الجمعة، 11 أغسطس 2017

الشيخ الأفَّاك مجرّد نموذج


الشيخ الأفَّاك مجرّد نموذج

بقلم: محمد يوسف عدس

نعم .. هو -فى الحقيقة- مجرد نموذج لطائفة من المشايخ الأفَّاكين المنافقين، وإفراز طبيعي لنظام دكتاتوري مستبد ، شديد الانحطاط .. لن تجد فيه غير نوعين من المشايخ ؛ أحدهما ساقط فى حجر السلطة والآخر فى السجن ، أو فى الطريق إليه.

إنه الشيخ الذى أفتى بأن الراقصة تموت شهيدة إذا ماتت وهي ذاهبة لعملها، وعلَّل ذلك بأنها ذاهبة لتحصيل رزقها..! ويبدو أن جميع الأعمال عنده متساوية ؛ لا فرق فيها بين ما يرضى الله وبين ما يمليه الشيطان ؛ فالكل يدّعي أنه يذهب لتحصيل رزقه: يقولها صانع الخبز والزارع والصانع والمهني.. ولكن يقولها أيضا صانع الخمر وبائعها.. كما يقولها اللص والقوّاد وقاطع الطريق، ولاعب القمار والنّصّاب.

وبعضهم يحصّل رزقه من قتل الأبرياء وحرق جثثهم وتجريفها.. وبعضهم يقتل المتظاهرين السلميين بقذائف من طائرات أباتشى.. كل هؤلاء حسب منطق الشيخ إذا ماتوا وهم ذاهبون لعملهم يصبحون شهداء..

وهو الشيخ نفسه الذى أفتى فى لقاء متلفز بأن البيرة ليست محرّمة لأنها مصنوعة من الشعير لا من العنب.. فلما استفسر منه المذيع قائلا: يعنى "النِّبِيتْ بس هو اللى حرام..؟؟ فلم يعترض الشيخ .. ثم اعترف أثناء الحوار بأن البيرة يمكن أن تؤدى إلى السُّكْرِ ولكنه تجنب الحكم بالتحليل أو التحريم .. وإنما لفّ ودار وقال كلاما لا يمكن أن يُفهم منه إلا أن المسألة تتوقف على احتمال الشخص وقدرته البدنية.. وهذا -حسب رأيه- يختلف من شخص لشخص آخر.. يعنى مناط الحكم الشرعي –فى نظره- ليس منصبًّا على تعاطي المادة المُسْكِرة ولكن على قدرة الشخص واحتماله.

وهكذا وضع الشيخ الحكم الشرعي القاطع بتحريم الخمر فى متاهات الاحتمال والنسبية و المزاج الشخصي .. وليس هذا فكر داعية أو فقيه أو حتى مصلح اجتماعي ، وإنما فكر أفّاق مدلِّس.

استنكر حجاب المرأة ولحية الرجل وسخر منهما.. كما سخر من المطالبين بتطبيق أحكام الشريعة، ولعن زمنهم فقال بالحرف: "هذه أيام نُكْدٌ".. بل زعم الشيخ "أن من يطالبون بالحكم الإسلامي يأمرون بما لم يأمر به الله".. معلّلًا ذلك بأن الله لم يحدّد شكلا للحكم ولا أن يكون هناك خليفة..! وهذا كلام متنطّعين ؛ فالحكم الإسلامي يتعلق بمنظومة كاملة من المضمون والأحكام والمبادئ والقواعد الأساسية ، ولا يتعلق بشكل الحكم مالم يخالف هذه المنظومة.. ولكن الشيخ لا يتورّع عن إنكار المنظومة نفسها عندما قال: " إن الله لم يفرض نظاما للتعامل فى هذه الحكومة.. والمصيبة أنه محسوب على الفقهاء بل يقوم بتدريس أصول الفقه.. يعنى صاحبنا هذا ليس عنده مانع من إسقاط جميع الأحكام والمعاملات الشرعية التى وردت فى القرآن وصحيح السنة (من اعتباره) وهي من صميم الحكم الإسلامي ؛ واستمع إليه وهو يحلّل الفوائد البنكية ، والمعاملات الربوية بجرأة الدّعيّ المناور الأفّاق..

ثم يصل الشيخ إلى ذروة الإفك عندما تحدث فى مؤتمر للشرطة حضره وزيرالداخلية محمد إبراهيم ؛ فبعد مقدمة طويلة عن قصة فرعون مصر يقول : كما بعث الله موسى وهارون رسولين لفرعون وقومه (الكفرة) بعث الله السيسى ومحمد إبراهيم إلى فرعون مصر الجديد [يقصد الرئيس الشرعيّ المنتخب الدكتور محمد مرسي]- لحماية الدين.. وإنقاذِ المصريين من الطاغية وجماعته..

هنا انفجرت القاعة بتصفيق حاد.. وصفق له محمد إبراهيم سعيدًا بمنصبه الجديد ؛ إذ جعله رسولًا .. مع أننا لم نسمع أن أنبياء الزمن القديم كانوا يصفقون فى الحفلات كالبُلهاء.. أو يتنزّلون إلى مستوى الغوغاء.. ولم نسمع أن واحدًا منهم كان برتبة مشير ولا لواء..! ولم نسمع أن نبيًّا أقيل من منصبه وتم عزله ، وأصبح في عداد الأموات لا حِسّ له ولا خبر .. وكأنه لم يكن..!
أتساءل فقط أليس الإيمان بمحمد خاتم الأنبياء والمرسلين ركنًا من أركان الإسلام..؟! أم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم قد بشّر برسولين يأتيان بعده هما السيسى ومحمد إبراهيم.. واحتفظ بهذا سرا لنفسه لم يُطلع عليه إلا كبارالأفاقين..؟!

هذا الرجل ليس واحدًا من مشايخ القرى النائية.. جاهل غير مؤهّل فيُعذر لجهله.. بل هو "الأستاذ الدكتور" مؤلف لعدد من الكتب منها: "حقوق الإنسان في الإسلام.. والمعاملات المالية المركبة.. وكتاب الأزمة المالية والحلول الإسلامية.. وموسوعة فقه أحكام المخدرات" .. أربعة كتب فى الفقه ؛ كلها من صميم السياسة الإسلامية فى الحكم.. ولكنه -مع هذا- ينكر قيام حكم إسلامي ويهزأ بمن يدعو المسلمين إليه.. ويقول: "إنه يأمر بما لم يأمر به الله".

ليس بغريب فى زمن الاستبداد والفساد أن يرتقى أمثاله فى وظائفهم الجامعية بالأزهر حتى منصب عميد كلية.. و يحصل على جوائز علمية عديدة من مبارك ودول عربية أخرى.. ويشارك فى عشرات المؤتمرات .. وهو عضو فى لجان أكاديمية واجتماعية كثيرة منها عضوية "لجنة أخلاقيات البحوث العلمية" .. تصوّر..!! هذه الأخلاقيات التى لم يرْع منها فى كلامه ذرّة واحدة..!

نحن إذن نتحدث عن نجم من نجوم المجتمع الديني والأكاديمي.. يجيد الكلام باللغة العربية الفصيحة.. مهووسٌ بالجدال والمخاتلة والإيقاع بالخصوم .. ويدافع عن فتاويه وافتراءاته بحماس وحرارة.. لذلك لم أندهش أن يكون موضع تقدير ومكافآت، وجوائز تنهمر عليه من سلاطين العرب ؛ فهو أحد الدروع الواقية لكل الدكتاتوريات العربية واستبدادها وانحرافاتها السياسية والدينية والأخلاقية.. وضد تطلّعات شعوبها المتمرّدة الثائرة.. وضد توجُّهات المصلحين والراغبين فى التغيير.. والمتطلّعين إلى الحرية والكرامة والانعتاق من الظلم والتبعية..
وهو بصفة خاصة ضد الإسلاميين الذين يريدون أن يبنوا مجتمعات ديمقراطية تكفل حرية الإنسان المسلم .. وتحقق طموحاته فى أن يعيش آمنًا فى ظل نظام سياسي لا يتصادم مع مبادئه الأخلاقية ومشاعره وممارساته الدينية ومقدساته ..

اشتهر عن الشيخ الأُلْعُبان قوله "لا يجوز الحكم بالدين؛ لأن الدين علاقة بين الله والناس.. وقوله: "لا يوجد في الإسلام شيء إلزاميّ، إلا ما التزم الإنسان به بنفسه" .. ولأنه يفترض "الحمورية" فيمن يستمعون إليه على الفضائيات، لا يعبأ بالمنطق فى كلامه ؛ ففى العبارة الأولى لا توجد رابطة سببية بين شطريها؛ فما الذى يمنع الحكم بالدين إذا كان الدين علاقة بين الله والناس..؟! ألم يكن أولى به أن يقول: يجب الحكم بما أنزل الله في ضوء ثلاث آيات واضحة المعنى قاطعة الدلالة تنطق بضرورة الحكم بالدين .. تقول الأولى{وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } ، وفى الثانية {... فأولئك هم الفاسقون} وفى الثالثة {... فأولئك هم الظالمون} ..
أنا لا أبرر ما ينطوى عليه "الحكم الديني" كمصطلح غربي نشأ في إطار ثقافة دينية تبنّتها الكنيسة الكاثوليكية قرونًا .. ارتكبت فيها كل الفظائع والمذابح لإخضاع البشر لمذهب ديني واحد ، وباعت صكوك الغفران لمن يدفع أكثر يدخل الجنّة .. وضربت حصارًا على عقول العلماء والمفكرين ألا يعتنقوا فكرًا أو علمًا إلا ما تقوله الكنيسة ويفرضه رجال الدين قهرًا على الناس ؛ ولذلك حكموا على من قال بكروية الأرض بالهرطقة الدينية وأباحوا قتله . أقول: إن "الحكم الديني" -كما شاع عنه- في كتابات العلمانيين قضية أخرى لا مجال هنا لمناقشتها .. وإنما أحكم ببساطة على عبارة للشيخ الأفّاق [من تحليلها] ستجد أنها ساقطة من الناحية المنطقية..

وفى العبارة الثانية يزعم أنه لا شيء فى الدين ملزما للمسلم.. وهو كلام عجيب وساقط أيضًا .. كنت أفهم –لو كان الرجل صادقا مع الله أو مع مهنته الفقهية- أن يتحدث عن درجات: الواجب والمندوب إليه والمكروه والمنهيّ عنه والحرام ..إلى آخره.. أو يتحدث عن حقيقة أن الإنسان حر فى اختياره: إما أن يؤمن ويلتزم وإما أن يكفر ويتحمل مسئولية كفره . أمَّا أن يقول: "لا شيئ فى الإسلام ملزم إلا ما ألزم الشخص نفسه به" فهي عبارة عبثيّة مضلِّلة.. لا يقول بها إلا شاعر صعلوك.. أو منفلت متمرّد على دينه وربه.. لا أستاذ فى الفقه والأصول..

لقد ضيّعْتَ الفقه يارجل.. وضيَّعت الأصول وضيَّعت الدين.. بافتراءاتك على الله وعلى رسول الله ؛ وأنكرت ما هو معلوم من الدين بالضرورة: عندما أسقطت ختام النُّبوّة والرسالة عن محمد صلى الله عليه وسلم، بنسبتك الرسالة إلى السيسى و محمد إبراهيم، وبتشبيهك لوزير الداخلية بالنبي إبراهيم عليه السلام الذى أنقذه الله من نار الكفار.. كلام لا يجرؤ عليه إلا منافق أفَّاقِ..

لقد بحثت عن سر كراهيته العميقة للإخوان المسلمين ؛ و استماتته فى تمجيد رجال الانقلاب.. لدرجة وصفهم بالأنبياء؛ فعلمت أن الشيخ نشأ فى أسرة فقيرة ؛ كان -وهو ما يزال طالبا أزهريا- يرتزق من عمله كإمام فى مسجد بحيٍّ فقير على أطراف مدينة المنصورة..
أقول: ليس فى الفقر عيب ولا فى العمل.. ولكن العيب فى الاختيار؛ وقد اختار الحرام من أول بادرة لاحت له ؛ فقد كان طامعًا متسلِّقًا بطبعه ؛ لا يأبه من أي مصدر يأتيه المال.!. ولذلك رحب بالعمل مع مباحث أمن السلطة بكتابة التقاريرالسرية عن الإخوان المسلمين الذين يترددون على مسجده ، ويواظبون على صلاة الفجر والجماعة.. وقد دخل السجن بسببه كثير منهم .. ولذلك ترعبه فكرة انتقام الإخوان منه إذا رجعوا إلى السلطة..!

وهكذا ترى كيف عاش هذا الأفاك نصف حياته الأول جاسوسًا يرتزق من صناعة المآسي والمظالم لأناس أبرياء ؛ كل جريمتهم عنده أنهم مواظبون على صلاة الجماعة في المسجد .. ويعيش نصف حياته الثانى في خوف من انتقام موهوم صنعه لنفسه بخياله المريض .. سادرًا في نفاقه لأصحاب السلطة ، كاذبًا مفتريًا على دين الله ، مُضلّلًا لعباد الله ، الذين خدعتْهم وظيفته االفقهية وانتسابه زورًا وبهتانًا للأزهرالشريف .. وحقيقته -كما أسلفتُ- أنه وأمثاله مجرد إفراز طبيعي لنظام دكتاتوري مستبد ، شديد الانحطاط..!

myades34@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق