الخميس، 3 أغسطس 2017

شيوخ الحيض والنفاس والتنمّر على النساء.. أين طهارتكم؟

شيوخ الحيض والنفاس والتنمّر على النساء.. أين طهارتكم؟

د. فلة لحمر

باحثة أكاديمية، بريطانيا


دخل ترمب مملكة وجوب طاعة الحاكم المتغلب، وبالطبع فقد كان هو المتغلب في عقر دارهم وبالتالي فلم تكن هناك حاجة لأن يلتزم بآداب الضيف، بل غير مستغرب منه أن يتبختر وتنتفخ أوداجه وهو يأمر وينهى من قصور ليست بالبعيدة عن الحرمين الشريفين. إنه ترمب بكل ما تعنيه هذه الكلمة من تعجرف وعهر سخرت منه صحافة قومه واحتقار للمسلمين استفز أقواما من غير المسلمين لوقاحته، ولكن ذلك كله لم يقف مانعا أمام استقبال حافل في أرض الحرمين، وتشريف وتتويج يليق بمقام الحاكم المتغلب.

بعد ذلك كله فلا غرابة أيضا أن تدفع الجزية بمئات المليارات مقابل أن يشرفهم بقدومه العزيز. إن قدوم ترمب لم تتوقف غرائبه في التتويج الذي حظي به عند قوم أشبعهم سبا، ولكنه انبرى خطيبا في قادتهم كي يحارب التطرف ويدعم "الإسلام المعتدل"، فأيّ اعتدال يقصد؟ 

ويبدو أن خطاب الرئيس ترمب كان ملهما لبعض القادة العرب فما لبث أن أينع مقاطعة لدولة شقيقة لهم بتهمة مساندة الإرهاب لتنقطع بذلك الأرحام ويقهقه الحاكم المتغلب من مقعده في الولايات المتحدة ويفاخر بأنه طالبهم وطالبهم وها هم ينفذون.
غلق المسجد الأقصى ومنعت الصلاة فيه، أما شيوخ السلاطين فلا يزال وجع قطر يؤلمهم ويؤرق أجفانهم وكأنه الخطر الأكبر الذي يتهددهم، أليس عليهم طاعة ولاة أمورهم الحكماء مهما فعلوا؟
كان ترمب يريد إسلاما مسالما يضمن طيرانا مباشرا من الرياض إلى تل أبيب مهما فعلت إسرائيل بهم، كما ضمن استقبالا ملكيا مميزا في الرياض، رغم خطابه المناهض للمسلمين خلال حملته الانتخابية وما بعدها. ما الغريب إذن إن انْفَقَعَ خُراج التطبيع السياسي مع إسرائيل وخرج صديده إلى السطح؟

لقد أصابت ثورات الشعوب العربية بعض ولاة الأمور بالهوس فباتوا يخشون كلمة "كرامة" ويمقتون كلمة "حرية"، ومع تواصل الضغط النفسي مع كل حراك هنا أو هناك زادت التورمات والأوجاع وبات فساد الأنسجة الداخلي يظهر للعوام فلم تعد هناك حاجة للطبيب أن يشخص المرض، وارتفعت حمى المطالبة بإغلاق الجزيرة خشية كشف المستور أو نقل العدوى حين تصف الحال وتنقل الحدث. 

لكننا في سنة 2017 ولم يعد الإعلام مجرد قناة تلفزيونية سواء أكانت الجزيرة أو غيرها، ولذلك وجب التهديد والوعيد بالسجن والغرامة لكل من تحدثه نفسه بالتفوّه معارضا ما يراه ولاة أموره وإن كان قطيعة رحم وتفريط بالمقدسات وإهدار للمال العام في خدمة الذي يزدريهم ويتباهى باحتقارهم.

في المقابل نجد أن خطاب ترمب المناهض للمسلمين ورغبته في منعهم من دخول الولايات المتحدة قد أثار حفيظة الأحرار في أماكن أخرى من العالم ومنها المملكة المتحدة حيث وقع أكثر من 580000 شخص على التماس لمنع ترمب من دخول المملكة المتحدة، ولكنهم رأوه يكرم ويعزز في عقر دار المسلمين وما نقصه إلا أن يشرفهم بارتشاف ماء زمزم! 


رغم كل هذه المشاهد الهزلية المبكية فإن أصوات الشيوخ التي بحّت وهي تطالب النساء بآداء واجباتهن تجاه ولاة أمورهن من الرجال تخرس عن توجيه الخطاب إلى من بيدهم رقاب الناس بنصحهم عن حرمة قطيعة الأرحام والتفريط في المقدسات. 

ليت تلك الأصوات قد خرست ولكن بعضها تمادى وحاول أن يلبس على الناس الحال ويصور دولة قطر عدوا وخطرا على أمنهم وأمانهم، فهل سكرت أبصارهم عن الطائرة التي أقلعت من مطارهم إلى إسرائيل أم أنهم قوم مسحورون؟
تعلمت معنى الطهارة بعمقها الإيماني فرأت أنه من أنجس النجاسات قبول الذل على أعتاب البوابات الإلكترونية وغلق مسجد له من معاني السموّ الروحيّ ما له في حسها.
غلق المسجد الأقصى ومنعت الصلاة فيه، أما شيوخ السلاطين فلا يزال وجع قطر يؤلمهم ويؤرق أجفانهم وكأنه الخطر الأكبر الذي يتهددهم، أليس عليهم طاعة ولاة أمورهم الحكماء مهما فعلوا؟ نعم، وإن أطاعوا ترمب الداعم لجعل مدينة القدس عاصمة لإسرائيل فعليهم كذلك حق الطاعة فما أطاعه ولاة الأمور إلا لحكمة رأوها ما تبينت لبصائر الشيوخ بعد! 

وهكذا منعت الصلاة في المسجد الأقصى وحرم الناس حق العبادة في حرمهم وفرضت عليهم بوابات الذل والهوان، ولكن شيوخ ولاة الأمور لا تزال أمور النساء من حيض ونفاس وطاعة الزوج تشغل بالهم كأولويات، فكل الخوف أن تهلك الأمة حين لا تمتثل المرأة لأمر زوجها أو تخطئ في معرفة طهرها من حيض أو نفاس، إنه أعظم البلاء ولهذا ترتفع أصواتهم وتنتفخ أوداجهم عند ذلك الخطب الجلل وتخرس أو تبرر الركوع عند أقدام ترمب أو عند التطبيع مع من منع الصلاة في ثالث المساجد التي تشد إليها الرحال وأول قبلة للمسلمين!

أفبعد هذا تريدون التنظير للمرأة المقدسية التي اعتصمت بسلمية وعزّة لتقول للظالم المتغطرس لقد ظلمت ولتطالب بحقها في العيش بكرامة وتطالب بحرية العبادة واحترام مقدساتها؟ إن أسوأ من إعراضهم عن نصرة المظلوم هو سرقة نصره وإهدائه للظالم، وهذا ما سمعناه من بعض شيوخ السلاطين إذ أقبلوا مهللين بالنصر المؤزر الذي أنجزه أولياء نعمتهم في الدفاع عن المسجد الأقصى. لقد سقطت الأقنعة وما عاد تبريركم للطغيان يخفى على ذي لبّ، فالشيخ الذي لا ينبس ببنت شفة عند ركوع أسياده بذلة عند قدمي ترمب وإفانكا ويشرعن أوامر ترمب ويلبسها حلة شرعية عليه ألا ينظِّر للمرأة المقدسية كيف تدير بيتها بكرامة وبالنظام المؤسساتي الشوري المسؤول لا بنظام الطغيان للحاكم المتغلب مهما فعل؛ لأنها قد فقهت من معاني العزّة ما لم يستطع فقهه هذا الشيخ بعد.

كما أن المرأة المقدسية ليست بحاجة إلى وعظكم حول أحكام الطهارة ودورات المياه؛ لأنها تعلمت معنى الطهارة بعمقها الإيماني فرأت أنه من أنجس النجاسات قبول الذل على أعتاب البوابات الإلكترونية وغلق مسجد له من معاني السموّ الروحيّ ما له في حسها. المرأة المقدسية ليست بحاجة إلى تنمّر شيوخ السلاطين والقصور حول صلاتها لأنها صمدت في شوارع القدس تطالب بدخول كريم لمكان منه عرج برسولها لتفرض الصلوات، ولكنهم خذلوها بتزييف الواقع وبفرحتهم بسلاطينهم وحمدهم لهم بما لم يفعلوا، فمن أولى بمعاني الشهامة ومن أحقّ بها وأهلها؟ رابطت النفساء والحائض على أعتاب المسجد الأقصى دفاعا عن حقهما وحق أحبابهما في الصلاة بشرف وأنفة وكرامة، فمن أحق بتعلم أحكام الطهارة إذن؟ ومن قام بواجب الصلاة في وقتها ومن هجر روح الصلاة؟ أم أن لشيوخ السلاطين أعذارهم الشرعية الخاصة؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق