اعتدال بنت نتنياهو
في أغسطس/ آب 2014 ، وضع بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الصهويوني، حجر الأساس لمشروع "اعتدال".
وبعد ثلاث سنوات، إلا قليلاً، قصّ العاهل السعودي، والرئيس الأميركي، وتوابعهما، شريط الافتتاح، في حفل صاخب في العاصمة السعودية الرياض، لمعت فيه ابتسامات أصحاب المشروع، وهم يتحلقون حول البلورة السحرية.
ليس ما سبق إلقاءً للاتهامات، من دون دليل، ولا تجنياً على أحد، بل إنه من مساخر الأيام أن هذا"الأحد"، أو هؤلاء"الآحاد"، لم يعد يزعجهم الربط بينهم وبين دولة الاحتلال في سياق واحد، على الأقل منذ حلقت طائرة، لأول مرة في التاريخ الحديث، من بلاد الحرمين الشريفين، إلى الكيان الصهيوني، رأساً، لتنقل إيفانكا والعائلة إلى حائط المبكى، مباشرة.
لم نعرف ما إذا كانت إيفانكا وزوجها ووالدها دونالد ترامب ارتدوا الطاقية اليهودية، استعدادا لزيارة الحائط، قبل أن تقلع الطائرة من الرياض، أم حدث ذلك على متن الطائرة.
لكننا نعرف أن "اعتدال" دراما واقعية، من تأليف بنيامين نتنياهو، وإخراج دونالد ترامب، وتمويل وإنتاج حكام خليج الحصار على قطر، وعلى فلسطين، وشارك في التمثيل كومبارس قادم من مقهى بعرة الشهير في القاهرة.
في الرابع من أغسطس/ آب 2014، زفّ إلى العالم بشرى خروج بنت أفكاره "اعتدال" إلى الحياة، وكتبت وقتها تحت عنوان "عرب ضد الإسلام السياسي لكنهم مع اليهودية السياسية"، وقلت إن حديث رئيس الوزراء الصهيوني مجرم الحرب، بنيامين نتنياهو، عن "حلف إقليمي جديد" يجمع إسرائيل ودولاً عربية باتت تُعرف بأنها "معسكر الاعتدال"، ليس محاولة لتوريط هذه الدول في أكمنة السياسة الإسرائيلية، بقدر ما هو تعبير عن واقع عربي كارثي، استسلم، مثل الشاة للذبح، للمنطق الصهيوني، فصار المتحكّمون فيه يصغون للرؤية الإسرائيلية للمنطقة، ويثغون بالعبرية مردّدين مقولاتها، فالكل يردّد خلف قائد الأوركسترا الصهيوني "أناشيد" الحرب على الإرهاب الذي هو هنا كل أشكال المقاومة العربية للمشروع الصهيوني، لإعادة رسم خرائط المنطقة (سايكس بيكو الجديدة) حسب نتنياهو".
كان ذلك لمناسبة تسارع وتيرة العمل على إنجاز مشروع قانون "يهودية إسرائيل" الذي وضعت له كتلة اليمين الإسرائيلي في الائتلاف الحكومي، "الليكود"، و"إسرائيل بيتنا"، و"البيت اليهودي"، نصّاً معدّلاً يعتبر إسرائيل دولة يهودية ذات نظام ديمقراطي، بدلاً من النص السابق الذي وصف إسرائيل بأنها "دولة يهودية وديمقراطية". وهو المشروع الذي انطلق، مع انطلاق مشروع إطاحة الرئيس محمد مرسي من حكم مصر، وبالتحديد كان ذلك يوم الأربعاء 26 يونيو/ حزيران 2013، قبل معركة الثورة المضادة ضد ربيع مصر العربي بأربعة أيام، حيث سعى اليمين الصهيوني المتطرّف، حسب صحيفة هآرتس، إلى صياغة الدولة على أسس دينية عرقية مفضّلاً الهوية اليهودية للدولة على السمات الديمقراطية التي تسعى الدول اليوم إلى إحيائها.
في ذلك، كانت صحيفة يديعوت أحرونوت قد أشارت أيضاً إلى أن قانون القومية الذي عملت عليه عضو الكنيست، أييليت شاكيد، من "البيت اليهودي"، بموجب تفاهمات مع "الليكود"، يتقاطع مع مشروع قانون جرى تقديمه في اليوم السابق من خلال عضو الكنيست، روت كلدرون، من كتلة يش عتيد (يوجد مستقبل)، يقضي بتحويل وثيقة "استقلال إسرائيل" التي تنصّ على يهودية الدولة إلى قانون أساسي، وترسيخ مبادئها في قرارات القضاء والهوية.
كنت أظن أنني أحلق في الفانتازيا، عندما كتبت تعليقاً على هذا الأمر "عندما يصنّف بعض العرب المقاومة كإرهاب، وحين يصيح دجاج حظيرة الاعتدال الزائف بعبرية نتنياهو الفصيحة، يكون من حق الصهاينة الحلم برئاسة مؤسسة القمة العربية، والإعلان في صحف عربية عن قبول دفعات من المتطوعين في جيش إسرائيل".
الآن، يركلنا المتحدث باسم جيش المحتل الصهيوني، أفيخاي أدرعي، بتغريدة، نكتشف معها أن الواقع أكثر توحشاً من الفانتازيا، إذ يعلق بها على ما نشرته صحيفة الرياض، لسان حال الحكم السعودي، فيقول"وشهد شاهد من أهل صفه.. الرياض تنطق بالحق وتسمي الأمور باسمائها.. اللهم أبلغ أني شهدت #حماس_إرهابية ".
سارعت "الرياض" إلى حذف تغريدة العار التاريخي التي تنظر إلى المقاومة الفلسطينية بعيون الحاخامات، وتتعاطى معها على مذهب أفيخاي أدرعي. لكن، أين تخبئ فعلتها، وهناك وحش اسمه "السوشيال ميديا" يرصد ويقتنص ويحتفظ ويعيد النشر.
في الأوركسترا ذاته الذي تلعب معه، وبه، أبو ظبي، يأتيك سفيرها في واشنطن الشاب الصاعد متوعداً قطر، ومحرّضاً للعالم ضدها، لأنها من وجهة نظره لا تطبق نظاماً علمانياً، ويدّعي انحيازها إلى الإسلام السياسي، فهل يجرؤ هو، أو أي من "شباب اعتدال" على أن ينطق بكلمة ضد نظام "اليهودية السياسية المسلحة" في دولة الاحتلال الصهيوني؟
هل يجرؤ أحد من صقور علمانية زائفة، ولدت سفاحاً من رحم وهابية عتيدة، على فرض حصار على صديقتهم إسرائيل، حتى تتحول علمانية عتيبية، وتفصل بين اليهودية والسياسة؟.
بالطبع لن يحدث شيء من ذلك، لأنه يعني، ببساطة، تحلل كيان الاحتلال الصهيوني وتبخره، وهذا مما لا يرضى عنه رباعي اعتدال، وكيف ذلك و"اعتدال" نفسها مولود لقيط، من صلب نتنياهو.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق