الخميس، 3 أغسطس 2017

الأزمة الخليجية وتداعياتها على الحرب في اليمن


الأزمة الخليجية وتداعياتها على الحرب في اليمن  
نبيل البكيري

احتلت المملكة العربية السعودية مكانة سياسية كبيرة منذ لحظة تأسيسها الثالثة عام 1932، كواحدة من أهم الدول العربية والإقليمية تأثيراً في المجال السياسي الإقليمي والدولي على امتداد المرحلة السابقة،، باعتبار مكانتها الدينية ومساحتها المترامية الأطراف وثقلها الاقتصادي الكبير، وحضورها السياسي في كثير من ملفات المنطقة غير المستقرة.
ومثلت السعودية بذلك واحدة من أهم دعائم معادلة التوازن الإقليمي إلى جانب العراق ومصر وسوريا، مقابل كل من إيران وتركيا وإسرائيل.
وبانهيار كل من العراق وسوريا، وتضعضع مصر وتراجع دورها وتأثيرها الإقليمي؛ بقيت السعودية وحيدة في معادلة مختلة لصالح خصومها، خاصة إيران التي تمددت في فراغ جيوسياسي هائل، ابتداء ببغداد ومرورا بدمشق وبيروت والقاهرةووصولاً إلى صنعاء، العمق الإستراتيجي الجنوبي للسعودية والخليج عموماً.
بانهيار كل من العراق وسوريا، وتضعضع مصر وتراجع دورها وتأثيرها الإقليمي؛ بقيت السعودية وحيدة في معادلة مختلة لصالح خصومها، خاصة إيران التي تمددت في فراغ جيوسياسي هائل، ابتداء ببغداد ومرورا بدمشق وبيروت والقاهرة ووصولاً إلى صنعاء، العمق الإستراتيجي الجنوبي للسعودية والخليج عموما

ومن هنا جاء الموقف السعودي مندفعا لتشكيل التحالف العربي في يوم 26 مارس/آذار 2015 والإعلان عن إطلاق عاصفة الحزم، لمواجهة المد الإيراني واستعادة الشرعية اليمنية المنقلب عليها في 21 سبتمبر/أيلول 2014 من قبل مليشيات تابعة لإيران، تتمثل في جماعة الحوثي وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح.
لكن هذا الموقف السعودي تأخر كثيراً -بحسب المراقبين- نظرا لمدى تغول إيران، وتعاظم نفوذها الذي توجته بحكمها لكل من بغداد ودمشق وبيروتت وصنعاء مباشرة، عدا عن تراجع القاهرة وانكفائها على نفسها بعد الانقلابب المدعوم خليجيا على رئيس منتخب شرعيا (محمد مرسي).
بيد أن إطلاق عاصفة الحزم وتشكيل التحالف العربي كان فرصة كبيرة لتعيد السعودية ترتيب أوراقها، وتتدارك ما يمكن تداركه قبل فوات الأوان، خاصة أن السعودية واقعة ضمن محيط مضطرب ومشتعل، وكل القوى الرئيسية الفاعلة فيه عقيدتها القتالية المليشيوية قائمة على استهداف السعودية وتهديد وجودها السياسي والتاريخي.
جاءت تشكيل التحالف ليمثّل أول حالة إجماع خليجي باستثناء سلطنة عُمان التي بقيت على حياد بين طرفي الأزمة، لكن هذا الإجماع ما لبث أن تصدعع مجددا بسبب الأزمة الخليجية الراهنة بين قطر والسعودية والإماراتت والبحرين، وهي الأزمة التي لم يتضح لها سبب رئيسي معلن حتى اللحظة.
لكن نتائج هذه الأزمة كانت كارثية ليس على المنظومة الخليجية فحسب، وإنما بدرجة رئيسية على مستقبل المنطقة المرهونة كلها بما سيتحقق في معركة اليمن المصيرية، التي سيتبين من خلال نتائجهاا  مستقبل المنطقة كلها سلبا أو إيجابا.
ويبدو حتى اللحظة أن تداعيات الأزمة الخليجية ستكون كبيرة على سير هذه الحرب، وانعكاساتها سلبية على اليمن وقضيته المركزية المتعلقة بتغول النفوذ الإيراني فيه، وتشكيله تهديدا وجوديا لكل المنطقة.
عمق الأزمة الخليجيةتفجرت الأزمة الخليجية في 5 يونيو/حزيران الماضي إثر قطع كل من السعودية والإمارات والبحرين علاقاتها مع قطر، وفرضها ما يشبه حصاراً اقتصاديا عليها وعلى شركاتها الجوية والبحرية.
جاءت الأزمة الخليجية خطوة مفاجئة ومربكة لجهود التحالف العربي في اليمن الذي انضمت له قطر بكل ثقلها، تاركة الملف اليمني تماما للسعودية منذ وقت مبكر حتى قبل انطلاق عاصفة الحزم بكثير، وذلك بعد التوقيع على "المبادرة الخليجية" التي انسحبت منها قطر حينها.
يتجلى عمق الأزمة الخليجية في إرادة إسكات كل ما له علاقة بثورات الربيع العربي، وكل من يذكّر النُّخب الخليجية الحاكمة بهذه الثورات، وهو ما يصور لهم أن قطر وقناة الجزيرة سبب رئيسي لتلك الثورات، في تسطيح مخلٍّ لأسبابها المتمثلة في الظلم والقهر والاستبداد السياسي، وغياب المواطنة المتساوية

هذا الخلاف الخليجي/الخليجي يمثل آخر مرحلة تفكك لكيان عربي أخير، بعد انهيار ليس فقط الكيانات العربية الأخرى بل وانهيار منظومة الدولة العربية القُطرية في العراق وسوريا وليبيا واليمن، كأبسط تجلٍّ للدولة في القاموسس  السياسي العربي في فترة ما بعد الاستعمار.
وانهيار الدولة في كل من العراق وسوريا واليمن تحديدا يمثل خسارة كبيرة لآخر الكيانات الوطنية العربية في الخليج العربي دولا واتحاداً، بالنظر إلى حداثة فكرة الدولة في هذه المجتمعات التي لا تزال تُحكم بمفهوم القبيلة والعشيرة والأسرة الحاكمة لا بمفهوم الدولة ومؤسساتها، مما يضع مستقبل المنطقة كلها على حافة الهوية والتفتيت.
قد يقول البعض إن الفائض النفطي والمالي -الذي تمتلكه هذه المجتمعات- سيظل يحمي حالة الاستقرار السياسي النسبي فيها، لكن مثل هذا القول لم يعد واقعيا بعد أن سقط أمام أول اختبار حقيقي مع بداية ثورات الربيع العربي، الذي بدأت أولى بوادره في كل من البحرين وسلطنة عمان، وما لبث أن تداركته الحكومات بوسائل مختلفة.
وكان من تلك الوسائل القمعُ الذي تم تصديره تحت مسميات عدة ومثل تجليا واضحا للثورة المضادة التي مولتها هذه البلدان مخافة انتقال العدوى إليها، فموّلت وخططت للانقلاب في مصر واليمن، وساهمت في جر الثورة في كل من سوريا وليبيا نحو الفوضى والاقتتال.
ومن هذا المنطق وحده يمكن اليوم تفسير عمق الأزمة الخليجية، ذلك العمق المتعلق بإرادة إسكات كل ما له علاقة بثورات الربيع العربي، وكل من يذكّر النُّخب الخليجية الحاكمة بهذه الثورات، وهو ما يصور لهم أن قطر وقناة الجزيرة سبب رئيسي لتلك الثورات، في تسطيح مخلٍّ لأسبابها المتمثلة فيي  الظلم والقهر والاستبداد السياسي، وغياب الدولة والمواطنة المتساوية.
التداعيات المحتملة يمنياًدخلت الحرب في اليمن ضد الانقلابيين المدعومين إيرانيا عامها الثالث على التوالي، دون أن تعود الشرعية للعاصمة صنعاء أو يسقط الانقلاب المسيطر عليها بعدُ رغم الخسائر الكبيرة التي مُني بها الانقلابيون، فصحيح أن الشرعية أصبحت أكثر تنظيما عسكريا وماليا أفضل من السابق، لكنها أيضاً لم تقم بشيء يتناسب وحجم التحديات التي تواجهها، وتتهدد وحدة اليمن وأمنه واستقراره ونظامه الجمهوري التعددي.
هذه المفردات الثلاث: الجمهورية والديمقراطية والوحدة، تعتبر اليوم ثوابت لا يمكن الاقتراب منها، بل هي أساس الخلاف الجوهري مع الانقلابيين، وهي بالمقابل ثوابت قد لا يراها بعض الأطراف في التحالف كذلك باعتبارها مفردات "ربيعية"، وهو ما زاد الفجوة بين الطرفين التحالف والشرعية، وسعي أطراف في التحالف كالإمارات إلى الاشتغال بضد هذه الثوابت الوطنية اليمنية.
وهو ما انعكس خلافا حاداً وواضحا مع رئيس الجمهورية، وكذلك مع أطراف رئيسية فاعلة في الساحة كالتيار الإسلامي، وهو ما أدى إلى تباينات كبيرة وواضحة بين التحالف والحكومة الشرعية، التي تعاني من تراجع شعبيتها وخاصة بمناطق وجودها المحررة، بسبب تضارب الصلاحيات وازدواجيتها مع قوات شكلتها الإمارات، ولا علاقة لها بالحكومة اليمنية الشرعية.
وهكذا ألقت الأزمة الخليجية بظلالها على سير الحرب في اليمن وعلى أداء الحكومة الشرعية بشكل كبير، وهو ما أدى -في نفس الوقت- إلى تجميد مشاركة قطر في هذه الحرب، وتراجع أداء وحماس كل من القوات السودانية والمغربية لموقف حكوماتهم المحايد في الأزمة الخليجية، مما سينعكس سلبا على سير المعارك والحرب في اليمن عموماً، هذا عدا عن تأثير قطع العلاقات اليمنية القطرية اتباعا للموقف السعودي الإماراتي، رغم ما كانت تقدمه قطر من دعم للحكومة اليمنية وخاصة ميزانية وزارة الخارجية اليمنية.
أضف لذلك أيضاً حالة التباين الكبير في المواقف بين القوى الوطنية على الأرض، والتي تعاني من حالة استقطاب حاد بين طرفيْ الأزمة الخليجية، وإن حتى على مستوى النخبة السياسية التي كانت تعول كثيراً على وحدة الموقف الخليجي للخروج من المأزق اليمني الراهن.
لكن مثل هذا الوضع بدأ يتراجع بل أوجد فجوة كبيرة وإن على مستوى محدود حتى اللحظة، لكن تبقى الإشكالية أن ثمة حالة استقطاب يتم الاشتغال عليها من قبل البعض للاستثمار فيها ضد خصمه السياسي.
والأخطر من ذلك كله هو الموقف غير المعلن حتى الآن رسميا من قبل التحالف بقيادة السعودية، فيما يتعلق بموقفهم مما يفترض أنهم شركاؤهم في هذه المعركة المصيرية والوجودية مع إيران، وهم الإسلاميون كحزب التجمع اليمني للإصلاح والأحزاب السلفية المؤيدة للشرعية كحزب الرشاد السلفي، الذي أدرِج أمينه العام في قائمة غير المرضي عنهم، وحزب النهضة.
خطورة الأزمة الخليجية اليوم تكمن في أنها وضعت أقوى شركاء وحلفاء السعودية داخل اليمن في مأزق صعب، وحشرتهم في زاوية ضيقة، خاصة أنهم وُضعوا في قائمة مطالب دول الحصار باعتبارهم مطلوبا التخلص منهم. وهكذا تكون السعودية قد جردت نفسها من أقوى حلفائها، ودفعت بهم للارتماء في المجهول

وغيرها من الجماعات التي تضعها دولة الإمارات على قائمة أعدائها، وهو ما سينعكس سلبيا على العلاقة غير الواضحة حاليا بين هذه الأطراف والتحالف العربي بقيادة السعودية، التي لم تعلن -حتى الآن- موقفا واضحا من هذه الأطراف كما فعلت الإمارات.
خطورة الأزمة الخليجية اليوم تكمن في أنها وضعت أقوى شركاء وحلفاء السعودية داخل اليمن في مأزق صعب، وحشرتهم في زاوية ضيقة، خاصة أنهم وُضعوا في قائمة مطالب دول الحصار باعتبارهم مطلوبا التخلص منهم. وهكذا تكون السعودية قد جردت نفسها من أقوى حلفائها، ودفعت بهم للارتماء في مجاهيل ومتاهات هذه اللحظة السياسية الأكثر تعقيدا في تاريخ المنطقة كلها.
ومن تداعيات هذه الأزمة على الوضع اليمني ظهورُ الأهداف غير المعلنة من مشاركة بعض أطراف التحالف في هذه الحرب، وذلك بتبلور موضوع الثورة المضادة بأوضح صورة، وأن ما يجري في اليمن لا يخرج عن سياق مسيرة الثورة المضادة، وإن دخلت تحت شعارات التخلص من الانقلاب ومواجهة المد الإيراني.
فالمراقبون والمتابعون للشأن اليمني يدركون بوضوح نبرة الحنين المخطط له إلى استعادة النظام السابق، بإعادة ترميمه والدفع به مجددا إلى واجهة المشهد السياسي، وذلك من زاوية الحديث عن فشل المسار العسكري، وضرورة العودة لمسار الحوار وهندسة المشهد، بحيث يدفع بالنظام السابق -وإن اختلفت شخوصه الرئيسية- كمنقذين لليمن تحت ذريعة الخوف من الإسلاميين وعدم تمكينهم، والتمهيد لإزاحتهم بشيطنتهم بتهم الإرهاب مرة والفشل مرة أخرى.
خاتماً، ستكون للأزمة الخليجية انعكاسات خطيرة على الوضع والحرب في اليمن وعلى المنطقة كلها، وهو ما يتطلب أن يسعى الإخوة في الخليج للخروج من هذا المأزق الخطير الذي يقود المنطقة كلها نحو المجهول، وشبح تكرار المشهد العراقي/الكويتي يلوح في الأفق.
ويتطلب الأمر موقفا عقلانيا من القيادة السعودية التي هي قائدة المنطقة كلها، وهي الأقدر على احتواء هذه الأزمة بالحوار والتفاهمات بعيدا عن الانحياز لأي طرف، خاصة في ظل ما تشهده المنطقة من انهيار لمنظومة الدولة الوطنية في العراق وسوريا وليبيا واليمن. وهو انهيار يهدد المنطقة العربية كلها وفي مقدمتها منطقة الخليج أخرى مناطق الاستقرار العربي الراهن، والحبلى بالتناقضات والفوضى المذهبية والطائفية.
ليس هذا فحسب ما ينتظر المنطقة؛ بل إن تعقيدات المصالح الدولية في منطقة الخليج سيمثل بيئة خصبة لانفجار أزمة دولية، قد تقود لحرب كبرى بين القوى الدولية التي لن تخسر شيئا ما دامت هذا الحرب خارج حدودها وعلى أراض عربية، على منوال الحرب والاقتتال الدائر اليوم في العراق وسوريا وليبيا واليمن.
هذا مع فارق أن منطقة الخليج سيشملها -لا قدر الله- الكثير من الخراب والاقتتال الذي نتمنى ألا تصل إليه الأمور، لما سيكون له من تأثير كارثي على كل العرب والمسلمين والعالم، بل نتمنى صحوة العقلاء في الخليج للملمة الشمل والعودة إلى الحوار الأخوي المسؤول.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق