في ذكرى ليلة أحمد الشحات
الليلة التي انتقمت منها إسرائيل
تصفعنا التواريخ دائماً، وكأنها تعاقبنا على كل ما اقترفناه من أحلام، وما ارتكبناه من أعمالٍ تدعو إلى الفخر وتبعث على الأمل.
في مثل هذه الأيام منذ ست سنوات، حاصرت ثورة مصر سفارة العدو الصهيوني على النيل، وأنزلت علم العدو وأحرقته، وطردت سفير الصهاينة، وأجبرت النظام المصري على إصدار بيانٍ بسحب السفير من تل أبيب.
وفي ذكرى تلك الملحمة الشعبية الباسلة، يخرج لنا التاريخ لسانه، ويغيظنا بدهائه، حين تأتي الأنباء بأن نظام عبد الفتاح السيسي يستجدي العدو الصهيوني، كي يعيد سفيره إلى القاهرة، وحسب تقرير لـ"العربي الجديد"، فإن"عودة السفير باتت وشيكة، بعد موافقة الأجهزة الأمنية والسيادية المصرية على مجموعة من المطالب الإسرائيلية، والتي كان في مقدمتها تخصيص قطعة أرض في شارع 11 بمنطقة المعادي جنوب القاهرة لتكون مقراً للسفارة وإقامة السفير والبعثة الدبلوماسية، مع التمسّك بقيام أجهزة إسرائيلية بالإشراف على بنائها ووضع الرسوم الهندسية لها".
وكذلك "أن الجانب الإسرائيلي تمسّك خلال اللقاء بضرورة مشاركة الأجهزة الأمنية التابعة لدولة الاحتلال في وضع خطط تأمين البعثة الدبلوماسية ومقر السفارة، وتبادل المعلومات عبر آلية دائمة لذلك".
تلك هي حكاية مصر من ثورة شعبها إلى انقلابٍ بمشاركة إسرائيلية واضحة عليها، وضع عبد الفتاح السيسي في سدة الحكم، وأحاطه برعايةٍ سياسيةٍ وأمنيةٍ من صقور الجنرالات، وعناية روحية من عتاة الحاخامات.
في ليلة العشرين من أغسطس/ آب 2011، حاصر عشرات الآلاف من الثوار مبنى سفارة العدو، في لحظة أروع ما فى أحداثها أنها أعادت تأكيد الحقيقة الساطعة: الثورة أكبر من الجميع، وأقوى وأسبق إلى تلمس الطريق الصحيح.
كانت الفطرة لا تزال سليمة، وكان يقين الشباب الغاضب أن إسرائيل وراء استهداف الجنود والضباط المصريين في منطقة رفح، فكان الزحف إلى سفارة العدو ومحاصرتها واقتحامها، الأمر الذي دفع المجلس العسكري ومجلس الوزراء إلى اتخاذ قرارات بإبعاد السفير الصهيوني، وسحب السفير المصري، وإن كان القرار الأخير قد تم التراجع عنه بعد إعلانه بساعات، ببيانٍ مضحكٍ قال إن مسودة قرار حكومة عصام شرف قد أرسل بالخطأ.
غير أنه، في المجمل، عرفت مصر في تلك الليلة ما أسميته
" واقعية ثورية جديدة، بديلة لواقعية بليدة وخاملة وكسيحة سجن فيها نظام مبارك نفسه، وحبس مصر فى ظلامها، فتضاءل حجمها وخارت قواها وضعف بصرها وشحب وجهها، نتيجة حرمانها من نور الشمس وحرارتها".
تحول الشاب أحمد الشحات الذي صعد 22 طابقاً لإنزال العلم الصهيوني أيقونة ثورية، كل تيار يدّعي انتسابه إليه، حتى أنني كتبت وقتها تحت عنوان" التسلق على أكتاف التسلق" أن "أحمد الشحات صعد ولم يتسلق، من الأفضل والأوفق أن نسمى الذى حصل بأنه فعل صعود، وليس نوعا من التسلق، غير أن بعض عشاق التسلق يريدونه متسلقا وليس طالعا أو صاعدا، وها هم يقفون على كتفى الشحات، يحاولون تسلق التسلق الآن، على نحو يدعو للشفقة على هؤلاء الذين يتدافعون ليكونوا فى مرمى فلاشات الكاميرات قبل غيرهم".
ذلك كان مقتل ثورتنا، إذ كان شيئاً مزعجاً ومثيراً للأسى أن يحاول كل طرفٍ طرح نفسه وكأنه الراعي الرسمي لعملية صعود أحمد الشحات إلى أعلى عمارة السفارة الإسرائيلية، والنزول بالعلم ورفع العلم المصري مكانه، فيما وصفتها بأنها لعبة سخيفة، أن يتسابقوا على الفتى المصري الأصيل، وكأنهم مديرو تسويق في أندية تتصارع من أجل الحصول على توقيع لاعبٍ صاعد أو موهبة مكتشفة حديثا.
لا أعرف مصير أحمد الشحات، بعد ست سنوات، لكني أعرف ماذا جرى لثورتنا، نتيجة ذلك التدافع العنيف بين صفوفها.
الآن، تعود إسرائيل، وبدلاً من شقة سكنية منبوذة أعلى بناية على النيل، صارت متحكّمة في مفاصل مصر، من الاتحادية إلى البرلمان، مروراً بالإعلام، لا تُرد لها كلمة، وتملي شروطها وطلباتها على الذين يتسولون إعادة سفيرها، وتختار المكان والزمان الملائمين لها، للتفضل بفتح سفارتها في القاهرة، ولم لا وهي صاحبة الفضل في تخليق هذا النظام وتثبيته وتغذيته وتسمينه!
حاصرت الثورة إسرائيل، فانتقمت الأخيرة، وجاءت بمن يحاصر الثورة، وينكل بها، ويعتبرها جريمة خيانة وطنية، ويطاردها في كل وادٍ.
لقاء خاص مع أحمد الشحات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق