في ذكرى رابعة.. سؤال
سؤال ما زال يتردد منذ أحداث فض اعتصامي رابعة والنهضة، التي وقعت في الرابع عشر من أغسطس/ آب 2013، حول الصمت الدولي ومدى مصداقية انتصار الغرب لحقوق الانسان، والديمقراطية خاصة في ظل استمرار تدهور أوضاع حقوق الإنسان في مصر، ودخول البلاد مرحلة استهداف السلطة للمعارضين والرافضين للانقلاب عبر الاغتيال أو القتل خارج إطار القانون، أو ما يُعرف بـ"التصفيات الجسدية"، وكذلك تنامي ظاهرة الإخفاء القسري..
ولا سيما أن هناك من لا يزال يأمل في كسب موقف غربي رسمي مناصر، وبعيدا عن ازدواجية المعايير، التي تتعامل بها القوى الغربية المهيمنة على النظام العالمي (أمريكا والاتحاد الأوروبي)، خاصة في ظل عدم محاسبة أي مسؤول أو حتى توجيه اتهام على مستوى الداخل المصري.
سنوات على المجزرة
رغم مرور سنوات حتى وقتنا الحالي، فإن ردود الفعل الرسمية للفاعلين الدولي لم تراوح على مدار هذه الفترة منطقة الشجب، والاستنكار والإدانة، أو التعبير عن القلق، ولم تدفع تجاه أي إجراء حقيقي على الأرض لمحاسبة الجناة.
على مستوى المنظمات الدولية، فقد توالت تقارير المنظمات، التي وثقت وأدانت ما حدث في رابعة والنهضة وما بعدهما حتى وقتنا الراهن، ويأتي على رأسها منظمة هيومن رايتس واتش، ومنظمة العفو الدولية.
هيومن رايتس ووتش
في ملخص تقريرها المهم والصادر في 12 أغسطس/ آب 2014، أشارت هيومن رايتس واتش إلى أن عمليات القتل لم تشكل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان فحسب، بل إنها ترقى على الأرجح إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية، بالنظر إلى اتساع نطاقها وطبيعتها الممنهجة، وكذلك إلى الأدلة التي توحي بأن عمليات القتل كانت جزءا من سياسة تقضي بالاعتداء على الأشخاص العزل على أسس سياسية.
وجاء في أهم التوصيات الموجهة للدول الأعضاء في الأمم المتحدة؛ أن تُشكل من خلال المجلس الأممي لحقوق الإنسان لجنة دولية لتقصي الحقائق بغرض التحقيق في كافة انتهاكات حقوق الإنسان الناجمة عن أعمال القتل الجماعي للمتظاهرين منذ 30 حزيران/ يونيو 2013، كذلك تعليق كافة مبيعات وتوريدات الأصناف والمساعدات المتعلقة بالأمن لمصر حتى تتبنى الحكومة إجراءات لإنهاء الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، مثل تلك المتعلقة بقمع المظاهرات السلمية إلى حد بعيد، ومحاسبة منتهكي الحقوق.
مجلس حقوق الانسان
كذلك، كان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف قد اعتمد تقرير مصر النهائي للمراجعة الدورية الشاملة لملف حقوق الإنسان، والذي اشتمل على أكثر من 300 توصية قدمتها 122 دولة من دول العالم لمصر؛ بغية تحسين ظروف حقوق الإنسان. وقد اعتبر رافضو الانقلاب في مصر وقتها ذلك انتصارا كبيرا للملف الحقوقى المصري.
غير أنه منذ تاريخ اعتماد هذه التوصيات في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، لم يحدث ثمة تقدم في الملف الحقوقي المصري، بل تفاقمت الانتهاكات حيث انتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش وقت اعتماد مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة تقرير مصر للمراجعة الدورية الشامل في 20 آذار/ مارس 2015؛ ما وصفته بـ"قمع غير مسبوق ومستمر تمر به مصر الآن، ولا سيما أن الحكومة المصرية، ومنذ الاستعراض الدوري الشامل في تشرين الثاني/ نوفمر 2014، ارتكبت انتهاكات أكثر".
العفو الدولية
كذلك أشارت منظمة العفو الدولية في تقاريرها المتوالية عن مصر، خاصة منذ 2015/2016 وحتى تاريخه، إلى استمرار وضع حقوق الإنسان في التدهور، حيث فرضت السلطات بشكل تعسفي قيودا على حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات وحرية التجمع السلمي، كما أشارت إلى أصدار مئات من أحكام الإعدام الجائرة.
وحول ما يتعلق بالإفلات من العقاب أشارت منظمة العفو إلى تقاعس السلطات المصرية عن إجراء تحقيقات فعَّالة ومستقلة ونزيهة بخصوص معظم حالات انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الاستخدام المتكرر للقوة المفرطة من جانب قوات الأمن، مما أسفر عن وفاة مئات المتظاهرين منذ تموز/ يوليو 2013.
سؤال ما زال يتردد؟
في اطار الاستعراض السابق، وبعد سنوات من مجزرة فض اعتصامي رابعة والنهضة، ما زال هناك من يأمل في نصرة النظام العالمي الذي يقوده الغرب وأمريكا، لملف حقوق الانسان والديمقراطية في مصر، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم التي ارتُكبت، حيث يرى البعض أن هناك قصورا في الملف الحقوقي من جانب رافضي الانقلاب في ثلاث مسارات هامة، وهي مسار التوثيق ومسار المتابعة الجنائية ومسار جماعات الضغط، ومن الممكن عند تدارك القصور فيها أن يتم الوصول إلى محاكمة المسؤولين دوليا.
ورغم وضوح الحالة المزرية لحقوق الإنسان والإدانات والاستنكارات المتتالية والتوصيات الصادرة والحقائق الموثقة وتصاعد الانتهاكات المنهجية والمتنوعة، وقتل الآلاف واستمرار اعتقال عشرات الألوف يثور على الدوام تساؤل حول مدى إمكانية دعم المنظومة العالمية لتحول ديمقراطي حقيقي ومدى صدقية الانتصار لحقوق الانسان؛ في ظل ما يأمله البعض من أن ينتصر النظام العالمي بقيادة أمريكا والغرب (بمنظماته الأممية ومجالسه ومحاكمه الدولية التي يسيطر عليها) للديمقراطية وحقوق الإنسان في الحالة المصرية وفي غيرها، رغم ازدواجية المعايير على أرض الواقع، ومشاركة الغرب وأمريكا في انتهاك الديمقراطية وحقوق الانسان في مناطق مختلفة من العالم، وفي منطقتنا العربية تحديدا. وهذا ما سوف نحاول تقديم الإجابة الواضحة عليه وبيانه في القادم بإذن الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق