غازي القصيبي.. الإرهابي (2).. حكايته مع آيات!
سعدية مفرح
آيات محمد لطفي الأخرس فتاة فلسطينية ولدت في 20 فبراير من العام 1985م، بالقرب من بيت لحم ونشأت في مخيم الدهيشة للاجئين في أسرة فلسطينية تضم بالإضافة إلى الأم والأب 11 ابنا وابنة كانت آيات الرابعة بينهم. وكمعظم الفلسطينيين تشبعت آيات بمفردات القضية الفلسطينية وكانت تتعايش يوميا مع الوضع المعقد لتلك القضية التي يختلط فيها الديني بالقومي والسياسي والوطني والإنساني اليومي.
كان خيارها الأول عندما بلغت السابعة عشرة من عمرها القيام بعملية نضالية على طريق الاستشهاد. في التاسع والعشرين من مارس للعام 2002 أقدمت آيات على تنفيذ مخططها بتفجير نفسها في أحد المراكز التجارية الإسرائيلية في مدينة القدس المحتلة في سياق عمليات كانت تقوم بها حركة التحرير الوطنية فتح. لم تكن آيات أول فتاة تقوم بمثل تلك العملية بل كانت الثالثة، ولكن عمليتها كانت الأكثر تأثيرا وترسيخا لمنطق العمليات الاستشهادية الفردية. وهذا ما دعى غازي القصيبي لأن يجعل منها بطلة فردية لقصيدته ذات العنوان الجمعي، وبالتالي ما جعلنا نفضل ذلك العنوان الفردي على العنوان الجمعي في تناولنا للقصيدة هنا.
كان خيارها الأول عندما بلغت السابعة عشرة من عمرها القيام بعملية نضالية على طريق الاستشهاد. في التاسع والعشرين من مارس للعام 2002 أقدمت آيات على تنفيذ مخططها بتفجير نفسها في أحد المراكز التجارية الإسرائيلية في مدينة القدس المحتلة في سياق عمليات كانت تقوم بها حركة التحرير الوطنية فتح. لم تكن آيات أول فتاة تقوم بمثل تلك العملية بل كانت الثالثة، ولكن عمليتها كانت الأكثر تأثيرا وترسيخا لمنطق العمليات الاستشهادية الفردية. وهذا ما دعى غازي القصيبي لأن يجعل منها بطلة فردية لقصيدته ذات العنوان الجمعي، وبالتالي ما جعلنا نفضل ذلك العنوان الفردي على العنوان الجمعي في تناولنا للقصيدة هنا.
انطلقت ردود الفعل التي يعرفها القصيبي ولكنه لم يكن لينشغل بها من العالم الآخر، لأنه كان يعرف الهدف منها، فالهدف كما يراه واضحا وهو "إسكات أي صوت لا يعجب اليمين المتطرف الأهوج، سواء في إسرائيل أو في الولايات المتحدة، أو لا يعجب أنصار مجرم الحرب شارون".
ولأن الضجة التي أثيرت ضد القصيدة كانت الصحافة ساحتها الأولى فقد كان لا بد من شائعات وأخبار تغذيها لتساهم في تضخيمها ضد الشاعر، ومن هذه الشائعات والأخبار ما راج يومها حول غضبة بريطانية عبرت عنها الحكومة باستدعاء للقصيبي بصفته سفيرا لتوبيخه بسبب نشره لتلك القصيدة، لكن غازي فضل أن ينفي ذلك الخبر كله ويعتبره مجرد كذبة. وقال أن "ما نشر عن استدعاء وزارة الخارجية البريطانية لي أو ما تردد عن "توبيخ"، فكله أوهام في أذهان الكتاب العنصريين الذين أوجدوا الكذبة وصدقوها. العلاقة بيني وبين المسؤولين في الخارجية البريطانية علاقة زمالة وصداقة وبيننا احترام متبادل، فلا هم يوبخونني ولا أنا أوبخهم". هل كان القصيبي يتحدث هنا بصفته شاعرا قال كلمته ومضى غير مبال بأية تبعات يمكن أن تنتج عن تلك الكلمة الشعرية؟ أم بصفته سياسيا ودبلوماسيا يهمه جدا أن يقلل من تلك التبعات المتوقعة؟
يرفض القصيبي تماما أن يكون انتقاله من لندن إلى الرياض عقوبة له من حكومته على نشر القصيدة التي تسببت بشيء من عدم الارتياح بين البلدين على صعيد ما يومها.
غيتي إيميجز
من الواضح جدا للمتابعين أن "شيئا ما" قد حدث، بعد نشر هذه القصيدة أدى إلى عقاب ما للدبلوماسي الذي يتصرف بصفته الشعرية في خضم عمله الوظيفي، وقد اتخذ هذا العقاب غير المعلن شكلا معلنا بانتقال غازي من لندن إلى الرياض ومن وظيفة السفير إلى وظيفة الوزير. لكنه لم يكن ليريد الاعتراف بشكل العقاب الذي أعاد إلى الأذهان قصيدة للشهداء أو عروس العوالي، حيث كانت تلك القصيدة أو بعض أبياتها تنشر كلما تردد خبر إقالة أو نقل القصيبي من منصبه الدبلوماسي الرفيع. ويبدو أن إنكار القصيبي لأن يكون ما حدث عقابا له وأنه مجرد كذبة كان ينطلق من موقعه الدبلوماسي والسياسي الذي لم يتركه منذ أن بدأ رحلته فيه. ثم إن مكانته القريبة جدا من بؤرة الحكم في بلاده كانت تحتم عليه أن يظل مخلصا لهذا الموقع المميز.
ولعلنا في سبيل رصد تبعات القصيدة نلاحظ بعض الارتباك الخفي في ردود القصيبي حول الأمر على من سأله عنه. ففي حين يرفض تماما أن يكون انتقاله من لندن إلى الرياض عقوبة له من حكومته على نشر القصيدة التي تسببت بشيء من عدم الارتياح بين البلدين على صعيد ما يومها، وأن الحكومة البريطانية لم تستدعه كما نشر وأن من يقول ذلك كان لا يفعل شيئا سوى أنه يروج لكذبة، نراه في تصريحات أخرى "يسكت" تجاه من يشير إلى الأمر كحقيقة، سكوت الراضي والموافق ربما.
ورغم التزامن الواضح بين نشر القصيبي لقصيدته وعودته للرياض تاركا سفارته في لندن في بحر ستة أشهر فقط، إلا أن القصيبي ينفي ذلك التزامن، فيقول: "لم يكن هناك تزامنِ قصيدتي عن الشهداء نشرت في إبريل وعينت وزيرا في سبتمبر أي بعد قرابة ستة أشهرِ هناك سببان للعودة المفترضة بين القصيدة والوزارةِ الاول، موقف الصحافة البريطانية المتعاطف مع الأوساط الصهيونية، والتي رأت في التعيين نوعا من العقوبة (كتبت صحيفة بريطانية معروفة مقالة افتتاحية عني سمتها: 'التعذيب بالماء!') والثاني، هو أن الخيال كثيرا ما يكون أحلى وأكثر إثارة من الواقعِ" .
حسنا.. قد يكون الخيال أحلى من الواقع، وربما لهذا يجد الشاعر في بعض إجاباته التي قد تكون خيالية نوعا ما بديلا عن تلك الوقاعية، ففي رد على سؤال يقول: "بسبب قصيدة نقلت من منصبك كوزير للصحة إلى سفير في المنامة، وبسبب مجموعة من القصائد التي قلتها في عين العاصفة نقلت إلى سفير في لندن، وبسبب قصيدة ها أنت تعود سفيرا، ولكن للمياهِ، ماذا تنتظر من قصيدتك المقبلة؟ أجاب القصيبي: أتمنى أن تكون القصيدة المقبلة قصيدة استسقاء!"! أي أنه سكت عن فرضية السؤال التي تثبت أنه انتقل من لندن إلى الرياض بسبب هذه القصيدة الإشكالية على صعيدها الموضوعي والفني أيضا.
والحكاية ما زالت مستمرة..!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق