) ومؤسسة آسيا ومركز دراسات الإسلام والديمقراطية (CSID)، وكل هذه المنظمات غير هادفة للربح، وتمولها حكومة الولايات المتحدة الأمريكية.
وتمثل مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط محاولة بارزة للتخلص من التوجهات التقليدية التي ظهرت في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، برغم أنها لا تعد بأي حال من الأحوال أكبر برنامج أمريكي للتعاون مع العالم المسلم، وتصيغ المبادرة برامجها على أربعة محاور أساسية : الإصلاح السياسي والإصلاح الاقتصادي والتعليم وتمكين المرأة، إلى جانب دعمها المباشر للمنظمات الأهلية الأصلية غير الحكومية المحلية بصور أكثر إبداعًا ومرونة.
وقد تم افتتاح المبادرة كمكتب جديد يتبع مكتب شئون الشرق الأوسط بوزارة الخارجية كمحاولة للتخلص من التوجه التقليدي القائم على الاتصالات بين الحكومات، عبر الاعتماد على المنظمات غير الحكومية الأمريكية في توزيع منح صغيرة بصورة مباشرة على المنظمات غير الحكومية المحلية داخل إطار المحاور الأربعة.
وفي عام 2004 سعت واشنطن بالتعاون مع شركائها بمجموعة الدول الثماني العظمى نحو صياغة توجه دولي في هذا الصدد، من خلال إعلان مبادرة الشرق الأوسط الكبير وشمال إفريقيا، وفي صيف عام 2006بذل القائمون على المبادرة مساعيهم لإعادة تطبيق نموذج منظمة آسيا - أكثر المنظمات غير الحكومية نجاحًا في جهود تنمية مؤسسات المجتمع المدني - داخل منطقة الشرق الأوسط.
تنمية المجتمع المدني:
تسير جهود تعزيز الديمقراطية جنبًا إلى جنب مع تنمية المجتمع المدني، بل ويعتقد الكثير من المتخصصين أن تنمية المجتمع المدني تمثل خطوة مسبقة ضرورية لإحلال الديمقراطية.
ويشير مصطلح المجتمع المدني إلى مجموعة من المؤسسات والقيم التي تعمل كحائط عازل، وفي الوقت ذاته حلقة وصل جوهرية بين الدولة والأفراد والأسر والعشائر، ويتضح عندما تتمكن المنظمات الاجتماعية والمدنية - مثل المنظمات غير الحكومية - من الوقوف في وجه قوى الدولة.
وبالرغم من أن المجتمع المدني لا ينشأ سوى في ظل الديمقراطية، إلا أن وجوده ضروري وهام سواء للدول غير الديمقراطية أو الدول التي تسمح ببعض الممارسات الديمقراطية.
إن إنشاء شبكات من المعتدلين جزء لا يتجزأ من المجتمع المدني، فالاثنان يقويان بعضهما البعض ويعتمدان على بعضهما، ومن الناحية النظرية، إذا نشأ المجتمع المدني يتبعه الشبكات المعتدلة والعكس صحيح، أما من ناحية التطبيق؛ تأتي الجهود الأمريكية لتنمية المجتمع المدني على نطاق أوسع من جهود تعزيز الديمقراطية، وتتضمن جهودًا لتدعيم الفرص الاقتصادية ووسائل الإعلام المستقلة والمتميزة بالشعور بالمسئولية وحماية حقوق الأقليات وتوفير الرعاية الصحية والتعليم.
إن هذا البحث الطويل يحتاج لتفصيل وتأصيل طويل وبناء تدريجي للديمقراطية والقيم الليبرالية من الجذور، وبالتالي فهو جهد يأتي من أسفل إلى أعلى.
إن هذه الاستراتيجية تقدم تحديات محددة لرسم سياسات الحكومة الأمريكية، وخاصة وزارة الخارجية التي تقيم العلاقات مع حكومات الدول.
إن نشر الديمقراطية وإنشاء المجتمع المدني يواجهان عقبتان رئيسيتين: المقاومة المستميتة من قبل الأنظمة الاستبدادية، ونقص المعلومات الملموسة عن معيار تقييم الأداء.
وتتمثل مقاومة الأنظمة في القوانين المانعة لإنشاء المنظمات الأهلية أو قبول المساعدات الخارجية والإدارة الصارمة لأنشطة المنظمات الأهلية وقد حدث ذلك مؤخرا في البحرين حيث طردت بعض المسئولين وفي مصر عندما قامت بتعليق الأنشطة.
وعلى الجبهة الدبلوماسية العامة بذلت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس جهود للتوفيق بين سياسة وزارة الخارجية والحكومة الأمريكية في "الدبلوماسية الانتقالية" التي سيقوم فيها مسئولي الحكومة الأمريكية بغرس الدبلوماسية العامة على الصعيدين صناعة السياسة والتطبيق، ولكن داخل الحكومة، ستظل أهداف الدبلوماسية العامة متنوعة وليس من الغريب أن تأثيرها هو الأكثر تعقيدا ومن الصعب تقييمه.
أما أكثر الآليات التي جرت الاستعانة بها في نقل جهود الدبلوماسية العامة إلى داخل العالم المسلم فتمثلت في محطات الإذاعة والأخرى المرتبطة بالأقمار الصناعية خاصة راديو "سوا" وقناة "الحرة".
وبينما تعرضت قناة "الحرة" لانتقادات لاذعة لإخفاقها في بناء قاعدة جماهيرية لها، حقق راديو "سوا" نجاحًا في هذا الشأن، بيد أن النجاح في بناء جمهور لا يترجم بوضوح إلى مكاسب ملموسة على صعيد تعزيز الاعتدال داخل المجتمعات المستهدفة أو بناء مؤسسات معتدلة، ذلك أنه برغم كلفتهما المرتفعة والبالغة 700 مليون دولار سنويًّا، لا يبدو واضحًا حتى الآن تمكن أي من راديو "سوا" أو قناة "الحرة" من صياغة توجهات إيجابية داخل العالم الإسلامي إزاء سياسات الولايات المتحدة.
خارطة الطريق لبناء شبكات معتدلة
وبعد الاطلاع على أكثر الاستراتيجيات تأثيرًا في بناء وتكوين هيئات قوية وموثوق فيها من المنشقين البارزين، وكذلك في مجال تغيير الأفكار أثناء الحرب الباردة - قمنا بعمل تقصي وتحري عن مثقفي العالم الإسلامي وهيئاته ومؤسساته، وفي نفس الوقت قمنا بتقييم سياسة الولايات المتحدة ودبلوماسيتها العامة؛ لإعادة صياغة الخطاب السياسي تجاه الشرق الأوسط، ومن خلال هذا البحث استخلصنا طريقة تطبيق مذكورة لاحقًا.
إن الخطوة الأولي تتعلق بالولايات المتحدة وحلفائها لاتخاذ قرارا بإنشاء شبكات من المعتدلين وكذلك عمل علاقة صريحة بين هذا الهدف واستراتيجية الولايات المتحدة وبرامجها بالكامل.
إن التطبيق الفعال لهذه الاستراتيجية يتطلب إنشاء هيكل تأسيسي داخل الإدارة الأمريكية؛ لتوجيه هذا الجهد ودعمه وإدارته.
وداخل هذا الإطار يتحتم على الولايات المتحدة أن تكتسب خبرة ضرورية وقدرة استيعابية لتنفيذ هذه الاستراتيجية، والتي تشمل الآتي:
1- وضع معايير صارمة وحادة لتحديد المعتدلين الحقيقيين في العالم الإسلامي، والتمييز بينهم وبين الانتهازيين والمتطرفين الذين يروجون لأنفسهم على أنهم معتدلين، وتمييز الليبراليين العلمانيين من العلمانيين الاستبداديين، وتحتاج الولايات المتحدة إلى القدرة على اتخاذ قرارات حاسمة لتحديد ودعم الأفراد خارج هذا النطاق في ظروف محددة.
2- عمل قاعدة بيانات دولية عن شركائها (الأفراد، الجماعات، المؤسسات، والهيئات والأحزاب إلخ).
3- عمل آليات لإدارة وتنقيح البرامج والمشاريع والقرارات، ويشمل ذلك حلقة استرجاعية لإدخال بيانات وعمل تصحيحات تأتي من قبل هؤلاء الشركاء الذين تم تحديدهم على أنهم مصادر موثوق فيها.
إن جهود إنشاء الشبكات يركز مبدئيا على جماعة رئيسية من الشركاء الموثوق فيهم ومعروف توجهاتهم الفكرية ويعملون بشكل خارجي في هذا الهدف، مثل اتباع منهج المؤسسات السرية، وبعد التأكد من أيديولوجية المؤسسات الجديدة التي تم استهدافها تقوم الولايات المتحدة بمنح مستويات أعلى من الاستقلالية.
إن بحثنا هذا يدعو لإحداث تغييرات جوهرية في الاستراتيجية الحالية تجاه العالم الإسلامي، ويحدد البحث الحالي منطقة المشكلة في الشرق الأوسط ويقوم بصياغة برامجها بناءا عليه، إن هذه البقعة من العالم كبيرة جدًّا ومتنوعة جدًّا ومعقدة، وتقع في أيدي قطاع عريض من القطاعات غير المعتدلة، وقد تسحب هذه المنطقة الكثير من الموارد دون أي تأثير، وبالتالي على الولايات المتحدة أن تتبع استراتيجية جديدة تكون غير متماثلة وتنقيحية.
يذكر أنه في إبان الحرب الباردة، كان على الولايات المتحدة أن تتجنب مركز جاذبية الخصوم، وبدلاً منه تقوم بالتركيز على الحلفاء وبرامجها، والمناطق التي استطاعت الولايات المتحدة أن تؤثر فيها، أو أن يكون من المحتمل أن تؤثر فيها في حرب الأفكار.
أما بالنسبة للشركاء، فسيكون من الضروري تحديد القطاعات الاجتماعية التي تكون عوائق للشبكات المقترحة ويجب أن تعطى الأولوية للآتي:
1- الأكاديميون الليبراليون العلمانيون من المسلمين والمثقفين.
2- صغار علماء الدين المعتدلين.
3- النشطاء من الجماعات.
4- جماعات الدفاع عن المرأة التي تدعو للمساواة بين الرجل والمرأة.
5- الكتاب والصحفيون المعتدلون.
يجب على الولايات المتحدة أن تضمن أن هؤلاء الشخصيات مدرجين في قائمة زيارات الكونجرس، وتعريف دوائر صنع القرار بهم، والمساعدة في الحفاظ على دعم الموارد من قبل الإدارة الأمريكية لجهود الدبلوماسية العامة.
يجب تنظيم برامج المساعدات في القطاعات الآتية، وتشمل الآتي:
1- التعليم الديمقراطي: وخاصة البرامج التي تستخدم نصوص وأعراف إسلامية تواجه التعاليم الفاشستية، وذلك لنشر القيم الديمقراطية والمبادئ التعددية.
2- وسائل الإعلام: دعم الإعلام المعتدل من أهم الطرق لمواجهة السيطرة على الإعلام من قبل العناصر غير الديمقراطية والمسلمين المحافظين.
3- المساواة بين الجنسين: إن أهم معركة فكرية نواجهها مع الإسلام هي حقوق المرأة، ويذكر أن أنصار حقوق المرأة موجودون في كل مكان. إن الترويج للمساواة بين الجنسين يعد مكونًا رئيسيًّا لأي مشروع يهدف لتمكين المسلمين المعتدلين.
4- تأييد السياسة: إن الإسلاميين لديهم أجندات سياسية وبالتالي يحتاج المعتدلون إلى تأييد لسياساتهم وأنشطة التأييد للسياسة مهمة من أجل صياغة البيئة السياسية والقانونية للعالم الإسلامي.
أما فيما يتعلق بالبعد الجغرافي؛ نحن نقترح عمل نقلة في الأولويات من الشرق الأوسط لمناطق أكثر اعتدالا في العالم الإسلامي حيث قد تسمح هذه البيئات بوجود أنشطة قد تحدث تأثيرا فيها وبالتالي من المحتمل أن تحقق نجاحا.
إن هذا البحث يتعلق بالناحية الدفاعية.. إن هذا البحث يحدد أفكار وجهود المتطرفين في الشرق الأوسط المطلوب مواجهتها؛ لأن الشرق الأوسط هو مصدر تصدير الأفكار المتطرفة، وتؤثر هذه الأفكار في بقية العالم الإسلامي، وكذلك الشتات المسلم في دول أوروبا وأمريكا الشمالية.
يجب نشر وترجمة المقالات الهامة التي يكتبها المفكرون والمثقفون والنشطاء والزعماء في الشتات الإسلامي؛ مثل تركيا وإندونيسيا، ويتم ترجمتها للعربية، وتوزيعها على نطاق واسع. إن هذا لا يعني إغفال المناطق الهامة، ولكن لا بد من البدء تدريجيًّا في هذه الجهود، وبذلها في بيئات أكثر اعتدالاً؛ حتى نحصل على نجاح ملموس.
هناك بالفعل بعض الشبكات العاملة الآن، ولكنها تعمل بشكل عشوائي وغير كافية، أما الشبكات التي تم التأكد من أن أفرادها بالفعل معتدلون لم يتم تأسيسها بعد أما تأسيس الشبكات التي يشتبه في أفرادها على أنهم معتدلون تبقى غير مجدية وتبدد الموارد والنفقات، والمثال على ذلك ما حدث في الدانمارك، حيث عندما تم اختيار أئمة دنماركيين معتدلين تبين أنهم هم من قادوا الحملة الشعواء ضد الرسوم المسيئة لنبي الإسلام، والتي امتد أثرها لتعم العالم الإسلامي، وبالتالي تبين في النهاية أنهم غير معتدلين بعد التحري عنهم عقب الحادث.
إن الدبلوماسية العامة وثيقة الصلة بالإعلام وتحتاج لاهتمام بالغ للظروف المعاصرة.
أثناء الحرب الباردة كان دور الإذاعات مجديًا؛ لأنه كان يصل للأفراد الذين يقطنون مناطق مترامية الأطراف، وساعدهم على الحصول على المعلومات، أما اليوم؛ فإن العالم الإسلامي يغرق في كم هائل من المعلومات متحيزة وغير دقيقة.
قناة الحرة وإذاعة سوا تعدان بالفعل صوت أمريكا في الشرق الأوسط، إلا أنه بالرغم من التكاليف الباهظة إلا أن تأثيرهما ضئيلاً جدًّا، ولم تساعد في تلميع صورة أمريكا وتعطي معلومات إيجابية عنها، وبالتالي فإننا نرى أنه يجب أن تذهب هذه الأموال للإعلام المحلي والصحفيين الذين يعتنقون الديمقراطية ويؤمنون بالتعددية.
ونقترح أن يتم إطلاق المبادرة المنصوص عليها في هذا التقرير من خلال ورشة عمل يتم إجرائها في واشنطن أو أي مكان مناسب، وتضم عدد من ممثلي المسلمين المعتدلين، وستساعد هذه الورشة في الحصول على معلومات، وستدعم المبادرة، وكذلك سيتم تحضير الأجندة وحصر الأسماء من المشاركين للمؤتمر الدولي الذي سيعقد في الكونجرس بعنوان "الحرية الثقافية".
وإن كُتِب لهذا الحدث النجاح فسوف نعمل عندئذ مع المجموعة الأساسية لعقد المؤتمر الدولي الذي سيقام في مكان ذي أهمية رمزية بالنسبة للمسلمين - مثل قرطبة في إسبانيا - لإطلاق منظمة دائمة لمكافحة الحركة الإسلامية الراديكالية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق